رئيس الجمهورية يبرز أهم مكاسب الاقتصاد الوطني ويجدد تمسكه بالطابع الاجتماعي للدولة    تنفيذا لتعليمات رئيس الجمهورية, وصول أطفال فلسطينيين جرحى إلى الجزائر    شهداء ومصابون في قصف للاحتلال الصهيوني استهدف منزلا برفح    موريتانيا: افتتاح الطبعة السادسة لمعرض المنتجات الجزائرية بنواكشوط    مطار بوفاريك: إجلاء أطفال فلسطينيين جرحى من القاهرة    تيارت..هلاك ثلاثة أشخاص وإصابة ثلاثة آخرين في حادث مرور    "الحق من ربك فلا تكن من الممترين"    «إن الحلال بيِّن وإن الحرام بيِّن…»    إذا بلغت الآجال منتهاها فإما إلى جنة وإما إلى نار    أكثر من مليون ونصف مترشح لامتحاني شهادة البكالوريا وشهادة التعليم المتوسط دورة يونيو 2024    لعقاب يدعو إلى تعزيز الإعلام الثقافي ويكشف: نحو تنظيم دورات تكوينية لصحفيي الأقسام الثقافية    "تحيا فلسطينا": كتاب جديد للتضامن مع الشعب الفلسطيني    سليمان حاشي : ابراز الجهود المبذولة لتسجيل عناصر ثقافية في قائمة الموروث الثقافي غير المادي باليونسكو    هجرة غير نظامية: مراد يشارك بروما في اجتماع رفيع المستوى يضم الجزائر، إيطاليا، تونس وليبيا    لعقاب : الانتهاء من إعداد النصوص التطبيقية المنظمة لقطاع الاتصال    الجزائر تؤكد من نيويورك أن الوقت قد حان لرفع الظلم التاريخي المسلط على الشعب الفلسطيني    مجمع الحليب "جيبلي": توقيع اتفاقية اطار مع وكالة "عدل"    اجتماع الحكومة: الاستماع الى عرض حول إعادة تثمين معاشات ومنح التقاعد    دراجات/الجائزة الكبرى لمدينة وهران 2024: الدراج أيوب صحيري يفوز بالمرحلة الأولى    الفنانة حسنة البشارية أيقونة موسيقى الديوان    قسنطينة..صالون دولي للسيارات والابتكار من 23 إلى 26 مايو    وفاة 8 أشخاص تسمما بغاز أحادي أكسيد الكربون خلال شهر أبريل الماضي    وزير الصحة يشرف على افتتاح يوم علمي حول "تاريخ الطب الشرعي الجزائري"    التوقيع على برنامج عمل مشترك لسنة 2024-2025 بين وزارة الصحة والمنظمة العالمية للصحة    استئناف حجز التذاكر للحجاج المسافرين مع الديوان الوطني للحج والعمرة يوم الأربعاء بالنسبة لمطار الجزائر    السيد عطاف يجري بكوبنهاغن لقاءات ثنائية مع عدد من نظرائه    اليوم العالمي لحرية الصحافة: المشهد الإعلامي الوطني يواكب مسار بناء الجزائر الجديدة    حوادث المرور: وفاة 62 شخصا وإصابة 251 آخرين خلال أسبوع    معرض الجزائر الدولي ال55: نحو 300 مؤسسة سجلت عبر المنصة الرقمية الى غاية اليوم    رالي اكتشاف الجزائر- 2024 : مشاركة 35 سائقا اجنبيا وعدد معتبر من الجزائريين    منظمة العمل العربية: العدوان الصهيوني دمر ما بناه عمال غزة على مر السنين    في انتظار التألق مع سيدات الخضر في الكان: بوساحة أفضل لاعبة بالدوري السعودي الممتاز    تدعيم الولايات الجديدة بكل الإمكانيات    القابض على دينه وقت الفتن كالقابض على الجمر    بخصوص شكوى الفاف    رئيس الجمهورية يحظى بلقب "النقابي الأول"    بداية موفّقة للعناصر