المرافقة النفسية لعدم العودة إلى الإجرام    المجلس الإسلامي الأعلى : الدكتور عبد الرحمن سنوسي يعرض بالبحرين تجربة الجزائر في توطين الصيرفة الإسلامية    صالون "باتيماتيك" 2024 : افتتاح الطبعة ال 26 بمشاركة أكثر من 900 عارضا    التوعية بمخاطر الأنترنت تتطلب إدراك أبعادها    المتحف الوطني للمجاهد: ندوة تاريخية إحياء لرموز الكفاح الوطني ضد الاستعمار الغاشم    السيد بلمهدي يشرف على يوم تكويني لفائدة المرشدين الدينيين المعنيين ببعثة حج 2024    يوم برلماني غدا الاثنين حول "واقع سياسة التشغيل في الجزائر"    النص الكامل لكلمة رئيس الجمهورية خلال أشغال القمة الإسلامية (15) لمنظمة التعاون الإسلامي    صدور مرسوم تنفيذي يتضمن إنشاء القطاع المحفوظ للمدينة العتيقة لمازونة بولاية غليزان وتعيين حدوده    فلسطين: ارتفاع حصيلة الشهداء جراء العدوان الصهيوني على غزة إلى 34 ألفا و683    الأيام السينمائية الدولية بسطيف : تقديم العرض الشرفي للفيلم الثوري "الطيارة الصفراء"    مظاهرات حاشدة في عواصم عالمية تنديدا بالعدوان الصهيوني المتواصل على قطاع غزة    الصحة العالمية: هجوم الكيان الصهيوني على رفح قد يؤدي إلى "حمام دم"    اليوم العالمي لحرية الصحافة: عميد جامع الجزائر يدعو للتصدي للتضليل الإعلامي الغربي    الجزائر تستنفر العالم حول المقابر الجماعية بغزّة    بطولة إفريقيا للسباحة المفتوحة أنغولا-2024: الجزائر تحصد 6 ميداليات من بينها 3 ذهبيات    مركز عربي إفريقي يُكرّم تبّون    حماية الطفولة: السيدة مريم شرفي تستقبل من قبل وزير المصالح الاجتماعية بكيبك    البكالوريا.. العدّ التنازلي    الوزير الأول يلتقي بالرئيس السنغالي    مجلس التجديد الاقتصادي الجزائري ينوه بنتائج الإصلاحات الاقتصادية التي تمت مباشرتها    بلمهدي: توفير قرابة 2000 سكن وظيفي للائمة قريبا    رئيس الجمهورية يقرر التكفل بالحالة الصحية للفنانة بهية راشدي    هذه توجيهات وزير المالية للبنوك..    إجراءات للوقاية من الحرائق بعنابة: تزويد محافظات الغابات في الشرق بطائرات "الدرون"    ميلة: قافلة طبية لعلاج المرضى بسيدي مروان    إعادة فتح جسر كيسير أمام حركة المرور    البطولة الإفريقية للسباحة: 3 ذهبيات وبرونزية حصاد الجزائر في اليوم الرابع من المنافسات    المصادقة بالإجماع على التقريرين الأدبي والمالي    رئيس الجمهورية يهنئ نادي فتيات أقبو    حقيقةX دقيقة: بعد سنوات الظل..    الإعلام والمساجد لمواجهة خطر الوسائط الاجتماعية    الجزائر في طريق تحقيق التكامل الإفريقي    تحضير المراسيم الجديدة الخاصة ب"عدل 3"    "طوفان طلابي" مؤيد لفلسطين يجتاح أرقى جامعات العالم    رؤساء الأندية يطالبون بتعديل متوازن    عزلة تنموية تحاصر سكان مشتة واد القصب بتبسة    وكيل أعمال محرز يؤكد بقاءه في الدوري السعودي    دعوة إلى توحيد الجهود لحماية الحقوق الأساسية    النزاع المسلح في السودان.. 6.7 مليون نازح    قلعة لإعداد الرجال وبناء الوطن    4 شعب تتصدر النشاط وهذه هي "وصفة" تطوير الإنتاج    المعالم الأثرية محور اهتمام المنتخبين    أول وفد لرياضيينا سيتنقل يوم 20 جويلية إلى باريس    اقترح عليه زيارة فجائية: برلماني يعري فضائح الصحة بقسنطينة أمام وزير القطاع    توقيف 15 شخصا أضرموا حريقا عمدا بحي رأس العين    البروفيسور الزين يتوقف عند "التأويلية القانونية"    الالتقاء بأرباب الخزائن ضمانا للحماية    أبواب مفتوحة على التوجيه المدرسيّ والإرشاد المهني    حجز سيارات، مهلوسات ومحركات مستعملة    الشريعة الإسلامية كانت سباقة أتاحت حرية التعبير    برنامج مشترك بين وزارة الصحة والمنظمة العالمية للصحة    "الحق من ربك فلا تكن من الممترين"    «إن الحلال بيِّن وإن الحرام بيِّن…»    إذا بلغت الآجال منتهاها فإما إلى جنة وإما إلى نار    التوقيع على برنامج عمل مشترك لسنة 2024-2025 بين وزارة الصحة والمنظمة العالمية للصحة    استئناف حجز التذاكر للحجاج المسافرين مع الديوان الوطني للحج والعمرة يوم الأربعاء بالنسبة لمطار الجزائر    القابض على دينه وقت الفتن كالقابض على الجمر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تجربة الأسير المحرر محمد محمد عبد العزيز أبو شاويش
نشر في الحوار يوم 09 - 05 - 2017


* بطاقة تعريف:
الاسم: محمد محمد عبد العزيز أبو شاويش
تاريخ الاعتقال: أكثر من مرة تم الاعتقال:
أول اعتقال تم بداية 1970 وتم الإفراج نهاية 1970.
