دعا الدكتور أحمد رباح، إلى ضرورة قراءة الأرشيف الفرنسي الخاص بالمفكر مالك بن نبي بشكل نقدي ووفق سياق كتابته التاريخية والسياسية، وحتى النفسية، مؤكدا أن مالك بن نبي كان بحق رجلا وطنيا، وليس بحاجة إلى شهادة أحد في ذلك، ولا حتى المستعمر نفسه. نشط الدكتور أحمد رباح، نهاية الأسبوع الماضي، الندوة الشهرية لمكتبة "ناجي ميغا بوكستور" بحسين داي، بعنوان: "قراءة في كتاب وثائق مالك بن نبي في الأرشيف الوطني الفرنسي". وفي هذا السياق، قال الدكتور رباح "إن الأستاذين رياض شروانة وعلاوة عمارة أصدرا كتابا حول وثائق الأرشيف الوطني الفرنسي، الخاص بالمفكر الجزائري مالك بن نبي"، مضيفا أنه سيتم تزويد الطبعة الثانية لهذا الكتاب بوثائق جديدة، تخص بالدرجة الأولى حبس بن نبي في الفترة الممتدة من 24 أكتوبر 1944 إلى 29 أفريل 1945، عن دار الفكر اللبنانية. رقابة لصيقة... تقارير غزيرة أشار المتحدث إلى الرقابة الشديدة التي فرضت على مالك بن نبي من طرف البوليس الفرنسي، الذي وضع حوله جواسيس يراقبونه بشكل مستمر، وهو ما أوضحته الوثائق في هذا الكتاب، وتنقسم إلى صنفين: الصنف الأول يتعلق بوثائق مؤسسة اتصالات شمال إفريقيا، وتتفرع بدورها إلى عمالة قسنطينةوالجزائر العاصمة ووهران، والصنف الثاني حول وثائق الملف القضائي، والخاص بالتهم التي ألصقت ببن نبي حول التخابر مع الألمان. وتابع أن أغلب هذه الوثائق، هي تقارير أمنية بوليسية كُتبت في الفترة الممتدة من سنة 1939 إلى سنة 1958، إضافة إلى رسائل كتبها بن نبي بنفسه، مثل رسالة شكوى أرسلها إلى وزير العدل الفرنسي سنة 1952، ورسالة أخرى أرسلها إلى الشيخ العربي التبسي، ورسالة أخرى إلى القاضي، يطلب فيها إخلاء سبيل زوجته. ضمت هذه الوثائق أيضا، معلومات مفصلة عن مالك بن نبي، مثل تاريخ ميلاده ودراسته، ثم مغادرته إلى فرنسا، حيث تعرف على زوجته التي تكبره بخمس سنوات، وكانت رفقة أمها تتمتعان بصيت طيب، كما توفي والدها في معركة فاردان الشهيرة، وقد استغلت زوجة بن نبي ذلك، حينما دافعت عن نفسها وعن زوجها أمام المحكمة، راغبة في كسب تعاطف الإدارة الاستعمارية. بطالة مستمرة ومشاكل زوجية في الأفق ذكر الدكتور بوجود خلافات بين بن نبي وزوجته، لم يعرف كنهها، إلا أنه خمن أن ذلك راجع إلى عدم قدرة مالك بن نبي على إيجاد عمل، بفعل المضايقات الشديدة من المستعمر الفرنسي، الذي خيره بين العمل لصالحه أو البطالة، فاختار الثانية، لكن دفع بذلك ثمنا باهظا جدا، حتى أنه كتب بأنه فكر أن ينتحر رفقة زوجته، بفعل الضغط الشديد الذي تعرضا له. أضاف أن حماة بن نبي سألت قاضي التحقيق عن سبب منع صهرها من إيجاد عمل، وقد عانى بن مالك كثيرا من هذا الأمر، وهو الذي دفع به إلى العمل حارسا لمعسكر ألماني أثناء الحرب العالمية الثانية، وحارسا لحصان ضابط المخابرات الألمانية شافنر، ثم ذهابه إلى ألمانيا واشتغاله في مصنع، ثم توظيفه مندوب العمال الفرنسيين. سجن أول لبن نبي وزوجته كما تمكن بن نبي من إرسال مبالغ مالية لزوجته، إلا أنه تعرض إلى مشاكل من قبل فرنسيين في ألمانيا، فعاد إلى فرنسا. في المقابل، تعرضت زوجته بعد تحرير فرنسا للاعتقال، فقرر تسليم نفسه وطالب بتحرير زوجته، فسجن في الفترة الممتدة من 24 أكتوبر 1944 إلى غاية 29 أفريل 1945. تابع الدكتور مجددا، أنه تم الإفراج عن مالك بن نبي وزوجته، بفعل غياب دليل ملموس