الوطنية    اجتياح رفح سيكون مأساة تفوق الوصف    العلاقات بين البلدين جيدة ونأمل في تطوير السياحة الدينية مع الجزائر    انبهار بجمال قسنطينة ورغبة في تطوير المبادلات    إطلاق أول عملية لاستزراع السمك هذا الأسبوع    الجزائر في القلب ومشاركتنا لإبراز الموروث الثقافي الفلسطيني    روما يخطط لبيع عوار للإفلات من عقوبات "اليويفا"    البطولة الإفريقية موعد لقطع تأشيرات جديدة لأولمبياد باريس    بولبينة يثني على السعي لاسترجاع تراثنا المادي المنهوب    دعم الإبداع السينمائي والتحفيز على التكوين    تتويج إسباني فلسطيني وإيطالي في الدورة الرابعة    دعوة للتبرع بملابس سليمة وصالحة للاستعمال    263 مليون دينار لدعم القطاع بالولاية    تكوين 500 حامل مشروع بيئي في 2024    حملة وطنية للوقاية من أخطار موسم الاصطياف    الجزائريون يواصلون مقاطعة المنتجات الممولة للكيان الصهيوني    أوغندا تُجري تجارب على ملعبها قبل استضافة "الخضر"    استئناف حجز التذاكر للحجاج المسافرين مع الديوان الوطني للحج والعمرة اليوم الأربعاء بالنسبة لمطار الجزائر    خنشلة: الوالي محيوت يشرف على إحياء اليوم العالمي للشغل    سايحي يكشف عن بلوغ مجال رقمنة القطاع الصحي نسبة 90 بالمائة    الجزائر تتحول إلى مصدّر للأنسولين    ذِكر الله له فوائد ومنافع عظيمة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد خلفاوي..."على المخابرات حماية الدولة وليس النظام"
"الخبر" في ضيافة الضابط السامي المتقاعد عشية صدور كتابه حول المخابرات
نشر في الخبر يوم 06 - 06 - 2014

في أعالي حيدرة بالعاصمة، استقبلنا الضابط السامي المتقاعد بمديرية الأمن والاستعلامات، محمد خلفاوي بمنزله، عشية صدور كتابه "الاستعلامات.. رهان حرب صامتة". فكانت سويعات خصصناها للحديث عن الكتاب وظروف صدوره، خاصة وأن الكاتب يعدّ أول مسؤول بمديرية الأمن والاستعلامات يبادر إلى الكتابة في المجال، كما كانت فرصة للحديث عن الجهاز وصراعه مع الرئاسة وقضايا أخرى.
بداية، أول مرة يجرأ فيها مسؤول سابق بمديرية الأمن والاستعلامات على الكتابة حول جهاز لا يزال غامضا لدى الكثيرين..
فعلا هو أول كتاب يتناول نشأة المخابرات بعد كتاب “المالغ”، أصدقك القول إن ما دفعني إلى الكتابة هو غياب كتب ودراسات تهتم بهذا المجال في الجزائر مقارنة مع الدول الغربية التي تحظى فيها أجهزتها الاستخباراتية بدراسات وبحوث معمقة من شأنها الدفع بها نحو الأمام وتطويرها. لذا يمكن أن نقول إن الكتاب جاء “غيرة” مما يؤلّف في الخارج، خاصة بعد اعتداءات سبتمبر 2001، وإعادة تنظيم جهاز الاستخبارات الأمريكية، والكتب والدراسات التي جاءت بعد تلك الفترة. كما أن الهدف من الكتابة هو الأخذ بزمام المبادرة وفتح المجال لزملاء آخرين لإثراء الدراسات حول مديرية الأمن والاستعلامات. الكتاب يهدف أيضا إلى تعريف الشباب والجيل الجديد بهذا الجهاز وترسيخ مبدأ أن الأمن القومي ليس بيد المخابرات أو بيد جهاز آخر ولكنه بيد الشعب الجزائري.