آخر اعتقال كان عام 1985 وتم الإفراج عام 1994.
السكن: مخيم النصيرات للاجئين وسط قطاع غزة
كيفية الاعتقال
في بدايات العام 1970 كنت أبلغ من العمر 15 عاماً وثمانية أشهر في الصف التاسع الأساسي بإحدى المدارس الأساسية بمخيم النصيرات للاجئين وسط قطاع غزة، لقد تأثرت بالنكبة الفلسطينية وتهجير الشعب الفلسطيني من قراه ومدنه على يد العصابات الصهيونية، لذلك كنت أشارك مع الطلبة في المواجهات ضد الاحتلال، وفي يوم من الأيام قمنا بالتصدي لدورية إسرائيلية على شارع صلاح الدين، شرق مخيم النصيرات للاجئين، وعلى إثر هذه المواجهات قامت قوات الاحتلال بفرض الطوق على مخيم النصيرات وتحديداً المنطقة الشرقية منه، والتي يتواجد بها منزلنا، وقاموا بالطلب من السكان عبر مكبرات الصوت بالخروج والتجمع في مدرسة النصيرات الإعدادية للاجئين عند مدخل المخيم.
تجمع السكان في المدرسة وسط تواجد قوات راجلة وجيبات عسكرية إسرائيلية، فجأة أصبحوا ينادوا عبر مكبرات الصوت " على جميع أفراد عائلة أبو شاويش الخروج في مكان ما، خرجنا وعندها أصبحوا ينادوا على أسماء العائلة، وعندما نادوا على اسمي خرجت فاعتقلوني، كانوا يبحثون عن اسمي لأن لديهم معلومة من العملاء تتهمني أنني مشارك في التصدي للاحتلال على خط صلاح الدين وإلقاء قنبلة يدوية.
قاموا بسحبي إلى داخل أحد الصفوف وبدأوا التحقيق معي، كانوا يحيطون بي من كل جانب، وكان من بينهم ضابط إسرائيلي عرفته فيما بعد يدعى "كابتن دان"، وهو مسؤول أقبية التحقيق في سجن غزة المركزي، كانوا يضربوني ويسألوني عن إلقاء القنبلة؟، ومن أعطاني القنبلة؟، ومن أرسلني، كنت لا أجيب عليهم. استمروا بالتحقيق والتعذيب معي داخل غرفة الفصل، ثم أخذوني إلى بيتي وفتحوا الباب ودخلوا بصورة عنيفة، لم يكن هناك أي أحد في البيت إلا والدتي رحمها الله، لأن إخواني كلهم موجودين في المدرسة. قابلتهم أمي وكانت تريد إبعاد أي تهمة عني، فقالت للجنود: ماذا تفعلون بمحمد؟، ما لكم يا خواجة على ابني الصغير؟، هل عمل مشكلة؟، هذا ما يعمل شي.. أقصى حاجة يمكن يعملها يطير طائرات ورقية، فقال الضابط: ابنك ضحكوا عليه المخربين،
تركوا أمي وبدأوا يفتشون في بيتينا الصغير الفقير، كان لدي طاولة صغيرة عليها كتب، وعندما وصلوا للطاولة، قال لي الكابتن دان: هذه طاولتك؟، قلت: نعم. بدأ يفتش ويبعثر في الكتب، وأثناء التفتيش وجد زنبرك حديدي خاص بقطعة سلاح كارلو ملفوف في ورقة، وحقيقية لم أكن اعلم بهذا الزنبرك، لكن أمي -رحمها الله- كانت تعلم بذلك لأنه لأخي زياد، رحمة الله.
خبرة الكابتن دان أهلته لأن يعرف أن هذا الزنبرك جزء من قطعة سلاح، فعلى الفور سأل: أين الكارلو؟. ففي هذا الوقت ظهرت مهارة وذكاء وقوة أمي، فنتشت الزنبرك من الكابتن دان، وقالت: هذا الزنبرك ليس زنبرك سلاح هو زنبرك أحضرته لكي أربط به بكس الحمام، وما إن أنهت الجملة حتى نظرت لي نظرة فهمتها على الفور، لقد كنت فاهماً لوالدتي من نظراتها وإيماءاتها منذ الصغر، خاصة وأنها هي التي ربتني أنا وإخواني بعد وفاة والدي قبل أن أبلغ من العمر عاماً واحداً، لقد فهمت أنه يجب أن يكون كلامي موافقاً لكلامها، إذا تم سؤالي عن الزنبرك.
