* email * facebook * twitter * linkedin سارعت الإدارة الأمريكية أمس، إلى سحب رسالة رسمية كان قائد القوات الأمريكية في العراق، يعتزم إرسالها إلى السلطات العراقية عبّر فيها عن استعداد بلاده لسحب قواتها بعد تصويت نواب البرلمان العراقي، على قرار يلزم الحكومة العراقية بطرد كل القوات الأجنبية الموجودة على أراضيها. وبغض النظر عن النية المبيتة من وراء هذه الرسالة السرية فإن نشرها ثم سحبها جاء ليؤكد درجة الارتباك التي توجد عليها أعلى السلطات الأمريكية، التي تيقنت بعد فوات الأوان من سوء تقديرها للموقف العسكري الذي يمكن ينجم عن عملية تصفية جنرال إيراني بقوة ونفوذ قاسم سليماني. وتأكد ذلك عندما خرجت قضية تصفية قائد "فيلق القدس" من دائرة القبضة المحتدمة بين طهران وواشنطن إلى دولة العراق المجاورة، وإلى كل دول المنطقة وصولا إلى أوروبا التي بدأت هي الأخرى تتجرع كأس المرارة من القرارات العشوائية للرئيس دونالد ترامب. وأشارت الرسالة التي كان ويليام سيلي، قائد القوات الأمريكية في العراق، يعتزم إرسالها إلى السلطات العراقية إلى أن "بلاده بدأت استعداداتها لإعادة تموقع جنودها من أجل الشروع الفعلي في عملية سحبها". وقد اعترف قائد هيئة أركان الجيوش الامريكية الجنرال مارك سيلي، بوجود هذه الرسالة قبل أن يتدارك الأمر ليقول إنها كانت مجرد مشروع رسالة غير موقّعة ما كان يجب إرسالها إلى قائد القوات الأمريكية في العراق، مؤكدا أن ذلك خطأ ارتكب دون قصد. وتضمن نص الرسالة باتجاه السلطات العراقية "إننا نحترم قراركم السيادي الذي يأمر بسحب قواتنا"، في إشارة إلى قرار البرلمان العراقي بإنهاء مهمة تواجد قرابة 5200 من عناصر قوات المارينز في العراق. وقال كاتب الدفاع الأمريكي مارك إيسبر، بعد الضجة التي أحدثها الكشف عن هذه الرسالة إن بلاده ستعيد فعلا نشر قواتها في العراق ولكنها لن تغادر هذا البلد لأنه لا يوجد أي قرار في هذا الاتجاه. وتم تسريب مضمون هذه الرسالة غداة رفض الرئيس الأمريكي، سحب قوات بلاده من العراق وهدد السلطات العراقية بإنزال عقوبات اقتصادية عليها لا قبل لها بها، وذهب إلى حد المطالبة بتعويض بلاده بملايير الدولارات التي أنفقتها على إقامة وتجهيز أكبر قاعدة جوية أمريكية في العراق والتي تتواجد بها أخر وحدات المارينز التي مازالت في هذا البلد. وإذا كان الرئيس الأمريكي، قد تعامل مع طلب نواب البرلمان العراقي بعقلية "ماركنتيلية" بعد أن حول القضية إلى مسألة ربح وخسارة، فقد أضر بمصالح حلفاء بلاده الذين بدأوا في سحب قواتهم من العراق على غرار ألمانيا التي قررت سحب 35 عسكريا وتحويلهم إلى الكويت والأردن بسبب هذه التطورات، بينما احتفظت بتسعين عسكريا المتواجدين في منطقة كردستان العراق، وذلك في إطار القرار الذي اتخذه الحلف الأطلسي بسحب مؤقت لقواته في هذا البلد. وسبب القرار الأمريكي متاعب للدول الحليفة التي لبت نداء الإدارة الأمريكية السابقة للمشاركة في التحالف الدولي ضد الإرهاب سنة 2014، لكنها شعرت بأنه تم طعنها في الظهر بعد قرار ترامب، تصفية الجنرال الإيراني دون استشارة مسبقة. وأكدت مصادر دبلوماسية غربية في العاصمة العراقية وحتى قيادات عسكرية أمريكية، أن تبجح الرئيس الأمريكي بقتل سليماني، ووصفها بأنها عملية ستجلب الأمن إلى المنطقة عارية عن الصحة وستؤدي عكس ذلك إلى فتح صفحة جديدة للعنف والفوضى العارمة في منطقة تعيش حالة اللااستقرار المتواصل منذ عقود. وقال مصدر دبلوماسي أوروبي لم يكشف عن هويته إن استهداف الجنرال قاسم سليماني، وعشرة من أقرب معاونيه شكل مفاجأة لمختلف سفارات الدول الغربية في العراق، مضيفا أن العملية جعلت من الصعب التحادث مع الأمريكيين. وهو الموقف الذي أثار حفيظة كاتب الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، الذي انتقد الموقف الأوروبي بعد عملية الثالث جانفي الجاري، حيث اتهم الأوروبيين قائلا "إنهم لم يكونوا في مستوى الثقة التي وضعتها فيهم الولاياتالمتحدة"، في إشارة إلى عدم تأييد عملية الاغتيال، قبل أن يضيف أنه "يتعين على البريطانيين والفرنسيين والألمان أن يعلموا جيدا أن استهداف سليماني والمهندس من شأنه تجنيب سقوط قتلى أوروبيين"، في تلميح إلى الحجة التي رفعها الرئيس ترامب، لإضفاء الشرعية على عملية قتل الجنرال الإيراني. ونظرت مختلف الدول الاوروبية إلى قرار الرئيس ترامب، وضع قوات التحالف ودولها وممثليها الدبلوماسيين في العراق في دائرة الخطر بعد أن حذّرت مليشيا الحشد الشعبي المقيمين في المنطقة الخضراء، حيث توجد مختلف السفارات الغربية في العاصمة العراقية بضربها انتقاما لمقتل قاسم سليماني. وهي القناعة التي دافع عنها الرئيس الفرنسي الأسبق فرانسوا هولاند، الذي أكد أن الرئيس ترامب، وضع العالم في دائرة الخطر بقراره غير الصائب والخطير بتصفية الجنرال الإيراني.