الكتاب كان من المفترض أن يصدر قبل سنوات، فلماذا هذا التأخير؟
صحيح، كان من المفترض أن يصدر من قبل، خاصة وأنني أتممته ما بين سنتي 2004 و2005، إلا أنني ترددت لعدم اقتناعي به، لكن بعد أحداث الربيع العربي والثورات التي شهدها عدد من البلدان العربية جعلني أعدّله، وأقرر نشره حتى يستفيد منه الكثيرون، خاصة وأنه يقدّم معلومات حول كيفية ونشأة أجهزة الاستخبارات في العالم وفي الجزائر، ويشرح عدة مفاهيم تتعلق بهذه الأجهزة التي تعتبر عصب الدول، كما أنه يقدّم مقارنات بينها.
إذن، الكتاب أكاديمي..
يمكن أن نقول ذلك لأنه يشرح المفاهيم والمصطلحات ويقدّم فكرة عامة عن المخابرات، كما أنه يضم استنتاجات عن أخطاء أجهزة المخابرات مثلما حدث في العراق وانهيار نظام صدام حسين، ونتائج لدراسات لكيفية بناء العلاقة بين المخابرات والشعب، دون أن أغفل في الكتاب عن الحديث عن جهاز المخابرات الجزائرية منذ نشأة “المالغ” وإلى يومنا هذا، مع الحديث عن كل المسؤولين الذين تعاقبوا على الجهاز من المرحوم بوصوف إلى محمد مدين.
هناك صورة نمطية رسمها الشعب في مخيلته اتجاه المخابرات الجزائرية، حتى صار هناك جدار من الرهبة والخوف بينه وبينها، ودائما يتردد سؤال هل المخابرات مع الشعب أم هي ضده؟
هذا استنتاج خاطئ، لأن هناك خلطاً في المفاهيم. المخابرات أو الاستعلامات عملها هو الاستخبار أي استقاء المعلومة فقط، والخوف الذي تتحدث عنه راجع إلى المفهوم الخاطئ الذي روّج عنها وصارت مهمتها تشمل كل المجالات كالشرطة والجيش.
في بريطانيا شرف أن تكون ضمن المخابرات البريطانية، وكل منتسبي الجهاز من خريجي الجامعات العريقة، مثل كامبريدج وأكسفورد، وهم من عائلات معروفة وأسر “النبلاء”. نأخذ مثالا آخر في أمريكا، يتم تعظيم دور المخابرات، ودائما يحرص أن يظهر رجل المخابرات في ثوب المتعلم والمثقف، الذي يحسن أداء دوره ومهمته بشكل مشرّف هي حماية الوطن، وهذا ما تجده في أغلب الدول الديمقراطية. لكن في البلدان شبه الديمقراطية تجد أن عمل المخابرات ينحصر في حراسة الشعب والغلق عليه، عوض الاهتمام بالخطر المحدق بالبلد من الخارج، “مثلما هو حاصل عندنا بصراحة”، أي تصبح المخابرات في خدمة النظام ويصبح الرئيس الكل في الكل، وبالتالي الشعب ينظر إلى المخابرات أنها تخدم النظام أكثر من الدولة.
وكل جهاز ينحاز عن مهمته سيكون مآله الزوال، ونأخذ مثالا على هذا انهيار إمبراطورية الاتحاد السوفياتي، رغم امتلاكه لجهاز “كا جي بي”، وما أدراك ما “كا جي بي”.