وبالفعل سألني المحقق دان فورا:
أين قطعة السلاح الخاصة بهذا الزنبرك؟
فقلت هذا الزنبرك خاص بأمي لربط بكس الحمام، وأضفت على كلامها أن أمي لم تجد شاكوشاً لكي تعدله، بعد أن انتهينا من قصة الزنبرك، سألوني بطريقة حتى اعترف لهم، فقالوا: يا محمد نحن لا نريدك، لا نريد اعتقالك؟، نريد اعتقال الشخص الذي أرسلك لتعمل العملية وتتصدى للجيش، أخبرنا من الذي أرسلك والآن نطلق سراحك وتبقى في بيتك.
لم أُجب عليهم وقلت لهم أنني لم أتصد للجيش ولم أرم القنبلة، عندها وجهوا الحديث لوالدي كي تقنعني بأن أعترف، فقالوا لأمي: ابنك سوف يخرب بيتك، فردت عليهم: ابني لم يعمل شيئا. عندها سحبوني بالقوة في الجيب العسكري وأعادوني للمدرسة، حيث لا زال الناس في المدرسة ولا زال الطوق مفروضاً على النصيرات، أخذوني على غرفة الفصل واستمروا بالتحقيق معي دون أن أقل لهم أي شيئا.. عند ذلك أدخلوني أحد الجيبات العسكرية مع 3 شباب، كنت فخورا بذلك، فخورا أنني فتى صغير معتقل، شعرت بالبطولة الفلسطينية، شعرت بمعاني الأغاني الفلسطينية في ذلك الوقت " يمه أعطيني الفدائي لو ببلاش دخل الأرض المحتلة وبيده رشاش ".
ونحن في الجيب كنا مكلبشين بكلبشات حديدية، لكن كلبشاتي كانت حديدية ثقيلة أما كلبشات الشباب كانت خفيفة، لذلك وبنوع من الدعابة وبهدف كسر الجمود وحاجز الصمت قلت أمام الجنود للشباب:
لماذا كلبشاتكوا تختلف عن كلبشاتي .. عندها لم يستجب أحداً للدعابة.
*تجربتك في سجن السرايا بغزة؟
-وبعد فترة ونحن مستقلين الجيب العسكري، توقف بنا وإذا بالجنود يدفعوننا إلى مبنى عسكري، وهنا كان مبنى سجن السرايا بغزة، حيث سحبونا إلى داخل السجن، أجلسوني مكلبشاً على الأرض ووجهي على الحائط، كنت أرى أبواباً كبيرة مصفحة، لم أكن أعلم أن خلف هذه الأبواب بشر، كنت أسمع الصراخ والآهات.
أذكر السجان الموجود يدعى(رعد) وهو درزي كما كان هناك رجلاً آخراً يلبس ذات القميص الذي نرتديه ويدعى (الرعد الخاطف) وهو عميل مع الاحتلال، كان الرعد والرعد الخاطف يضربوننا، لكن ضرب الرعد الخاطف أشد قساوة.
ولأول مرة أعرف أن خلف الأسوار الحديدية أسرى، وذلك عندما جاء الحارس وقال (قردان)، عند ذلك رأيت صحوناً يتم رميها من أسفل الباب الحديدي المجاور لنا عرفت أنا هناك أسرى، وعرفت أن معنى (قردان) هو كلمة تعني اخرجوا الصحون لكي يتم وضع الأكل أو الغذاء للأسرى.
كنت جالساً قبالة هذا الباب الحديدي، وكنت أرى أحياناً الحارس رعد يفتح الباب وأرى بعض الأسرى الموجودين في الداخل، هناك مشهد فاجأني في تلك اللحظات وهو رؤية ابن خالتي سعاد (إبراهيم)، رأيته يحمل جردلاً من البول ويخرج من الباب الحديدي، إبراهيم كان معتقلاً قبلي بشهر، وحقيقة عندما رأيت إبراهيم شعرت بشعورين هما:
الأول بالاطمئنان أنه لا يوجد شيء بيني وبينه من حيث الثورة والمقاومة، وأنه لا يمكن أن يكون هناك علاقة في الاعتقال، كما شعرت بالاطمئنان أنه لايزال حياً، حيث إن هناك أمل أن أبقى على قيد الحياة لأنه من هول ما رأيت وسمعت في الزنازين من الأيام القليلة التي جئت بها تخيل لي أن الموت قريب.
الشعور الثاني، شعرت بالرعب، لأن ابن خالتي تحول إلى شبح ضعيف نحيل يرتدي ابرهول السجن، لقد تغير شكله ومظهره.
لم يراني إبراهيم، قعدنا 3 ساعات على باب الزنازين، بعد ذلك أدخلوني زنزانة رقم 1 وهي زنزانة تطل على المطبخ كانت كبيرة وبها 17 أسيراً.
كنت أصغر أسير في حينه كان عمري 15 عاما، تعرفت على الأسرى، وتعرفت على السجن بشكل عام، كما تعرفت أن العميل " الرعد الخاطف" الذي يعمل مع مصلحة السجون هو إنسان متساقط غير أخلاقي، وفي يوم من الأيام دخل الرعد الخاطف على الزنزانة، ووجه حديثه لي قائلا:
ولاه.. تعال هون.
