انتهج أتباع جماعة أنصار الدين، في شمال مالي، سياسة تطبيق الحدود عنوة على المخالفين لمذهبهم السلفي المتعصب، حيث قاموا، مؤخرا، بتعذيب والتنكيل بعدد من الماليين، بحجة تطبيق الشريعة الإسلامية، منهم مسيحيون فروا نحو الحدود الجزائرية هربا من الجحيم. بلغ تعصب الجماعات المسلحة المسيطرة على شمال مالي درجة لم يعد المتدينون وغير المتدينين، على حد سواء، يقوون على تحمَلها، في حين أنها باتت كالعذاب بالنسبة للمسيحيين خاصة، الذين ألقوا بالمنشفة، وانتقلوا نهائيا إلى الجزائر، طلبا للجوء، بعد أن قررت جماعة أنصار الدين، التي يتزعمها ''اياد اغ غالي''، تمثيل الجماعات الإرهابية المسلحة النشطة في شمال مالي، وتسلم راية تطبيق منهجها، عكس جماعة الجهاد والتوحيد في غرب إفريقيا، التي ركزت أهدافها على المصالح الجزائرية، ومعها تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، التي جعلت من قضية تطبيق منهجها على مستوى المنطقة مسؤوليتها، امتثالا لأوامر القيادة المركزية بمنطقة القبائل، حيث تورط أتباع اغ غالي في جملة من الجرائم، التي راح ضحيتها سكان شمال مالي، بحجة تطبيق الشريعة الإسلامية، وسجلوا في حقهم مجازر لا تخرج عن تلك التي كان تنفذها الجماعة الإسلامية المسلحة في الجزائر. أول ضحية التقتها ''الخبر''، أمس، كانت بسوق برج باجي مختار، السيدة ''ماما''، التي فرت، منذ شهر، من بطش مقاتلي أنصار الدين، الذين يطاردون من يخالفونهم في كل مكان، للإعلان عن منهجهم السلفي المتعصب، الذي فرضوه على السكان دون مراعاة لأحقية الشعوب في اعتناق دياناتها. وأكدت لنا محدثتنا، التي تخلت عن مسكنها وفرت برضيعها إلى أقاربها المتواجدين ببرج باجي مختار، أن الوضع في مالي ''لم يعد يحتمل، وتعدى مرحلة الحرب والنزاعات، بعدما سيطر المسلحون على المنطقة، وجعلوا شغلهم الشاغل هو فرض منهجهم على المواطنين، الذين فقدوا كامل حريتهم، وحقهم في العيش الكريم''. وتضيف السيدة ''ماما'' أنها عاشت ظروف إقامة الحد على قريبتها، بسبب أنها نظمت حفلة، في الوقت الذي منعت الجماعة السكان من إقامة أي عرس أو احتفال، ما جعلها تخشى على نفسها منهم، خاصة وأنهم يطبقون تلك المعتقدات دون مراعاة لقناعات غيرهم. وتابعت بأن ''الخوف الذي زرعوه فينا رفض أن يغادرنا، بحكم تماديهم في كل مرة في طغيانهم''. وأضاف نازح آخر أن الحياة في شمال مالي ''أضحت لا تطاق، فالشباب المسيحي أصبح يعد أنفاسه، ومنه من يدعي التخلي عن ديانته، بعد أن شهدوا الجحيم بأم أعينهم، في أبناء جلدتهم الذين خيروا بين الإسلام أو الموت، في حين أن التشدد الذي لم يسلم منه حتى المسلمين جعل أكثر المسيحين يفضلون مغادرة أرضهم، واللجوء إلى دول الجوار، خاصة الجزائر وموريتانيا، فقد فرضت الجماعة المسلحة، التي حصلت على تفويض من بلعور لتطبيق الحد على كل من اعتبرته ضدها وضد شريعتها، وسبق أن رجمت شخصا حتى الموت لاتهامه بارتكاب الزنا، في حين جلدت آخرين متهمين بترويج المخدرات، وعملت على تحريم عدد من التصرفات التي تراها بدعا ومنافية للإسلام، كاللباس العاري، والذي جعلهم يعتدون على امرأة لا ترتدي الحجاب، رغم أن الضرب الذي تلقته جعل رضيعها يسقط على الأرض، في لقطة أثارت حفيظة المواطنين، الذين لم يستطيعوا أمام المشهد المأساوي شيئا، حسب الحديث الذي جمعنا مع عدد من الشباب المسيحي المتجول في المنطقة الحدودية. ''أنصار الدين'' تدمر الضريح الثامن لجزائري وحسب مصدر محلي، فإن جماعة أنصار الدين أقدمت، منذ أيام، على تدمير ثامن ضريح منذ سيطرتها على الشمال، والذي يعود إلى الولي الجزائري ''رقاني حمو''، المدفون بتاغليت، التابعة لمنطقة تساليت المالية. وتجدر الإشارة إلى أن الجماعات الإسلامية المسلحة سبق وأن دمرت سبعة أضرحة، صنفتها منظمة اليونيسكو ضمن التراث العالمي، كما عمدت إلى تدمير مسجد تاريخي يسمى بمسجد القيامة في تمبكتو.