الحديث عن مسؤوليك السابقين في كتاب ليس سهلا، خصوصا الجنرال توفيق. ترى ماذا سيجد القارئ عن هؤلاء في الكتاب؟
بخصوص قادة المخابرات ذكرتهم بالأسماء والمهام فقط، وفترة مسؤولية كل واحد منهم، وما ميزها. بدأتها من بوصوف وقاصدي مرباح ولكحل عياط وزرهوني وبتشين وصولا إلى الجنرال توفيق. بالنسبة لي محمد بتشين، ورغم الفترة القصيرة التي قضاها على رأس الجهاز، إلا أنه أجرى تعديلات مهمة على المخابرات الجزائرية، لأنه كان أول من أدخل نظام المعلوماتية على الجهاز، وكان شغله الشاغل هو تكوين الإطارات، ما جعله ينشئ معهد التكوين العالي الخاص بالمخابرات في العاصمة، كما أنه هو أول من قرر خلق مناصب خاصة بالأمن والاستعلامات على مستوى السفارات الجزائرية بالخارج، وهو إجراء معمول به في كل السفارات وسبقتنا إليه العديد من الدول.
أما بخصوص الجنرال محمد مدين “توفيق” فقد جاء في وضع خاص وصعب، ميّزه بداية الانفتاح الديمقراطي وظهور الجبهة الإسلامية للإنقاذ ومشاكلها، ثم دخول البلاد في دوامة عنف، وتسيير كل هذا لم يكن سهلا، لأن الوضع كان جديدا علينا، ولم تكن لدينا الخبرة الكافية.
ولست أنا الذي يتكلم فقط لأنه شئنا أم أبينا، في تلك الفترة تحققت إنجازات، بغضّ النظر عمن يكون صاحبها، منها حلّ الجيش الإسلامي للإنقاذ والمساهمة في نزول الآلاف منهم من الجبال، والقضاء على الجماعات الإسلامية المسلحة، وإنشاء الحرس البلدي والباتريوت الذين قادوا العمليات ضد الإرهاب، وكذا قانون الرحمة، دون أن ننسى دور المديرية في إنجاح انتخابات 1995 التي أوصلت زروال إلى الحكم، بعدما خرج آلاف الجزائريين وأدّوا واجبهم الانتخابي، مسقطين بذلك شرعية “الفيس” التي كان يدّعيها.
يقال إن المخابرات ارتكبت عدة أخطاء خلال سنوات الأزمة، أبرزها أنها تخلّت عن دورها المناط بها وصارت تمسك بزمام الأمور، لدرجة أن “توفيق” صار هو الحاكم الفعلي في البلاد..
هي صورة خاطئة كانت عندكم، وإنما في الواقع يجب أن تتذكروا أننا كنا في حالة الطوارئ، ومتعارف عليه عالميا أنه في حالة الطوارئ الجيش هو الذي يسير الأزمة، وهو ما حصل في الجزائر.
لكن المخابرات تغلغلت في الإدارات والمؤسسات وصار لها يد في كل شيء، ما جعل البعض يصفونها بأكبر حزب في الجزائر..
فعلا، كان هناك ضباط من مديرية الأمن والاستعلامات لديهم مكاتب في الوزارات والمؤسسات الوطنية الكبرى كسوناطراك وغيرها، ولكن علينا أن نبحث عن أسباب وجودهم هناك. هم كانوا هناك لحماية تلك المؤسسات، وأتحدى أي مسؤول أو أي وزير يخرج إلينا ويقول إن أحدا من أولئك الضباط أزعجه أو تدخّل في عمله، أضف إلى ذلك الضباط لم يكونوا يمتلكون أي قرارات أو حتى حق التصرف.
لكن هؤلاء الضباط كانوا يد المخابرات في بسط سيطرتها على عدة هيئات..
الوضع فرض أمورا كهذه، وفعلا كانت هذه الأمور. لكن أعيد السؤال نفسه؛ هل هؤلاء الضباط عطّلوا العمل في تلك المؤسسات؟ أظن أن هذا لم يحدث.