أول مرة تجاهلته، ثاني مرة ذهبت له، وجلست أمامه عيني في عينه، عندها قال: عندما ينادي عليك الرعد الخاطف تيجي بسرعة، قلت له بصوت منخفض: أول مرة وآخر مرة تنادي علي بهذه الطريقة.. بقتلك لو كنت في حضن المخابرات، بدا عليه الخوف وقال لي: ارجع مكانك، ثم قال: أبو شاويش أنت بدوي؟، ولا أعلم ماذا يقصد لنظرته للبدو من حيث عصبيتهم أو جرأتهم.
التعذيب والتحقيق
في اليوم الثالث استدعوني للتحقيق، عرضت على محققين بأسماء مستعارة هم سامي وأمين، فكانوا يتناوبان بالتحقيق والضرب، وكانوا يسألونني بالأسئلة ذاتها التي سألوني إياها في المدرسة.
كان التحقيق يتم معي بتعذيب شديد وأنا مكلبش اليدين، كنت أصرخ وأحاول أن استنهض إنسانيتهم، كنت أعمد إلى الصراخ محاولاً أن يكفوا عني شدة القمع والتعذيب، وحتى يسكتونني قاموا بخلع ملابسي ووضعوا سروالي في فمي وأغموا عيني بالشباح، وعندما كنت مغماًعلي شعرت أن شيئا ما رفع عضوي الذكري وسمعت صوت إشعال عود كبريت، كما شعرت بلسعة نار أسفل عضوي الذكري، بعد ذلك أرجعوني إلى الزنزانة وذهبوا عني، وفي الليل قمت من أجل التبول في السطل الموجود في زنزانتي، وعند بدء التبول شعرت بالحرقان الشديد والنار الشديدة في قضيبي حتى أنني صرخت " نار نار نار يا استعمار"، " حرقان شديد أثناء التبول، واكتشفت فيما بعد أنهم قاموا بحرق الجزء الرقيق من المنقطة السفلية لقضيبي، لم أشعر بها عند الحرق كثيراً، لكن ظهرت آثارها عندما جاء موعد التبول وتمدد جلد القضيب، لقد استمريت بهذه الحالة عدة أيام إلى حين التئام الجرح والحرق.
مرّ على اعتقالي 5 أيام، كنت أتناول الأكل بشكل طبيعي، لكن لم أكن أتبرز وذلك بسبب حيائي، فكنت طفلاً وأخجل أن أجلس أمام الأسرى رجال كبار في المرحاض للتبرز، خاصة وأن باب المرحاض مفتوحاً ولا يوجد وقت كافي للتبرز، وحقيقية الأسرى حاولوا توفير الجو الخاص لي بالتبرز، وفي اليوم الثامن جسرت على نفسي وجلست على المرحاض للتبرز، لكن بسبب الحرق الذي في قضيبي لم أستطع التبرز، بعد ذلك أبلغ الأسرى الممرضين وإدارة السجن، فتم نقلي إلى العيادة وتم منحي حبوب ملينة وتم علاجي.
تم ترحيلي إلى سجن بئر السبع حيث كان حديث الافتتاح، علمت أنني موقوف إداري في السجن على ذمة التحقيق، واستمريت في سجن السبع مدة شهرين، تعرفت على الأسرى ومارست الرياضة مثل الملاكمة، حيث كنا نلعب بالبشاكير.
وسجن السبع المفتتح حديثاً كان يختلف عن سجن غزة كثيراً، حيث إن الجدران جديدة والبطاطين جديدة والغذاء جيد، وبعد انتهاء الشهرين، جاء شرطي وقال لي:
* أنت إفراج
طلبوا مني الركوب بالجيب استعداداً للإفراج وعند الوصول إلى غزة، تفاجأت أنهم نقلوني إلى سجن غزة وأعادوني للتحقيق ولم يتم الإفراج عني، وبشكل مباشر تلقفني للتحقيق اثنين من المخابرات، هما أبو موسى وأبو سيف، وكان عندهما الشهيد أحمد عمران رحمه الله، وهو صديق طفولتي.
سألوني ذات الأسئلة السابقة، عدا سؤال جديد، وهو هل تعرف احمد عمران، وأشاروا إليه؟
فقلت بطريقة التمثيل والمسرحة:.. لا لا .. هوه هذا أحمد عمران .. يا الله هذا أحمد عمران، عند ذلك سألوا أحمد عمران: أنت يا أحمد اللي أعطيت الولد هذا قنبلة، عند ذلك قال أحمد عمران: نحن لا نعطي الأولاد قنابل، ثم تدخلت فقلت لهم أنا لا أعرف أحدا، ولم ألقي قنابل ولا شيء، إنما أنا طالب مدرسة مهتم بدروسي فقط وشاطر في المدرسة.
عندها سأل المحقق أبو سيف في الحساب والعربي، وذلك ليختبرني في المواد الدراسية ويتأكد من كلامي، وكنت على قدر المسؤولية فأجبت عن أسئلته.
