كلما حل فصل الصيف، إلا وحلت معه حملات التنظيف الكلامية الواسعة، أما على أرض الواقع، فلا شيء يتغير، سوى الدعوات المتعالية من هنا وهناك إلى ضرورة توفير أجواء النظافة سواء عبر حملات مديريات التجارة، أومديريات الصحة عبر الوطن، نظرا لما لفصل الصيف من تأثير مباشر على ارتفاع حجم الجراثيم المتسببة في تأزم الوضع. غير أن الميدان والواقع يكشفان عكس ذلك تماما، وشوارع العاصمة خير دليل على ما أقول، فالنظافة صارت فعلا ماضيا ناقصا. والتلوث وصل منحنيات عالية، وصرنا لا نعلم أين هي مصالح ''نات كوم'' من كل هذا، كما لا نعلم أين هي مصالح البلديات والسلطات المحلية أيضا ، بل صرنا نتساءل لماذا يتهرب الفرد الجزائري من مسؤوليته تجاه بيئته. وصار طبيعيا جدا أن تكشف آخر تقارير ودراسات منظمة الصحة العالمية أن نصف المجتمع الجزائري مؤهل للإصابة بداء الحساسية، وأن هذه الأمراض ستصيب مطلع 2010 نصف المجتمع لا سيما أمراض الربو منها، بالنظر إلى حجم التلوث البيئي الذي صرنا نعيشه يوميا، فلا الهواء الذي نتنفسه سلم من أيادي الملوثين، ولا المياه التي نشربها كذلك، خصوصا وأن أغلب بلديات الوطن تشكو من مشكل اختلاط مياه الشرب بالمياه القذرة، وغياب قنوات الصرف الصحي، فالحراشيون يعيشون على وقع انتشار الروائح الكريهة لواد الحراش، وسكان باش جراح على وقع روائح مصنع ميشلان للعجلات المطاطية، التي تزيد حدتها مع حلول فصل الصيف. بل الأسوء من كل هذا هو غياب النظافة حتى في الوسط الصحي، وصار المريض يخشى على نفسه حتى من اللجوء إلى المستشفيات مخافة ازدياد معدل المرض لديه، والواقع أصبح يثبط من عزيمة المواطن من أن تجتاز رجلاه مستشفى ما أو مركز علاج، إذ أن أغلب المصالح الطبية تشكو قلة النظافة، وتفتقر لفرق التطهير الدورية، فضلا عن الروائح الكريهة المنبعثة من دورات المياه، ومع ازدياد توافد المرضى على بعض المراكز الطبية خصوصا منها الحالات الاستعجالية، فإن الأوضاع تزداد سوءا، تزامنا مع موسم الاصطياف حيث تصير النظافة في عطلة. ولعل أفضل ما فكرت فيه وزارة الصحة هو تخصيص ميزانية معتبرة قيمتها 55 مليار سنتيم لمكافحة نقص النظافة والأمراض بالمراكز والمستشفيات الصحية، بإطلاق الحملة الوطنية '' مستشفى أيدي نظيفة '' . غير أن السؤال الذي يبقى مطروحا هو ما مدى تطبيق هذه المعطيات على أرض الواقع...، في انتظار ذلك، ما علينا سوى متابعة أجواء الحملات الكلامية إلى حين اقتراب موعد الدخول الاجتماعي المقبل، في صمت مريب.