يجمع مجاهدو منطقة غسيرة بولاية باتنة أن سجن النساء بقرية تفلفال بولاية باتنة كان محاولة بائسة من قوات الاحتلال الفرنسي لإرغام المجاهدين على تسليم السلاح و تخويف الشعب والحيلولة دون التحاقه بصفوف الثورة بعد اندلاعها بأشهر قليلة. فالمستعمر أدرك بأن الأوراسي شديد الحرص على أرضه وعرضه و أن المرأة بهذه المنطقة المحافظة كانت خطا أحمرا فاهتدى --حسب المجاهد و أمين قسمة المجاهدين بغسيرة لخضر فلوسي (76 سنة)-- وبإيعاز من الخونة إلى اعتقال زوجات المجاهدين وأخواتهم انتقاما لما كانوا يسمونهم حينها ب"الفلاقة". كان السجن الذي استحدث في 10 أغسطس 1955 بعد حملات تفتيش واسعة واضطهاد كبير لسكان المنطقة بحثا عن السلاح لمخلفات الحرب العالمية الثانية --يضيف السيد فلوسي عبارة عن بيت كبير نهبته قوات الاحتلال من أحد المواطنين وجمعت فيه نساء المجاهدين رفقة أبنائهم من مختلف جهات غسيرة في ظروف مأساوية قاسية. --سنة من البؤس والخوف بين أسوار سجن تفلفال-- "كان يوما أسودا ذاك الذي اقتادنا إليه عساكر الاحتلال إلى المعتقل بعد أن أحرقوا القمح وعشرات المنازل" تقول الحاجة عبيد الله ذهبية ذات ال 77 سنة مضيفة بحرقة ل/وأج : "كان عمري وقتها 18 سنة و ابنتي لا تتجاوز سنة كان ذنبي الوحيد أن زوجي اختار الثورة. ساقونا بمهانة إلى السجن وبقينا فيه نفترش التراب ونتوسد الحجارة. حتى الأكل كان يقتصر على اللقيمات التي كانت ترسل إلينا من طرف أهالينا بين الحين والآخر". أما العجوز مباركة حلماط التي أنهكتها سنوات عمرها ال 87 سنة فسبقت الدموع حديثها عن السجن الذي سيقت إليه وهي حامل وعمرها لا يتعدى 17 سنة وقالت "كانت ليالينا رعب ونحن بالمعتقل فكلما حل الظلام نلجأ إلى غلق باب الغرفة الكبيرة بإحكام وعندما نحس بحركة مشبوهة نلجأ إلى ضرب الأطفال حتى لا يتم اقتحام المكان." "كان جنود العدو والقومية يزعجوننا ويتعمدوا تخويفنا ... وفي الواقع لم نكن ننام إطلاقا. كانت حياتنا عبارة عن كابوس مرعب" تضيف الحاجة مباركة "كنا حوالي 20 امرأة جئن بهن من مشونش (تقع حاليا ببسكرة) وتكوت ومختلف دشرات غسيرة ولكل منا حكايتها ومنا من كان أهلها يتمنى لها الموت لأن دخولنا المعتقل كان فضيحة." --7 شهداء بين نساء وأطفال إثر قنبلة السجن بالهاون-- تتذكر المجاهدتان ذهبية ومباركة الليلة التي اهتزت فيها أركان المعتقل بعد أن زرع الجنود في زواياه الخارجية قنابل ثم ضربه بالهاون انتقاما من جيش التحرير الوطني الذي هجم على مركز العدو الفرنسي بتفلفال وألحق به خسائر منها مقتل ضابط برتبة ملازم. كان ذلك مساء يوم 26 سبتمبر 1955 تقول الشاهدتان. "كنا بصدد تحضير بعض الأكل حيث باغتنا أحد عناصر اللفيف الأجنبي بالصراخ بأن الليلة نهايتنا إما رميا بالرصاص أو ذبحا بالسلاح الأبيض وسرعان ما اهتز المكان وسط صراخ النساء والأطفال فتطايرت الجثث من حولنا." "كان المنظر رهيبا اختلط فيه غبار الأتربة بالدماء والأشلاء البشرية و رائحة الموت تملأ المكان و وحدنا نساء لا حول لهن ولا قوة أمام واقع مرير استفقنا منه وقد فقدنا فطيمة بلعايش زوجة بن علي جديدي وابنيها الصغيرين أحمد وفاطمة و رقية سايغي و عائشة مفتاح وقريبتها رقية و محبوبة وزاني". "بقينا مع الجثث يوم وليلة ولم يتم إسعاف الجريحات بل عمد الجنود الفرنسيون انتقاما لقتيلهم بعد حرق منازل القرى المجاورة إلى قتل الحيوانات ورميها داخل المعتقل مما زاد في الروائح الكريهة التي تسببت في