بعد انتهاء جلسة التحقيق نقلوني إلى زنزانة لوحدي، أمضيت عدة أيام في الزنزانة معزولاً، كنت أرى طيف والدتي تخرج لي من حائط الزنزانة بثوبها المرقع تشد من أزري وتوصيني أن لا أفتح فمي أو اعترف، كما وجدت على إحدى جدران الزنزانة أبيات شعر محفورة كان قد كتبها أحد الأسرى السابقين، ولا زلت أحفظ هذه الأبيات وهي:
إن حظي كالدقيق فوق شوك بعثروه
وأتو بقوم يوم ريح ثم قالوا إجمعوه
صعُب الأمر عليهم ثم قالوا اتركوه
إن من أشقاه ربي كيف أنتم تسعدوه
كانت هذه الأبيات هي ونيسي في السجن.
خرجت من الزنزانة بعد40 يوماً من العزل، نقلوني إلى قسم "ب" في سجن غزة المركزي، وكان قد مرّ على اعتقالي في السجن 3 أشهر، وهي المدة القانونية التي يسمح بعدها للأهل بزيارة أبنائهم في السجون، وبعد عدة أيام نودي على اسمي للزيارة، فخرجت إلى مردوان الزيارة، حيث كنا خلف الشباك الحديدي، ويأتي الأهل في الجهة المقابلة لنا، وعندما وقفت أنتظر الزيارة وإذ بوالدتي تأتي، فرحت كثيراً عندما رأيتها… لكن لم أستطع أن أقبلها أو أحضنها، لكن رغم ذلك فرحت كثيرا حتى سالت الدموع من عيني، كانت عظيمة في كل شيء حتى أنها عندما رأتني قالت:
– ولاه يامه أنت بطل يامه
الكلاب هدول ما قدروا يوخذوا منك أي كلمة .. إنها فخوره بي، لقد عرفت أنني لم اعترف من خلال الأسرى الذين خرجوا، لقد عرفت عن صمودي في التحقيق..
لقد شجعتني كلماتها، واستمريت في الأسر بسجن غزة، ثم تم بعد ذلك نقلي إلى سجن بئر السبع ومكثت فيه عشرة أشهر ثم تم الإفراج عني، وكان ذلك في نهاية العام 1970.
*ماذا استفدت من التجربة الإعتقالية الأولى؟
-عرفت أنه مهما بلغ العدو من قدرات وإمكانيات للسيطرة على الأسير، فإن الأسير يمكن أن يتغلب على هذا العدو ويخادعه وينتصر عليه، وذلك من خلال توظيف عدة أساليب تم تعلمها من الأم والبيئة وتجارب الآخرين.
تعلمت أن الإرادة تنموا وتترعرع كالشجرة، فكنت أشعر أن صمودي وإرادتي التي تربيت عليها من والدتي كبرت وترعرعت معي في السجن، لقد مررت بتجارب اعتقالية متنوعة، لكن السجن لم يحد من مشاركتي في الثورة، بل واستفدت من السجن أن أكون أكثر ثورية، من خلال شخصيتي الهزلية استطعت أن أضلل العدو، وفي نفس الوقت القيام بدور فاعل في العمل الثوري.
في العام 1979 تم تفريغي في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وكنت عضو اتصال بين الأرض المحتلة والخارج، ومنذ العام 1979 حتى النصف الثاني من العام 1983 كنت أعمل في إحضار الرسائل من الخارج للأرض المحتلة.
*هل تحدثنا عن التجربة الاعتقالية الثانية؟ هل هناك أشكال جديدة من التعذيب؟
في 1 /6 /1984 وصلني إلى البيت استدعاء من مكتب التحقيق الإسرائيلي في سجن السرايا، وعند وصولي إلى هناك تم وضع الكلبشات في يدي ونقلي للتحقيق مباشرة، وقد تعرضت لأشكال جديدة من التحقيق لم أعهدها في العام 1970، ومن هذه الأشكال::
السهر وعدم النوم، إحضار مصائد العصافير العملاء، وسائل تعذيب تؤثر على الأعصاب والتنفس، إصابتي بالإرهاق البدني، منع الأكسجين والجلوس على البلاط، والضرب الشديد والقاتل، وأعتقد أن ما يمارس في سجن غوانتناموا هي أساليب تم نقلها من أقبية التحقيق في سجن غزة المركزي.
وفي هذا المجال، هناك نقطة مهمة يجب الحديث عنها، وهي أن التحقيق كان يتم بشكل علمي وممنهج، بمعنى أنه بقدر ما تمتلك المخابرات المعلومة عن المناضل، وبقدر خطورة المعلومة يكون سقف التحقيق والتعذيب، رغم ذلك كنت صامداً وصابراً، اكتسب العزم والقوة من كلام والدتي بإغلاق الفم، وأن "لسانك حصانك إن صنته صانك"، وبعد 10 أيام من الاعتقال تم الإفراج عني.
حوّلت السجن لمسرح، كما أنك عرفت منطق التحقيق.. هل تحدثنا عن ذلك؟
ضمن خطتي باستخدام الأساليب الهزلية وإبعاد الشبهات عني، خاصة أنني عرفت أنهم لا يعلمون عني شيئا، فقد حوّلت السجن إلى مسرح، من خلال شتم المخابرات والصراخ عليهم وتكسير أدوات السجن والتحقيق، كما أنه عندما يحضروني للتحقيق أغني لهم، وعندما يسألونني عن السياسة أو المنظمة أو الجبهة كنت أشتم المنظمة وأشتم أبو عمار والجبهة بصوت عال، لذلك أطلقوا سراحي بعد 10 أيام من السجن.
