جمع معرض عدان وقيطا برواق "باية" بقصر الثقافة "مفدي زكريا"، مسار هذين الفنانين الزاخر بالأعمال الراقية والاحترافية، والتي تشكل جزءا من تاريخ الفن التشكيلي الجزائري، حيث عُرض جانب من أعمالهما التي بقيت في الذاكرة الفنية مع أعمال أخرى جديدة، تشع منها الاحترافية، والبحث، وعمق الفكر، إضافة إلى البعد التجريدي الذي وحّد الفنانين. أُنجزت أغلب اللوحات المعروضة خلال ثلاث سنوات الأخيرة إضافة إلى بعض اللوحات التي لها أكثر من 15 سنة، سُجلت فيها بصمات، كان لها أثرها في تاريخ الجزائر الاجتماعي والثقافي والسياسي. ويبرز المعرض الذي تستمر فعالياته حتى 26 مارس الحالي، تطور الفن التشكيلي الجزائري، والتقنيات المستعملة من فترة لأخرى، وكذلك الحال مع المواضيع والأفكار التي وصلت حتى الراهن مع وباء كورونا، والهجرة السرية. ورغم الصورة القاتمة لهذه المواضيع، إلا أنها لا تخلو من الإحساس العميق والمرهف في الطرح مع الارتباط العضوي والتام بالألوان، خاصة منها الصاخبة، اللهم إلا في بعض الأعمال التي رُسمت بالحبر الصيني، حيث اختير السواد فيها ليعكس بشاعتها وجرحها الغائر في الذاكرة الجماعية، مثل لوحة "بن طلحة"، التي تبرز وجوه الضحايا، وكذلك لوحة "اليمن". وبالنسبة للفنان مصطفى عدان فقد اختار كوكتال من أعماله القديمة، يرجع بعضها إلى سنة 1972، منها لوحة "الفرح" التي تجسد المناسبات الاجتماعية في منطقة القبائل. كما قدّم الفنان في إطار الأسلوب التجريدي، عدة لوحات منها "البربرية" برموز أمازيغية أصيلة وبعيني امرأة تشع نورا، وكذا لوحة "عودة المحارب" و«الحراك 2019"، و«سوسو" و«التوأمتان" و«التركيب الهندسي" و«آدم وحواء" و«الفوضى" و«الجزائر 1830- 1962"، وغيرها كثير، منها جداريات ورقية، وأخرى حجرية، بعضها يُبرز تاريخ الشعب الجزائري، وثقافته. ويبرز في أعمال هذا الفنان التنوع في التقنيات، منها تقنية استعمال الطبشور والشمع. كما يعرض في جانب من المعرض، مجموعة من الميداليات، ومفاتيح مدينة الجزائر، وأوسمة صممها على مدار أعوام، تبدو تحفا تاريخية قديمة من فرط إتقانها. مصطفى عدان صاحب مشوار فني تجاوز 60 عاما. وُلد بالقصبة بالعاصمة يوم 12 مارس 1933. نحات وفنان على الخزف ومصمم. تحصّل سنة 1965 على شهادة جامعية في البيداغوجيا الفنية والجامعية والرسم والنحت في ألمانيا. كما إنه أستاذ بمدرسة الهندسة والفنون الجميلة، إضافة إلى كونه عضوا مؤسسا لحركة "أوشام". وترأّس الاتحاد الوطني للرسامين الجزائريين. من جانبه، قدم الفنان منصف قيطا تشكيلة من أعماله التي برزت فيها مواهبه المتعددة، حيث يشع الشعر مجسدا في الأشكال المتجانسة والمتقاطعة في سلام وحب. وتبدو لمسة رقيقة توقعها الريشة بألوان زاهية، توحي بالحياة والجمال. ومن بين اللوحات المعروضة لوحة "ثمار الخريف"، التي تبدو فيها الأشكال ملونة (لا علاقة لها بالثمار)، كما تظهر الخلفية باهتة اللون، تماما كجو الخريف. وهناك الكثير من اللوحات التي تكاد لا تنتهي، أغلبها في التجريدي، تتضمن بعضها رموزا أمازيغية، وطيورا، وفراشات، وتراكيب هندسية، و«موزاييك ثقافيا"، وأخرى عن التراث الإسلامي ممثلا في قصاصات مخطوطات قديمة، محاطة بأشرطة مذهّبة. كما عرض الفنان جداريات ضخمة، منها "الطائر أعلى الغصن"، و«العمران" وغيرهما. للإشارة، الفنان قيطا من مواليد عنابة سنة 1945. تحصّل على دكتوراه في بيولوجيا الخلية. تقلّد مناصب عليا خلال مسيرته العلمية، ويمارس الفن منذ 30 عاما، حيث يتعاطى الرسم والشعر على حد سواء. ويحاول أن يسمو بالروح الإنسانية إلى ما هو أرقى وأجمل. كما تبدو في لوحات هذا الفنان الخبرة والتمكن والبحث، وهو ما ينعكس في الإضاءة والألوان والأشكال، أما المضمون فغالبا ما كان مرتبطا بالتراث الجزائري الأصيل.