انطلق رئيس الجمهورية في دفاعه عن المؤسسات الأمنية، حسب مصادرنا، من فكرة قوية لدى النظام الجزائري، مفادها أن المؤسسة الأمنية والعسكرية هي الضامن الأهم للاستقرار، وأن أي مساس بها بغض النظر عن الاشخاص يعني إصابة النظام السياسي باضطرابات خطيرة. وقالت مصادرنا إن المؤسسة الأمنية والعسكرية لا تعترف بنفوذ الأشخاص وإلا لما استقال الرجل القوي في الجيش الفريق محمد العماري في قمة مجده. الجنرال ڤنايزية أول ضحية وفسرت المصادر قرارات الرئيس بوتفليقة المثيرة للجدل الصادرة في سبتمبر الماضي، والتي أعطت الرأي العام انطباعا بوجود أزمة عميقة بين أركان الجيش ورئاسة الجمهورية من جهة، ومديرية الاستعلام والأمن من جهة ثانية، بأنها جاءت بسبب أزمة تداخل الصلاحيات بين 3 مؤسسات بفروعها، وهي المكلف بتسيير شؤون وزارة الدفاع الوطني ورئاسة أركان الجيش ومديرية الاستعلام والأمن. وقد وقع تداخل الصلاحيات في ملفات ثلاثة هي: صلاحية الاطلاع على التقارير السرية للغاية المتعلقة بمتابعة التطورات الأمنية في الساحل، والجهة التي ينبغي أن تتبع لها مديرية أمن الجيش، ودور الوحدات الخاصة المكلفة بملاحقة أمراء الجماعات الإرهابية التي يقودها الجنرال حسان. وذكرت نفس المصادر أن اللواء عبد المالك ڤنايزية، الوزير المنتدب السابق لدى وزير الدفاع، يكون قد دفع منصبه ثمنا للإشكالية التي طرحت على مستوى قيادة المؤسسة الأمنية، حيث تداخلت صلاحياته القانونية كمسؤول مباشر عن وزارة الدفاع أثناء فترة غياب وزير الدفاع الفعلي عبد العزيز بوتفليقة بسبب المرض، وهو ما يفسر أن تنحيته كانت من أول القرارات التي اتخذها رئيس الجمهورية بعد رحلة العلاج إلى فرنسا، ورغم أن بعض التفسيرات قالت إن ڤنايزية أبعد بسبب معارضته للعهدة الرابعة للرئيس بوتفليقة، فإن مصادرنا قالت إن ڤنايزية دفع الثمن بسبب ما وصف ب”عجزه عن تسيير أزمة الصلاحيات مع ال”دي أر أس”. شغور منصب وزير الدفاع وتداخل الصلاحيات احتفظ رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة بمنصب وزير الدفاع، وكان بالتالي المسؤول المباشر عن تسيير المؤسسة الأمنية الأهم في الجزائر وهي الاستعلام والأمن التي تتبع لوزارة الدفاع. وكانت الصلاحيات المحدودة للوزير المنتدب لدى وزير الدفاع، ڤنايزية، لا تسمح له بإصدار الأوامر بصفة مباشرة لمدير الاستعلام والأمن، الفريق محمد مدين، الذي يحمل رتبة عسكرية أعلى، ولم يكن مشكل تداخل الصلاحيات مطروحا طيلة الفترة بين تولي اللواء ڤنايزية منصبه منذ عام 2005 إلى غاية تعرض الرئيس للوعكة الصحية، بمعنى أن غياب وزير الدفاع المسؤول المباشر هو من فجر المشكلة. وقالت مصادرنا إن أزمة تداخل الصلاحيات لم تكن لتطرح لولا الوضع الأمني شديد الاضطراب في الحدود الجنوبية والشرقية. وأشارت مصادرنا إلى أن طبيعة عمل مديرية الاستعلام والأمن، خاصة فيما يتعلق بإدارة الملفات الأمنية الثقيلة، مثل تسيير أزمة الدبلوماسيين الجزائريين المختطفين في شمال مالي والعمليات الأمنية السرية الخاصة، تفرض سرية بالغة في تداول التقارير والمعلومات، حيث لا يجب أن يطلع على بعض الملفات سوى رئيس الجمهورية وزير الدفاع، وفي حالة غياب الرئيس فإن مديرية الاستعلام والأمن وقعت في إشكال صلاحية وزير الدفاع المنتدب في الاطلاع على الملفات السرية وتطوراتها. وقالت مصادرنا إن المعلومات المتاحة تشير إلى أن بوتفليقة لم يفوض أي أحد للتعامل مع هذه المستجدات الخطيرة، الأمر الذي وضع مسؤولي الدولة أمام الكثير من الإشكالات أثناء تسيير الشؤون الأمنية، وهو ما يفسر أيضا قراره بمنح الوزير الأول عبد المالك سلال صلاحيات أمنية إضافية للتنسيق بين مختلف الأجهزة الأمنية في الدولة لحل الإشكال في حالة غيابه،، وتشير مصادرنا أيضا إلى أن مديرية أمن الجيش التابعة فعليا ل”دي أر أس” وقعت في نفس الإشكال حيث يكون مسؤولوها الإقليميون في نفس الوقت تابعين لقادة النواحي العسكرية الست التابعة لأركان الجيش، لكن مسؤولهم المباشر هو الفريق محمد مدين، وهو أيضا ما يفسر قرار بوتفليقة إلحاق مديري أمن الجيش بهيئة الأركان لحل الإشكالية الثانية التي وقعت إثر تداخل الصلاحيات بين أركان الجيش ومديرية الاستعلام والأمن، وقد بدأ مشكل الصلاحيات هذا في وقت مبكر أثناء أزمتي خطف الدبلوماسيين الجزائريين في شمال مالي، وخلال تسيير أزمة تيڤنتورين والعملية العسكرية التي وقعت، إلا أن حضور وزير الدفاع وهو بوتفليقة سمح بحل هذه الإشكالات في وقت مبكر. وحدات مكافحة الإرهاب وتشير ذات المصادر إلى أن المجلس الأعلى للأمن الوطني برئاسة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة أعطى في عام 2004، بعد تزايد نفوذ تنظيم القاعدة في بلاد المغرب، لمديرية الاستعلام والأمن، صلاحية ملاحقة أمراء الإرهاب، وتقرر تشكيل وحدات أمنية عالية التدريب والكفاءة تكلف بملاحقة أمراء الجماعات الإرهابية، وخولت بتنفيذ عمليات بالغة الدقة والسرية عبر كامل التراب الوطني، وضمت إطارات من الأمن هم الجنرال وناس والجنرال حسان والعقيد عثمان الذي استشهد أثناء تنفيذ إحدى هذه العمليات الخاصة عام 2010، وكانت دقة وسرية العمليات الشديدة تفرض على مسؤولي وحدات مكافحة الإرهاب عدم إخطار أي شخص بتطورات العمليات التي تنفذ أحيانا في قلب النواحي العسكرية، ورغم أن وحدات مكافحة الإرهاب كانت تنسق مع قادة النواحي بعد إخطار وزير الدفاع بالأمر، إلا أن إشكالية أخرى طرحت أثناء غياب وزير الدفاع، وهي أن قادة النواحي كانوا يرغبون في تنفيذ عمليات تستهدف رؤوس الإرهاب بوحدات محلية، دون أن تتنقل وحدات مكافحة الإرهاب إلى المواقع التي يوجد فيها أمراء الإرهاب. لكن رغم منطقية هذه الأسباب، يبقى سبب توقيت تداول بعض المعلومات وتزامنها مع الهجوم على مديرية الاستعلام والأمن غير معروف.