وفيما يخص استخدام الاحتلال للمنطق في التحقيق، فقد عرفت ذلك وكنت حذراً معهم، وعلى رأي والدتي "كذب اِمْرسْتَكْ ولا صِدْق اِمْفرْفَطْ"
كانت لعبتي في التحقيق وقاعدتي في التعامل مع رجل المخابرات هي اصطياد ذكاء المخابرات بشرك سذاجة مصطنعة مني، وهذه تعلمتها في طفولتي عندما كنا نباغت الناطور في كروم العنب ونأخذ العنب من دون أن يعلم مع أنه يرانا.
هل تحدثنا عن محاولات الاحتلال لاختطافك ؟
في 17 /4 /1985 تم تنفيذ عملية مسلحة في شارع النصر بغزة ضد دورية إسرائيلية، ووقع تنفيذ العملية بجانب أحد المطاعم التي كنت ارتادها، وفي تلك العملية استشهد الشهيد فتحي الغرباوي،
وفي تاريخ 18 /4 /1985 كان طهور ابني محمود الذي كان يبلغ من العمر 3 شهور، وفجأة جاء لي 3 أشخاص مهنئين بالطهور، وهم من مدينة غزة ومنهم من العاملين بالمطعم المذكور، لكن الغريب أن أحدهم سألني عن عملية حي النصر، وكان يريد أن يستدرجني للحديث وخلال حديثه قال أنه شاهدني هناك، فأنكرت حديثه وقلت له لم أكن هناك، ولا أعلم عن هذه العملية شيئاً.
ومنذ تلك اللحظة وحديث هذا الشخص أدركت أن الاحتلال سوف يوجه لي تهمة حول هذه العملية، جهزت نفسي للاعتقال والامتحان ووضعت إجابات لكل الأسئلة المتوقعة من المخابرات، وخلال 5 أيام من 18 /4 وحتى 23 /4 تعرضت ل3 محاولات اختطاف من المخابرات، لكن هذه المحاولات فشلت، كنت حذراً أن لا يتم اختطافي لوحدي، لأنني أعلم أن الاحتلال عندما يخطف أي أسير بشكل فردي في ذلك الوقت فإن مصيره سيكون مجهولاً، قد يُقتل أو ينفى، ولا أحد يعلم بذلك، ومن هنا كنت أحرص على أن يتم اعتقالي مع وجود شهود على ذلك حتى أكون مؤمَّناً أمام الناس والصليب الأحمر فيما بعد، خاصة وأنني علمت أن الكثير من أبناء شعبنا خطفوا من قِبل المخابرات بشكل فردي ولم يتم معرفة مصيرهم.
من خلال حسي الأمني عرفت أن معلومة " مشاهدتي عند شارع النصر بغزة" قد وصلت المخابرات، وبتاريخ 23 /4/ 1985 الساعة الرابعة صباحا، كنت سهراناً مع 4 شباب عند أحد الأصدقاء في المنطقة الشرقية من النصيرات، وعندما ذهبت لأوصل أحد الشباب إلى بيته، وما إن ركبنا السيارة إلا وعشرات الجنود يخرجون من هنا وهنا، لقد خرجوا وكأن الأرض انشقت وأخرجتهم، لقد أحاطوا بالسيارة والزجاج، ثم أنزلونا من السيارة، عندها ادعيت أنني لا أبالي لهم ،وعندما شاهدوا صديقي قال أحدهم:
* كل مرة نريد أن نأخذك لوحدك نلقي معك واحد.
بعد هذه الجملة تأكدت أن حدسي على حق وصحيح، ففعلاً كانوا يطاردونني ويريدون اختطافي لوحدي، لكن بسبب وجود أناس معي في السيارة لا يقدمون على هذا الفعل، نقلوني إلى السرايا فوجدت على غير العادة عناصر كثيرة من المخابرات بانتظاري. شعرت أن هناك طوارئ في السجن (هناك تفصيل لطريقة التعذيب وأسماء المخابرات المستعارة موجودة في كتاب لي بعنوان "قبل أن يموت الجلاد" سوف أصدره خلال الفترة القريبة).
*في السجن تعرّضت للموت عن طريق الخنق والغرق .. هل تحدثنا عن تجربتك في هذا المجال؟
-مورس معي أبشع أنواع التحقيق، عرفت كيف يموت الإنسان خنقاً على حبل المشنقة، ومن مات على حبل المشنقة لمرة واحدة، فأنا رأيت هذا الموت عشرات المرات، كما عرفت أثناء التحقيق كيف يموت الإنسان غرقاً، وإذا كان الغريق قد مات مرة واحدة فأنا عرفت الموت غرقاً عشرات المرات.
