يعد قطاع البناء الأكثر استهلاكا للطاقة في الجزائر بنسبة تتجاوز 40% من إجمالي الاستهلاك الوطني، بعيدا عن القطاعات الأخرى كالنقل والصناعة والفلاحة. ويشغل هذا الوضع السلطات العمومية الراغبة في تقليص هذه النسبة بما يتماشى والتشريعات الوطنية السارية المفعول وكذا الالتزامات العالمية في مجال الانبعاثات الكربونية. وضمن هذا المسعى يتم التحضير لإعادة النظر في قانون العزل الحراري للبنايات لتكييفه مع المتطلبات الراهنة. في هذا الإطار، تحدث المدير العام للبناء ووسائل الإنجاز بوزارة السكن والعمران والمدينة رضا بوعريوة في ندوة نظمت، أمس، على هامش الطبعة 24 للصالون الدولي للبناء ومواد البناء والأشغال العمومية، حول موضوع "العزل الحراري للبنايات"، عن مشروع إعادة النظر في التشريعات الخاصة بالبناء ومتطلبات العزل الحراري. وأشار إلى أن اختيار هذا الموضوع للنقاش لم يكن اعتباطيا، وإنما جاء متوافقا وسياسة الحكومة الرامية إلى تحقيق الانتقال الطاقوي، موضحا بأن البناء يعد القطاع الأكثر استهلاكا للطاقة وطنيا بنسبة تفوق 40%، بما يجعل من تجسيد الانتقال الطاقوي أمرا ملحا، شرع فيه القطاع منذ سنوات بوضعه تشريعات ومشاريع نموذجية وكذا مشاريع بحث بالتعاون مع المركز الوطني للدراسات والبحوث في هندسة البناء. في ذات السياق، ذكر الدكتور في هندسة البناء والباحث في هذا المركز لطفي دراجي بأهم التشريعات التي سنت لمواجهة الاستهلاك الكبير للطاقة في قطاع البناء منذ التسعينيات، لافتا إلى أن قطاع البناء هو الأول وطنيا من حيث الاستهلاك بنسبة 43%، يليه قطاع النقل بنسبة 33% ثم قطاع الصناعة ب25% وقطاع الفلاحة بعيدا ب7%. وأوضح المتحدث أن أسباب ارتفاع الاستهلاك في قطاع البناء يرجع إلى جملة من العوامل أهمها الاستعمال المفرط للسخانات والمكيفات وكذا الأجهزة الالكترومنزلية والإنارة العمومية، لاسيما وأن الجزائر شهدت نموا هاما في المشاريع السكنية، إذ تحصي البلاد حاليا 10 ملايين سكن.أمام هذا الوضع، دأبت السلطات العمومية وعلى رأسها وزارة السكن منذ 1997، على وضع تشريعات تهدف إلى تقليص نسبة الاستهلاك الطاقوي، لاسيما من خلال التركيز على العزل الحراري للبنايات وتشجيع استخدام الغاز باعتباره طاقة نظيفة وغير مكلفة. وتعمل الهيئة الوطنية لمراقبة البناء على تطبيق التشريعات السارية ولاسيما قانون العزل الحراري لسنة 2016، من خلال طلب حصيلة تتم على أساس معلومات صحيحة تبعا للتشريعات المعمول بها، مثلما أوضحه رضا دوقارم ممثل الهيئة، الذي أشار إلى ضعف العزل الحراري في البنايات التي يتم إنشاؤها، بالرغم من وجود قانون يتضمن الوثيقة التقنية التنظيمية الواجب تطبيقها على كل البيانات، والتي يتم الاعتماد عليها من طرف مكاتب الدراسات في إعداد مشاريع البناء. وأشار إلى الاعتماد في السابق على المعايير الأجنبية في هذا المجال، لكن بصدور قانون جزائري، أصبحت الأمور واضحة من الناحية التشريعية. لكن تطبيق القانون ميدانيا مازال ضعيفا، ما يتطلب وفقا للمتحدث، الترويج والتحسيس بأهمية هذه القواعد لدى المهنيين وكل الفاعلين في مجال البناء. كما لفت إلى أن مسائل الطاقة النظيفة والعزل الحراري واقتصاد الطاقة أصبحت مواضيع الساعة على المستوى العالمي، وأن الجزائر تخصص مبالغ كبيرة لدعم الطاقة، وهو ما يجعل سعرها من بين أخفض الأسعار دوليا، مما قد يؤدي إلى عدم التفكير جديا في مسائل العزل واقتصاد الطاقة. في المقابل، اعتبر المتحدث تطبيق قوانين العزل الحراري لا يساهم في تحقيق اقتصاد الطاقة ومنه خفض التكلفة المالية فحسب، وإنما يساهم كذلك في تحقيق الرفاهية للمواطن الذي سيكون أكثر راحة في بيته المعزول ولن يعاني من البرودة أو الحر الشديدين. وسمح تنظيم هذه الندوة للمشاركين بطرح مسائل تقنية متعددة تتعلق بكيفية الوصول إلى إنجاز بناءات تستجيب لمتطلبات الحفاظ على البيئة وكذا للتغيرات المناخية، إضافة إلى احترام خصوصيات كل منطقة من مناطق البلاد في عمليات إنجاز المساكن، من حيث طرق البناء أو اختيار مواد البناء، والانتقال من سياسة الكم في بناء السكنات إلى احترام النوعية والجودة.