مديرية الأمن والاستعلامات التي حمت الشعب من الإرهاب فشلت في حماية أمواله، بدليل الفضائح المالية التي هزّت البلاد خلال السنوات الأخيرة، بدءا بفضيحة الخليفة وصولا إلى فضيحتي سوناطراك وغيرها..
في رأيك، من أخرج هذه الملفات؟ المخابرات
قامت بدورها على أكمل وجه ورفعت تقاريرها إلى المسؤولين المعنيين. وأظن أن مهمتها تنتهي هنا.
العديد يرون أن ملفات الفساد كانت نقطة الخلاف بين مديرية الأمن والاستعلامات ورئاسة الجمهورية..
قيل ما قيل في هذا الموضوع. أقول إنها نقطة الخلاف الأساسية. لست أدري. لكنها كانت من القضايا التي زعزعت استقرار البلاد، خاصة وأنها جاءت في وقت شهدت فيه البلاد غياب الرئيس. الملفات أخرجها الايطاليون والكنديون. أما الجهاز فلم يقم سوى بعمله.
ألا ترى أن اعتداء تيڤنتورين واختطاف الدبلوماسيين الجزائريين في غاو يشكّلان وصمة عار في جبين المخابرات التي ضربت في عقر دارها؟
قضية غاو هي من اختصاص وزارة الشؤون الخارجية. وعلينا أن نطرح سؤالا من أمر الدبلوماسيين بالبقاء هناك؟
هل تُحمّل وزارة الخارجية المسؤولية؟
لا، لن أحّمل وزارة الخارجية أو هيئة أخرى المسؤولية. لكن مما لا شك فيه أن المخابرات الجزائرية حذّرت من الأوضاع في غاو، لكن لا تملك سلطة أمر الدبلوماسيين بالمغادرة.
بالنسبة لقضية تيڤنتورين، ما حصل هو عمل عسكري وليس إرهابيا، يمكن أن نتساءل عن دور الاستعلامات ولماذا لم تصل المعلومات في وقتها؟ لكن لا تنسى أن المعتدين مرّوا على عدة دول، قبل أن يدخلوا إلى الجزائر، ولا تنسى الفضاء الشاسع وليس بالأمر السهل مراقبته.
لكن نعلم أن عدد المخبرين في الصحراء وحتى البدو الرحل لا يستهان به..
الضربة ليست مقبولة، لكن ليس من السهل حراسة حدود بتلك الشساعة. الإمكانيات لم تكن كافية، وما حدث جعلنا نأخذ درسا وعبرة، ونعيد التفكير في إستراتيجيتنا الأمنية وتطوير أساليب الحماية.
ألا ترى أن تخلّي المخابرات عن المهرّبين والميهاريست، الذين كانوا عينها التي لا تنام في الصحراء، جعلها تتلقى ضربة موجعة كهذه؟
من قال بأن المخابرات كانت معهم، ومن قال إنها تخلّت عنهم. كل المخابرات في العالم، ومن أجل استقاء المعلومة تلجأ إلى الكبير والصغير، وإلى كل الأشخاص الذين يمكنهم خدمة المصالح العليا للوطن، لكن إلى حدّ ما، لأنه من غير المعقول أن تتعاون مع مهرّب يدخل المخدرات إلى البلاد من جهة، ويقدّم لك معلومات من جهة أخرى.
عمليتا “غاو” و«تيڤنتورين” كانتا منعطفا في تاريخ الجهاز، وكانتا أيضا سببا في إقالة العديد من المسؤولين. ما تعليقك على هذا؟
لا يمكنني التعليق، أو تقديم تفسيرات بخصوص ذلك، لكن ما حصل في مالي، فإن أي شخص كان يدرك أنه سيحصل لأن المنطقة كانت في حرب، ولا يمكن تحميل المخابرات مسؤولية ما حدث.
التغييرات التي قام بها الرئيس بوتفليقة بعد عودته من باريس على رأس الجهاز، وإقالته لمسؤولين وحلّ مصلحة الضبطية القضائية، وصفت بأنها تقليم لأظافر الجهاز..