بالنسبة للخنق، فقد كانوا يضعون على رأسي كيساً من الشادر قليل المسامات حتى يصل إلى صدري، ثم يمسكون أسفل الكيس ويبدؤون بجدله وأنا مكلبش اليدين والرجلين ومبطوح على ظهري، كانوا يجدلون في الكيس حتى ينقطع نَفَسي، وعندما يحسون أنني سأموت يقومون بتنفيس الكيس وعندما يفتحون الكيس كنت أصرخ ..أصرخ بصوت عالِ من شدة ضيق النفس، لدرجة أنه صار عندي تهشم في الحنجرة، لم يكتفوا بذلك، بل أحضروا إبريقاً من الماء ووضعوا الماء على الكيس حتى يتم إغلاق المسامات، كما أنهم كانوا يضعون الماء على أنفي وفمي، لذلك فإنني كنت أتنفس الماء وما إن عملت عملية الشهيق حتى يدخل الماء في الرئتين فأشعر بغرق وضيق شديد في النفس، وعند اقتراب من الموت يتوقفون ثم يعودون لهذا الفعل من جديد من أجل أن أموت مرة أخرى، وقد كرروا معي هذه الأساليب الفظيعة عشرات المرات..
وخلال هذه الفترة والتعذيب الشديد كنت أرغب بالشهادة، لذاك نفذت 3 محاولات استشهادية حتى أتخلص من هذا التعذيب، ومن المحاولات الاستشهادية أذكر أنه في إحدى جلسات التعذيب قمت بهز رأسي بما يوحي أنني سأعترف عندها قاموا بفك الكلبشات عن يدي وإزالة الكيس من رأسي وما إن فعلوا ذلك انطلقت برأسي بسرعة كبيرة نحو حائط غرفة التحقيق واصطدمت بالحائط بكل قوتي، لقد أغمي علي وعرفت ذلك عندما استيقظت ووجدت الماء الذي سكبوه على جسدي بجانبي، ووجدت ورجال المخابرات والدم الذي ينزف من رأسي.
بعد هذه الحادثة انبهرت أجهزة المخابرات بشخصيتي، وكان أمامهم خيارين، إما أن لدي الاستعداد للتضحية والموت بدلا من الاعتراف، أو أنه لا يوجد شيء عندي لذلك حاولت قتل نفسي.
وحقيقة كنت أعمل على أن أنقلهم لتبني الخيار الثاني، وذلك من خلال عدة وسائل، ومنها مسرحية السجن والتمثيل والرقص وسرقة دخان السجان والدخول لمطبخ السجن، كنت أقول للمحققين والحراس يا عم.. يا عم، وبعد 58 يوماً لم يستطيعوا الحصول على أي نتيجة معي، لذلك قاموا بإحضار لجنة خارجية للتحقيق معي وعلى رأس هذه اللجنة مستشار رئيس الوزراء الإسرائيلي، ويدعى" أبو غزال"، كما كان من أعضاء اللجنة "الكابتن دان"، وهو الذي حقق معي في العام 1970، وهناك رجل مخابرات يدعى" أبو بيني".
قعدت معهم مكلبشاً، سألوني الكثير من الأسئلة السياسية والعلمية والاقتصادية; حاولوا أن يستخدموا معي المنطق، وفي المحصلة كنت مستيقظاً لهم.
سألني أبو غزال عن معلومة رؤيتي عند المطعم بطريقة جديدة، حيث قال:
لو قلت لك أن مئة شخص شافوا أبو شاويش في مكان ما، هل هؤلاء كاذبون؟
قلت له:- لا يا عم أبو غزال
قال :-تماما، لو قلت لك مئة شخص شافوك مع فتحي الغرباوي؟
قلت له:- يا عم أبو غزال أنا أصلاً بعرفش الغرابلي.
سأل سؤالا جديدا:
يمكن يكون واحد غيرك من دار أبو شاويش؟
فيه حد غيرك اسمه محمد أبو شاويش؟
في هذا السؤال عرفت أن أبو غزالة يريد أن يفتح لي باباً جديد، ويتوقع مني أن أهرب منه، وأقول أن هناك الكثير في العائلة أسماؤهم محمد..
عندها قلت له بأسلوب هزلي: لا يا عم.. لا ياعم.
لو قالوا لك شفنا محمد عند المطعم بأكون أنا، لكن أنا بعرفش الغرابلي..أنا بعرفشالغرابلي.
سألني عن الحشيش والنساء وطاولة التنس حتى أنه سألني عن الغاز الموجود في كرة التنس، فقلت له:
لي 30 عاما ألعب تنس، ما فكرت في هذا السؤال.
قال : – ما هو الغاز؟
قلت: يمكن ثاني أكسيد الكربون
قال: الكربون غاز ثقيل.
قلت: أكسجين.
قال: لا.
قلت: هواء خلصني يا عم أبو غزالة.
قال: غاز الهيليوم.
ضحك أبو غزال ثم وضع يده على رأسي وذهب مع اللجنة وانتهى التحقيق، عندها عرفت أنني نجحت في الاختبار..