لخيانتهما لفرنسا، رغم شهادات الفرنسيين الذين كانوا يعملون معه في ألمانيا ضده، كما مرض بن نبي وأدخل المشفى بفعل نقص فيتامين "سي"، والذي أرجعه الدكتور إلى سوء التغذية، بفعل البطالة التي عاشها بن مالك لفترات طويلة جدا، وتسببت في خصام بينه وبين زوجته، فغادرها واتجه إلى بيت صديقه مارسال انكاليتو، وظنت المخابرات الفرنسية أنه غادر فرنسا نحو الجزائر. سجن ثان واتهامات جديدة تم القبض على زوجة مالك بن نبي مجددا في 29 سبتمبر 1945، أما هو فقد سلم نفسه في 9 أكتوبر1945، وطلب من قاضي التحقيق في رسالة، إطلاق سراح زوجته ونفى كل الادعاءات حول كونه عدو فرنسا، واستشهد بحادثة إفشاله مخطط تشكيل فرع لحزب الشعب بتبسة، لأنه كان من دعاة الإصلاح والمطالبة بالاهتمام بالشعب أولا، والابتعاد عن السياسة والتعامل مع المستعمر الفرنسي، وقد تم إطلاق سراحه في 11 أفريل، بعد الاعتماد على العديد من التقارير التي تنص على ضرورة احتوائه، وأنه ليس عدو فرنسا. رفض قاطع لاستمالة فرنسا أشار الدكتور إلى محاولات بن نبي الحثيثة لإيجاد عمل، من دون جدوى، وعرض عليه أن يكون ضابط شرطة، وأن يعمل لصالح فرنسا، فرفض وكتب رسالة إلى وزير العدل الفرنسي، يتهمه برغبة فرنسا في تحطيمه ومحاصرته. كما حدث خلاف بين الفرنسيين أنفسهم حول كيفية التعامل مع مالك بن نبي، وهل يجب إرساله إلى الجزائر أم الاحتفاظ به في فرنسا، ليتقرر تعيينه مستشارا للشؤون الخاصة بالمنحدرين من شمال إفريقيا، أي أن يكون جاسوسا عليهم لصالح فرنسا براتب 30 ألف فرنك فرنسي في الشهر، إلا أنه رفض مثلما رفض منصبا آخر في الضمان الاجتماعي، مؤكدا أنه يتعرض للابتزاز، وأنه لا يمكن له أن يتعارض مع ضميره وأفكاره. أضاف رباح أن الكتاب ضم رسالة لمالك بن نبي، أرسلها إلى العربي تبسي، يطلب فيها أن ينشرهاعلى الرأي العام في حال تعرضه للتصفية الجسدية، رافضا بشدة أن يكون عميلا لفرنسا ضد الجزائريين، وفي مقدمتهم النخبة الجزائرية. معلومات جديدة عن نبي... صحيحة أم زائفة؟ كما ضم هذا الكتاب أيضا، تقارير حول رغبة بن مالك الذهاب إلى المدينةالمنورة، وتواصله مع فرحات عباس، وكذا تلقيه مساعدة مالية من جمعية العلماء المسلمين، عندما تعرضت زوجته لوعكة صحية أدخلتها إلى المشفى، حتى أنه منح للجمعية حقوق تأليف أعماله، وكذا إلقائه جملة من المحاضرات في العديد من المناطق الجزائرية، وبيعه لكتبه. في هذا السياق، عبر رباح عن استغرابه حول إلقاء بن نبي لمحاضرة بادر إلى تنظيمها لوي ماسينيون، الذي اتهمه بن نبي أكثر من مرة بأنه وراء كل المضايقات التي يعيشها، مضيفا أنه، حسب التقارير المخابراتية الفرنسية، فإن بن نبي انضم أيضا إلى حزب الشعب الفرنسي، علاوة على كونه عضوا في الحزب الشيوعي الجزائري. الحذر ثم الحذر أثناء النقاش الذي أعقب تنظيم المحاضرة، تحدث بعض الحضور عن وجوب الحذر في التعامل مع هذه الوثائق التي خطتها أقلام مخابراتية فرنسية، كما رفض البعض منهم، وبشكل قاطع، بعض ما جاء فيها، كادعاء عضوية بن نبي في الحزب الشيوعي، وتحدث البعض عن معاناة بن مالك من الخوف بعد الاستقلال، بفعل المراقبة اللصيقة التي عاشها سنوات طويلة من حياته. من جهته، طالب الدكتور رباح بضرورة نقد وتمحيص هذه الوثائق، مضيفا أن هذا الكتاب فيه معلومات متناقضة، وفراغات توحي بأن هناك وثائق ناقصة، ليؤكد أن بن مالك كان رجلا شهما ومحبا لوطنه.