هذه التغييرات حصلت في الوقت نفسه الذي كان فيها جهاز المخابرات الفرنسية يشهد التغييرات نفسها، ولكن الرئيس فرانسوا هولاند قال: “اتركوهم يشتغلون في هدوء نريد الفعالية”، ولم يتكلّم عليهم أحد. بينما نحن في الجزائر التغييرات صاحبها هرج إعلامي وسياسي دشّنه الأمين العام للأفالان، عمار سعداني، الذي وجّه اتهامات خطيرة جدا للجهاز ككل وليس توفيق وحده، ولم يتبق له سوى أن يطلب من العدالة الدولية التدخّل. صراحة، كانت تمثيلية سخيفة وكل الأشخاص الذين لعبوا الأدوار فيها سيئون. وبخصوص تحويل المديرية المركزية لأمن الجيش لتصبح تحت صلاحية قيادة الأركان شيء عادي، وربما التحويلات جاءت في إطار نظرة جديدة لطريقة تسيير الجيش أملتها الظروف.
العديد من المتتبعين رأوا في تلك التغييرات انتقاما لبوتفليقة من الجنرال توفيق، خاصة وأن الأخير يروّج عنه أنه كان ضد العهدة الرابعة ومع تطبيق المادة 88 من الدستور، إلا أن رئيس أركان الجيش، الفريق ڤايد صالح، وقف في طريقه..
هي افتراضات فقط، أنا لم أسمع الجنرال توفيق يقول إنه كان ضد العهدة الرابعة ومع تفعيل المادة 88، لأنني لم أره منذ خروجي إلى التقاعد سنة 2005، كما أنني لم أقرأ أو أسمع عن الذي تتكلم عنه. لكني أظن أن ما جعل الموضوع يفهم من هذه الزاوية هو أن الرئيس أقال الوزراء الذين كانوا ضد سعداني في الأفالان.
وبالنسبة لمسؤول المديرية المركزية لأمن الجيش، جبار مهنا، ورئيس مصلحة مكافحة الإرهاب، عبد القادر آيت واعرابي “حسان”، ومسؤول مركز الاتصال والنشر، الكولونيل فوزي. من أقالهم؟
الشيء الذي أعرفه وتعلّمته في حياتي العسكرية، هو أن من يشتغلون تحت أوامر توفيق لا يمكن لأي أحد أن يقيلهم، باستثناء مسؤولهم المباشر، وهو توفيق.
لكن الإقالة قُرأت على أنها إضعاف للمديرية، خصوصا وأن المقالين يشكّلون الذراع الأيمن للجنرال توفيق..
إذا كان الجهاز قوي فأهلا وسهلا، وإذا كان توفيق قويا، فهو قوي بالجهاز. إذن لماذا إضعاف الجهاز؟ أعتقد أننا نحتاج إلى إنسان قوي، خصوصا في هذا الظرف الحساس.
كثيرا ما استعمل “فيتو” المحكمة الدولية في وجه العديد من قادة الجيش، هل يمكن للرئيس أن يجرّهم إليها؟
أستبعد هذا، لأن بوتفليقة لما استلم مقاليد الحكم كان وعده عدم تدخّل المحكمة الدولية. أضف إلى ذلك أن أي بلاد كان لها الحق في مكافحة الإرهاب، خصوصا وأنه أصبح الآن آفة دولية، والجيش الجزائري هو أول من برهن على ذلك.
في رأيك، هل سيتم تقليص دور المخابرات مستقبلا؟
هذا سؤال يطرحه من ليس له دراية بدور المخابرات، كل الدول قائمة بمخابراتها واقتصادها، والميول الآن في الدول المتقدمة تتجه نحو تقوية وتطوير أجهزتها الاستخباراتية، لأن الحروب التقليدية انتهت وأصبحت الآن حروبا استخباراتية، في ظل التهديدات الحاصلة خصوصا الداخلية وما يحصل في البلاد، لذا علينا تطوير الجهاز وليس إضعافه.