بعد 64 يوماً وتحديداً في 26 /6 /1985 أفرج عني، بعد اعتقال وتعذيب قاس، حيث نزل وزني 25 كيلوغرام مرة واحدة، وأثناء خروجي من السجن شاهدت أحد رجال المخابرات ويدعى أبو جميل ينظر إلي، يريد رؤيتي هل فرحان أم لا، لم اهتم له، كما استمريت بأسلوبي الهزلي، وأذكر هنا أنه أثناء خروجي كان الحراس قد أحضروا الطعام للأسرى، وعند باب السجن وجدت مجموعة من الحراس معهم طعام فقعدت وتناولت الطعام معهم بطريقة هزلية، وحقيقية كنت لا أعلم ما هو الأكل، كنت كمن يأكل جلداً أو كوشوكاً، كنت فرحاً بالخروج وناقماً على هذا السجن اللعين.
وأثناء خروجي من الباب وجدت 3 ضباط مخابرات أحاطوا بي وقالوا: ايش اللي مروحك يا أبو شاويش؟، قلت لهم بطريقة هزلية: أنا هربت من الزنزانة بلغوا عني .. ضحكوا وكان منهم الضابط الذي يدعى أبو هيثم، وضع يده على بطني، وقال: كل ما كرشك تكبر نحبسك، تركتهم وذهبت، وحتى لا تثار الشكوك حولي اتجهت للبحث عن سياراتي التي أخذوها يوم الاعتقال، وبالفعل قمت باسترجاعها.
*بعد يومين من الإفراج.. أعيد اعتقالك 9 أعوام ونصف .. حدثنا عن ذلك؟
-بعد يومين من الإفراج تم اعتقالي مجدداً وتحديدا في 28/ 6 /1985 وحكم علي بالسجن مدة15 عاماً، قضيت منهم 9.5 أعوام في عدة سجون، مثل السبع والمجدل والرملة وغزة ونفحة إلى أن أفرج عني عام 1994.
*تجربتك في وفاة والدتك دون أن يسمح لك الاحتلال برؤيتها والمشاركة في تشييعها؟
-هذه من أقسى اللحظات التي مرت علي، فقد جاءني خبر وفاة والدتي -رحمها الله- وأنا داخل السجن وأتعرض للتحقيق والتعذيب، وقد طلبت الخروج للمشاركة في تشييعها لكنهم رفضوا، لقد كان ذلك له الأثر القاسي والصعب علي.
*تجربتك في التفتيش العاري؟
-في أحد الأيام اقتحم الحراس سجن نفحة وطلبوا من الأسرى خلع ملابسهم واحداً تلو الآخر من أجل التفتيش العاري، وعندما وصلني الدور رفضت ذلك بشدة، وعندما هجموا علي من أجل خلع ملابسي بالقوة نفذت محاولة استشهادية بأن دخلت برأسي في خزانة السجن، كنت أعتقد أنها زجاجية لكن كانت عبارة عن لوح بلاستيكي، لم أُصب بأذى وأصريت على عدم خلع الملابس، لذلك قرروا نقلي إلى سجن آخر، وعندما علمت مصلحة السجون بذلك جاء قرار بضرورة خلع ملابسي وإجراء التفتيش العاري بحقي، لأن هذا قرار من مصلحة السجون ويجب أن يطبق، فأصروا على تفتيشي، فقلت لهم لن تخلعوا ملابسي إلا وأنا فاقداً للوعي، وذهبت مباشرة في الحائط، لكنه بسبب أنني مكلبش اليدين فلم تكن الضربة قوية، لذلك لم يغم علي وعنوة قاموا بخلع ملابسي، عندها صرخت في وجههم.. يا كلاب يا أنذال..
*تجربتك كعامل مردوان.. الموسيقى.. التنس.. عيادة السجن؟
-عملت في مردوان السجن في خدمة الأسرى والنظافة، وكنت أشيع بين الأسرى جو المرح والفكاهة، كما كنت أعمل على نقل الرسائل بين الأسرى، كانت لي موهبة في الغناء والموسيقي، كما كنت ألعب طاولة التنس وكنت بارعا فيها، حيث فزت في العديد من البطولات التي تم تنظيمها.
وبخصوص عيادة السجن، عملت في عيادة سجن غزة المركزي مساعداً لطبيب يدعى "ريس هافيرد"، وذلك لمدة عامين، وكانت مهمتي في تنظيف العيادة وعمل القهوة، كما استثمرت العمل في العيادة لمهمة تنظيمية، وهي معرفة أسماء الأسرى في الزنازين ونقلها للتنظيم خارج السجن.
*جهودك في العمل التنظيمي والنضالي؟
-عملت في تنظيم الجبهة الشعبية، كما كنا نحرص على توحيد الأسرى، إضافة إلى تنظيم الدورات النضالية التي لها فوائد كبيرة على صعيد العمل الثوري، وعمل الانتفاضة في الأرض المحتلة.
*كانت لكم جهود في وضع حلول لأزمات الأسرى قبل أوسلو؟
– عظمة الحركة الأسيرة كبيرة جداً في فترة ما قبل أوسلو، وتكمن في وعي الأسرى لأزمات الأسر الموضوعية ووضع الحلول لها، وبالفعل قمنا بوضع حلول جوهرية ل3 أزمات واجهت الأسرى، وهي أزمة الحرية وأزمة الانتماء وأزمة الجنس، فقمنا بحل هذه الأزمات من خلال تشكيل مجتمع الأسرى والتواصل مع الخارج، إضافة إلى البرامج الثقافية والتوعوية والرياضية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.