يجب نقل كل مقرات سوناطراك إلى الجنوب الجزائر تخلت عن التكوين رغم أن أغلب إطارات سوناطراك منتوج وطني يعود المدير العام الأسبق لسوناطراك، نزيم زويوش، في هذا الحوار مع ''الخبر''، إلى مختلف المراحل التي مرّ بها قطاع المحروقات في الجزائر، وسوناطراك بشكل خاص. وخلص زويوش إلى أن فترة 2000 إلى يومنا هذا هي أسوأ مرحلة، داعيا إلى ترك العدالة تقوم بمهامها في قضايا الفساد التي مست القطاع، ''حفاظا على سوناطراك'' التي يصفها ب''الطفل الذي يحتاج إلى الرعاية''. من الصعب حصر النقاش بخصوص سوناطراك، فهي قلب كل الملفات السياسية والاقتصادية والاجتماعية... أين ترون أنتم مفتاح النقاش حول هذه الشركة؟ أولا، ماذا تعني سوناطراك؟ هي شركة أنشأتها الجزائر من أجل استغلال ثرواتها النفطية، وبالتالي هي قطاع نشاط وليست شركة عادية. هي شركة لها دور تحصيل العملة الصعبة لفائدة الاقتصاد الوطني، ولها دور خلق الثروة. ولذلك، سوناطراك تفعل كل شيء. لهذا السبب، ربما، بدأت مشاكل تسيير الشركة، كما يقول وزير المالية الأسبق عبد اللطيف بن آشنهو الذي أرجع الخلل في سوناطراك إلى تأسيسها. ما رأيكم؟ لا، أبدا. سوناطراك كانت شركة لنقل وتسويق المحروقات، في البداية، وأول قفزة حققتها كانت مع إطلاق أنبوب نقل النفط من حوض الحمراء إلى أرزيو، وهذا الإنجاز يمثل شهادة الميلاد الكبرى لسوناطراك التي أصبحت شركة بترولية تضاهي كل الشركات العالمية في مجال المحروقات. وتميزت سنتي 71 و72 بتأميم المحروقات طبعا، والتحكم المطلق للجزائر أو سوناطراك (سوناطراك هي الجزائر لنكون واضحين) في كل سلسلة نشاط المحروقات. وأقول إن سوناطراك نجحت في رفع التحدي نهائيا بداية من سنة ,73 حين أطلقت أيضا مركب تمييع الغاز بسكيكدة، في وقت كان العالم يعتبر هذه الصناعة منهكة. ثم جاءت الفترة الممتدة بين سنتي 75 و80 التي شهدت تطوير حقل حاسي الرمل. وللأسف، تزامن في الثمانينيات إطلاق مشاريع اقتصادية ضخمة مع سقوط أسعار البترول، ما أخفى نتائج تعديل قانون المحروقات لسنة 86 شأنها في ذلك شأن فترة التسعينيات التي تميّزت بالأزمة الأمنية. ونسينا بذلك أن الجزائر في سنة 96 أصبحت أكبر بلد مستكشف عن المحروقات في العالم، وأكبر اكتشاف في هذا الإطار هو حوض حاسي بركين، الذي لم تسجل الجزائر بعده أي اكتشاف نفطي يمكن وصفه بالإنجاز. كما استرجعنا سنة 96 نفس مستوى الاحتياطات التي كانت لدينا سنة ,71 وأنجزنا أنبوب الغاز نحو إسبانيا، رغم الفترة الحرجة التي كنا نعيشها. أنتم هنا تعكسون الاعتقاد السائد بأن سنوات 2000 هي فترة ازدهار قطاع المحروقات عندنا. والحقيقة، برأيكم، أننا في هذه الفترة استهلكنا نتائج ما أنجزناه في الفترات السابقة، أليس كذلك؟ لا، هناك نتائج إيجابية تحققت في سنوات .2000 لكن الاستكشافات كانت ضعيفة. إذن، ضعف الاستكشافات هو الذي أدى إلى بروز مشاكل تسيير سوناطراك في الساحة؟ الخزانة المحصنة لأي شركة بترولية تتوقف على حجم احتياطاتها، وهناك وسيلتان لرفع حجم الاحتياطات، هما الاكتشافات الجديدة وتحسين نسبة الاسترجاع. لعلمكم، استرجاع واحد بالمائة يساوي 500 مليون برميل، ونحن في الجزائر نتحدث عن اكتشافات ب500 ألف برميل قابلة للاسترجاع. ترون بأن الفارق شاسع جدا، زد على ذلك أننا نتحدث عن نسبة استرجاع تقدر ب27 بالمائة، وهي نسبة ضعيفة. ربما المشكل كذلك في نفاد ثروتنا النفطية، مثلما يحذر منه الخبراء؟ نحن بلد غير مستغل بعد في مجال استكشاف المحروقات، ولعلمكم أن أول اكتشاف للبترول في الجزائر كان في الأربعينيات، وبمنطقة غليزان. وعندما نفهم جيولوجيا الشمال، نفهم جيولوجيا عرض البحر. هذه هي التحديات التكنولوجية التي تنتظرنا. أنتم هنا بصدد تقديم لوحة سوداء عن وضعية قطاع المحروقات عندنا؟ ليست لوحة سوداء، ولكن يمكن القول إن التكنولوجيا المتوفرة لدينا، حاليا، لا تسمح لنا بمواجهة التحديات المستقبلية. وبعبارة أخرى، سوناطراك فقدت قوتها الضاربة. مواكبة التكنولوجيا يستدعي الاستثمار في الموارد البشرية، أين هو معهد البترول ومعهد المحروقات؟ سوناطراك غيّرت وجهتها، أليس كذلك؟ هنا أتفق معكم، لقد تخلينا كلية عن التكوين. المدير الحالي لسوناطراك والمدير الأسبق، محمد مزيان، تخرّجا من المعهد البترولي، وأغلب إطارات سوناطراك، بداية من الثمانينيات، هم منتوج وطني خالص، وربما كلهم. وماذا عن فضائح الرشوة التي ظهرت في الساحة الوطنية والدولية، هذه الأيام، عن صفقات سوناطراك؟ من الأحسن أن نترك العدالة تقوم بعملها في هذا الموضوع، ولا يجب أن نخطئ، سوناطراك بمثابة الطفل الذي أنجبته الجزائر، والذي يجب أن نرعاه ونكبره ونحافظ عليه. وهناك في سوناطراك إطارات نزيهة تتقن عملها. هناك ملف آخر حديث الساعة، يتمثل في استغلال الغاز الصخري. هل الجزائر بحاجة فعلا إلى هذا الخيار؟ بالنسبة للغاز الصخري، هناك تجربة واحدة في العالم، الآن، هي التجربة الأمريكية. ومشكلة هذه الصناعة أن مردودها ضعيف، لا يتجاوز نسبة خمسة بالمائة من الاحتياطات المتوفرة، وتتطلب مجهودات مالية وطاقوية كبيرة، زيادة على المشاكل التي تطرحها تقنية الشق المستخدمة لاستخراج هذا الغاز. والجزائر لديها خيارات أخرى قبل الذهاب إلى استغلال الغاز الصخري، مثل الطاقة الشمسية والطاقة الهجينة (تعاقب الغاز والطاقة الشمسية). والبرنامج الأكثر استعجالا الذي يجب أن تشرع فيه الجزائر، هو تحديد نمط استهلاك الطاقة. فلماذا نترك مستوردي السيارات يفرضون علينا سيارات ''دييزل''، بينما العالم كله يتجه نحو السيارات الكهربائية والسيارات التي تشتغل بالطاقة الهجينة؟ خلاصة القول، إذن، يستحسن أن تبقى الجزائر في حالة ترقب، ولا مانع من مواكبة التكنولوجيا الخاصة بالغاز الصخري، لكن لا شيء يجبرنا على الذهاب الآن إلى صناعة الغاز الصخري. سوناطراك متهمة أيضا، من طرف سكان الجنوب، بالتخلي عنهم وهم أصحاب الثروة النفطية؟ على ذكر الجنوب، أنا ضد إقامة مدينة جديدة في حاسي مسعود، لأن تجربة المدن الجديدة في العالم فاشلة عموما. برازيليا فشلت في تخفيض الضغط على ريو دي جانيرو، وأبوجا فشلت، وكذلك الشأن بالنسبة لأوتاوا في كندا. وفي المقابل، هناك مدينة قائمة قريبة من المنطقة، يمكن تطويرها وجعلها مدينة عصرية، هي مدينة تفرت. وفي هذا الإطار، لا بد أن تنقل سوناطراك مقرها الاجتماعي وكل مقراتها إلى الجنوب، فتصوروا لو تستقر سوناطراك في تفرت، كيف سيتحوّل الجنوب رأسا على عقب. تحدثتم، السيد زويوش، عن التحديات المستقبلية، وعن تشعب قطاعات النشاط التي تتدخل فيها سوناطراك، وتراجع القوة الضاربة لهذه الأخيرة. هل تعتقدون أن سوناطراك قادرة على مواصلة احتكار قطاع المحروقات لفترة طويلة، أم أن الجزائر مجبرة على فسح المجال لشركات أخرى؟ بإمكان الجزائر أن تنشئ سوناطراك أخرى، أو عدّة شركات مثيلة، لكن الأولوية لدعم سوناطراك وتقويتها، وهي قادرة على مواصلة مهمتها. تعوّدنا على أننا بلد يجد الحلول المناسبة في وقت الأزمات، وللأسف، عندما نكون في راحة وتتوفر لدينا الأموال، نفقد صوابنا. وماذا عن فتح رأسمال سوناطراك؟ لا، لا يجب فتح رأسمال الشركة، بل يجب تقويتها.