اختناقنا وإصابتنا بالغثيان" تضيف المتحدثتان. "وتسبب انهيار المعتقل في نقلنا إلى سجن ثاني بنفس البلدة لكن وضعيتنا ازدادت سوءا رغم أن المكان كان واسعا ويضم حوالي 7 حجرات" تضيف محدثتا /وأج وقد جمعهم لقاء حميمي بين الأطلال المتبقية من سجن تفلفال الواقع على الطريق الوطني رقم 31 في جزئه العابر لبلدية غسيرة في يوم خريفي مشمس. وبعد عام كامل من الاعتقال تم إخلاء سبيل ما تبقى من السجينات مع إلزامهن بالبقاء بالقرية تحت أعين العدو بعد أن أجبرت كل عائلة بإيواء امرأتين سواء أكانتا بمفردهما أم مصحوبتين بالأطفال . --إعادة فتح السجن في 1959 واعتقال أكثر من 100 امرأة إلى غاية الاستقلال-- تروي المجاهدة هنية نصراوي (77 سنة) أن المستعمر أعاد فتح سجن النساء في سنة 1959 غير بعيد عن مقر السجن المنهار. وقالت ل/وأج أنها كانت من بين حوالي 100 امرأة من نساء المجاهدين وقريباتهم من مختلف نواحي غسيرة التابعة لمركز تفلفال "بقينا منتسبات إليه إلى غاية الاستقلال". كان المعتقل هذه المرة في صورة إقامة إجبارية لأن النساء المحتجزات --تضيف المجاهدة نصراوي-- يطلق سراحهن كل يوم لمدة 3 أو 4 ساعات للتزود بالطعام مع إجبارهن كل مساء على العودة إلى المعتقل للمبيت فيه دون أطفالهن ودون مراعاة المسافة المقطوعة يوميا و قساوة طبيعة المنطقة ومن تتخلف تتعرض للعقاب. "معاناة كبيرة عشناها في المعتقل جوعا وعطشا ونقصا في الثياب والمؤونة وانعدام الأمان وبعد عن الأهل وتعذيب نفسي لأن الجنود كانوا يصرخون في وجوهنا +أين هم الفلاقة نادوهم لتخليصكم إنهم هناك في جبل أحمر خدو+ "تضيف المجاهدة. ولم يخف زوج هنية المجاهد بن إيدير عمر أن المجاهدين حاولوا مرارا الهجوم على المعتقل لكنه كان محصنا بمركز تيفلفال العسكري ومساكن القومية والخونة وكان وقتها من الصعب تخليص السجينات. --سجن النساء جرح ما زال يبعث الألم في نفوس سكان غسيرة-- على الرغم من أن السجينات اللواتي التقت بهن /وأج أكدن عدم تعرضهن للاعتداء وأن شرفهن لم يدنس إلا أن الحديث عن سجن النساء كما هو معروف لدى العامة بتفلفال وغسيرة يبقى جرحا عميقا يبعث الألم في سكان المنطقة لأن الكثيرات تعرضن بداخله لتعذيب جسدي ونفسي وأخلاقي حتى أن العدو --حسب عديد الشهادات-- قام حينها بفصل النساء الأمهات والنساء بدون أولاد داخل المعتقل. واليوم بعد مرور 60 سنة عن الحادثة المريرة التي تبقى شاهدا على بشاعة الاستعمار تحتفظ قرية تفلفال النائية ببعض الذكريات عن المعتقل الذي لم تبق منه إلا الأطلال وجدارية من الحديد كتب عليها "في هذا المكان المسمى تفلفال أقام المستعمر الفرنسي مركزا للتعذيب والقتل الجماعي على يد ضابط الشؤون الأهلية فرانكو مستخدما الكهرباء والماء الساخن والرمي بالرصاص لتدفن الجثث في المقبرة الجماعية بشعبة أولاد عمر حتى لا تنسى الأجيال." ويأمل مجاهدو المنطقة تحويل المكان إلى متحف يظل شاهدا على بشاعة ولا إنسانية المستعمر فيما تتمنى سجينات المعتقل اللواتي بقين على قيد الحياة أن يأخذ سجن النساء بتفلفال حقه من الترويج لفضح قوات الاحتلال التي أقامت سجنا للنساء والأطفال وكانت تريد ذل المجاهدين ولم تكن تدري بأن الجزائر كانت بالنسبة للشعب أغلى ما يملك. ومن جهتهن تتطلع السجينات اللواتي ما زلن على قيد الحياة إلى إطلاع الرأي العام ليكتشف العالم مدى بشاعة الاحتلال الفرنسي الذي بنى سجنا للنساء و الأطفال و ذلك في محاولة يائسة للنيل من عزيمة المجاهدين.