ستحول الملفات والقضايا الموجودة لدى الديوان المركزي لقمع الفساد، إلى القطب الجزائي المالي الذي تقرر استحداثه لتعزيز عمليات مكافحة الفساد في الجزائر. ونصت المادة التاسعة من مشروع يعدّل ويتمم أحكام قانون الوقاية من الفساد ومكافحته، صادق مجلس الوزراء عليه مؤخرا، على تحويل الإجراءات المطروحة أمام الديوان المركزي لقمع الفساد إلى القطب الجزائري المالي بمجرد تنصيبه. ويعني القرار حل الديوان بصفة رسمية، وبررت الحكومة هذه الخطوة بسبب تعقد تشكيلته والنقص في التنسيق بين مختلف المصالح المتمثلة على مستواه في الجرائم المالية شديدة التعقيد. الديوان الذي وضع عند تأسيسه تحت وصاية وزارة المالية ثم حوّل لسلطة وزارة العدل، ألغي من خريطة مؤسسات مكافحة الفساد دون تقديم حصيلة لمنجزاته رغم تخصيص أموال هامة لأجله. ويمنح الإجراء الجديد بحل الديوان وتعويضه بقطب جزائي متخصص، السلطة الحصرية في مجال مكافحة الفساد لقطاع العدالة التي تبقى خاضعة لإملاءات السلطة أو جناح منها في المرحلة الحالية. ويحوز القطب الجزائي المتخصص على اختصاص وطني ومقره بمحكمة سيدي امحمد مهمته -حسب واضعي التشريع الجديد- القيام بعمليات "البحث والتحقيق والمتابعة في الجرائم المالية شديدة التعقيد والجرائم المرتبطة بها، كالفساد والغش والتهرب الجنائيين وتمويل الجمعيات والمؤسسات المالية والبنكية، ويقصد بالجريمة المالية شديدة التعقيد، حسب المادة 24 مكرر "تلك التي تتطلب اللجوء إلى وسائل تحري خاصة أو خبرة فنية متخصصة أو تعاون قضائي دولي". ويتشكل القطب من وكيل جمهورية ومساعديه وقضاة تحقيق، يتم تعيينهم وفقا لأحكام قانون القضاء، بحكم تخصصهم في الجرائم المالية، حسب أحكام المادة 24 مكرر 1. ونصت المادة 24 مكرر أيضا على تزويد القطب الجزائي المالي بكل الوسائل البشرية والمادية اللازمة للقيام بمهامه. وحسب أحكام المادة ذاتها، يتاح للقطب الجزائي المالي الإستعانة بمساعدين متخصصين في المسائل المالية، كما تم التنصيص صراحة على تزويد القطب بخلية إعلام. وحددت المادة 24 مكرر 2 إجراءات تدخل القطب الجزائري المالي والطبيعة الاستعجالية لمهمته، حيث يتوجب على وكيل الجمهورية لدى محكمة مكان الجريمة فورا نسخة من إجراءات التحقيق إلى وكيل الجمهورية، بالقطب الذي يطالب بالإجراءات حينا إذا اعتبر أن الجريمة تدخل ضمن اختصاصه. ويمكن لوكيل الجمهورية أن يباشر تحقيقات بصفة تلقائية في الجرائم الذي تدخل في اختصاصه أو تصل إلى علمه من مختلف الإدارات والهيئات والمؤسسات وأي شخص آخر. وينص المشروع على أنه في حالة فتح تحقيق قضائي، يصدر قاضي التحقيق لمكان ارتكاب الجريمة للمحكمة ذات الاختصاص الموسع، أمرا بالتخلي عن الإجراءات لفائدة قاضي التحقيق لدى القطب الجزائري الذي يمكنه أن يأمر باتخاذ كل إجراء تحفظي أو تدبير أمن، زيادة عن حجز الأموال المتحصل عليها من الجريمة أو التي استعملت في ارتكابها. ويقترح القانون الجديد في مادته 45 مكرر حماية إضافية للمبلغ عن الفساد أو الذي يكشفه للسلطات من أي أعمال انتقامية في عمله أو ظروف عمله، حيث يمكنه اللجوء إلى قاضي الاستعجال لوقف الإجراءات التي اتخذت ضده من قبل مسؤوليه، مع إمكانية حصوله على التعويض. ويعزز هذا الحكم المادة 45 التي تنص على عقوبات تصل إلى 5 سنوات وغرامة مالية تصل إلى 500 ألف دينار في حق كل شخص يلجأ بأي شكل من الأشكال لأعمال الإنتقام والترهيب للشهود والمبلّغين وعائلاتهم. وقالت الحكومة، إن هذه الأحكام الجديدة تعزز إجراءات حماية الشهود والضحايا والخبراء المنصوص عليه في قانون الإجراءات الجزائية، تماشيا مع المادة 33 من اتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة الفساد التي تطلب من الدول اتخاذ التدابير الملائمة للحماية من أي معاملة لا مبرر لها لأي شخص يقوم بإبلاغ السلطات المختصة بوقائع تتعلق بالفساد. ونصت التعديلات على استحداث وكالة وطنية لتسيير عائدات جرائم الفساد، وقالت الحكومة إنه قصد تحسين فعالية القضاء الجزائي في مجال مكافحة الفساد والجريمة المنظمة وتعزيز مصداقية الأحكام الجزائية في جانبها المتعلق بتجميد وحجز الأموال الناتجة عن الجريمة وتمكين بلادنا من استرجاع الأموال المترتبة عن هذه الجرائم. وتستجيب هذه الإجراءات لمطالب فاعلين جمعويين في مجال مكافحة الفساد، لكن التساؤلات تطرح إن لم يكن الغرض من هذه التعديلات جلب الأضواء وعمل استعراضي يهدف إلى مغازلة القنصليات الأجنبية والأممالمتحدة دون أن يتغيّر الأمر على الأرض، خصوصا في ظل إحالة أهم المواد على التنظيم ومنها وكالة تسيير عائدات جرائم الفساد.