على ذكر ما يحصل في الداخل، نعود إلى أزمة غرداية. المخابرات استطاعت إنهاء أزمة عشرية سوداء، وعجزت عن حل أزمة في منطقة..
هي كارثة تحصل هناك. أظن أن الدولة تخلّت عن واجبها تجاه المنطقة. لكن من قال إن المخابرات لم تتدخل؟ أكررها مرة أخرى المخابرات مهمتها استقاء المعلومة وتقديم تقارير على ما هو حاصل هناك، بينما التدخل وتنفيذ القرار يكون في يد السلطات المعنية.
في الأخير، كيف ترى العلاقة بين جهاز المخابرات والرئاسة مستقبلا؟
الرئاسة هي القيادة العليا في البلاد، وما يجمعها بمديرية الأمن والاستعلامات هي علاقة عمل تتّسم بالمصداقية. من دون جهاز مخابرات منظم وقوي وطموح لا يمكن أن يكون هناك أمل. وكل الدول تستمد قوتها من مخابراتها، لذا على هذا الجهاز أن يحمي ويكون في خدمة الدولة والشعب وليس النظام، ولا يجب أن تسيّس وتصبح أداة وكأنها حزب في يد النظام.
الكاتب في سطور
محمد خلفاوي، ضابط سام متقاعد بمديرية الأمن والاستعلامات، ابن شهيد التحق بمدرسة أشبال الثورة بالقليعة، تخرّج كمهندس من المدرسة الوطنية للمهندسين ببرج البحري، اشتغل في التعليم، قبل أن يلتحق بسلك الأمن والاستعلامات إلى غاية تقاعده سنة 2005.
الاستعلامات.. رهان حرب صامتة
في 295 صفحة، أعطى الكاتب محمد خلفاوي لمحة عامة عن أجهزة المخابرات في العالم، نشأتها ومراحل تطورها، كال«كا جي بي” و«سي إي آ«، و«الموساد” ودوره في قيام دولة إسرائيل، مركزا على أهم القضايا التي عالجتها والأخطاء التي وقعت فيها. كما قدّم الكاتب مفاهيم ومصطلحات الاستخبار والاستعلام، مع تخصيص حيّز مهم للمخابرات الجزائرية المتمثلة حاليا في مديرية الأمن والاستعلامات، وتناولها منذ نشأة “المالغ”، والتحوّلات التي شهدها الجهاز بعد تحوّله إلى الأمن العسكري ثم إعادة هيكلته في فترة الشاذلي بن جديد وصولا إلى إنشاء المديرية، وما طرأ عليها من جديد إلى غاية يومنا هذا مع إعطاء تصورات واستنتاجات وأفق المستقبل.
الكتاب جاء في 9 فصول: منها الاستعلامات في قلب الأحداث، تنظيم مصالح الاستخبارات، نشأة المخابرات في أوروبا والعالم التي تناولها الكاتب بالتفصيل، ودورها خلال الحرب الباردة، كما تناول أيضا وسائل المراقبة الإلكترونية والجوسسة الاقتصادية والشفرة.
«الاستعلامات.. رهان حرب صامتة”، الذي سيصدر خلال الأيام القليلة القادمة عن دار “سارة” للنشر، تناول بنوع من التفصيل بعض مسؤولي المخابرات الجزائرية كمحمد بتشين والتغييرات التي أحدثها على الجهاز، وكذا الجنرال توفيق، والظروف التي استلم فيها مديرية الأمن والاستعلامات.
للإشارة، فإن الكاتب محمد خلفاوي، وهو ضابط سام متقاعد بمديرية الأمن والاستعلامات، بصدد التحضير لكتاب آخر في المجال نفسه، يتناول فلسفة الاستخبارات في المجتمعات المعلوماتية.
أنشر على


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.