❊ عزم على حماية التراث المحلي من الزوال يُعد الحرفي أحمد بويدة من الغيورين على مهنة النقش على النحاس التي ورثها عن أجداده، فهو شاب طموح، تغمره نشوة البحث عن كل ما له علاقة بالتاريخ والآثار. تراه منكبّاً على النقش على الفضة والنحاس، ولملمة أشتات التحف النادرة، حتى أصبح يحوز على كمية كبيرة من النقود القديمة، والطوابع البريدية، وقطع من النحاس والجلد، لها قيمة تاريخية عريقة. زارت "المساء" محل الحرفي الواقع بحي القصابي بتندوف، مؤخرا، والذي يظهر للوهلة الأولى أنه محل عادي لتواجده بشارع وحي شعبي عريق، فهو لا يتسع سوى لحفظ التراث الشعبي، الذي ظل حبيس الذاكرة، وفي زوايا البيوت والخيام. استقبلنا السيد بويدة أحمد بكل ترحاب معهود لساكنة المنطقة والجزائريين برمّتهم. كان يحمل بعض الأدوات الحرفية التي لا تفارق يديه كالعادة، يستعملها في ورشته الصغيرة داخل المحل. وفي لحظات حميمية بدأ يستحضر حقبا زمنية قديمة، تركت وراءها إرثا تاريخيا وثقافيا، جسدها بويدة أحمد في متحفه الصغير المتواضع. الحرفي بويدة أحمد، وحسب ما ذكر، من مواليد 1964 بتندوف، ينحدر من أسرة حرفية أبا عن جد امتهنت حرفة الصناعة التقليدية منذ زمن بعيد. وواصل أحمد مزاولة هذا النشاط رغم ضيق المحل ونقص المواد الأولية في صناعته التقليدية. وأوضح في حديثه وهو يسرد مسيرته الفنية التي بدأت منذ سنة 1996 والتي تُوجت بجمع أزيد من 14 ألف طابع بريدي يؤرشف لحقب زمنية ماضية إلى جانب جمع وحفظ حوالي 8 آلاف و500 عملة معدنية وطنية ودولية، وهي عبارة عن كمّ هائل من النقود المعدنية التي ماتزال محافظة على طبيعتها. كما عثرت "المساء" داخل هذا المحل الصغير، على 250 عملة ورقية تعود إلى الأزمنة القديمة، بقيت كما هي. ويتوفر المحل على عدد من البطاقات البريدية القديمة تحمل رسائل لأشخاص، وتبادل التهاني على الصيغ الكلاسيكية عبر البريد. وقال أحمد وهو يشرح تفاصيل محتويات المتحف المصغر، إنه مولع منذ صغره بحفظ التراث المادي، وحمايته من الضياع؛ حيث يحتوي متحفه على وسائل الزراعة، والتحف النادرة، والأساور الفضية والنحاسية. ويستعمل الحرفيون في صناعته التقليدية قرون الماعز في تصميم الخواتم والتحف الجذابة من أحجار كريمة ورخام وزجاج. كما اختصّ في الحدادة من خلال إنجاز النوافذ والأبواب بلمسة حضارية، مستوحاة من تاريخ العمارة المغاربية، والقصور المحلية، وعلى مدار سنوات حافلة بالنشاط والحضور في مختلف التظاهرات المحلية والجهوية والوطنية والدولية. وتمكن أحمد من إعطاء صورة حية للموروث التاريخي والثقافي لتندوف؛ إذ تحصل خلال هذه الفترة على نحو 244 شهادة شرفية وتقديرية من مختلف الهيئات الإدارية المحلية والوطنية. وبذلك يمكن القول بأن بويدة أحمد هو آخر عنقود في شجرة التراث المادي بتندوف بعد أن هجرها القدامى؛ بسبب المرض، والتقدم في العمر. وأكد بويدة ل"المساء" أنه ماض نحو حماية الذاكرة التاريخية من كل أشكال الضياع والتلف. ويأمل أن يعرض محتويات متحفه في مكان فسيح؛ لإعطاء فرصة الاطلاع عليه من طرف سكان تندوف. وكشف لنا أنه يخبئ مفاجآت لزوار متحفه الفريد من نوعه بتندوف. ويشتكي الحرفي أحمد من مشكل تسويق الإنتاج الذي ينجزه ويبقى حبيس الرفوف بالمحل، إضافة الى قلة وصعوبة الحصول على المواد الأولية. ويتفاءل الحرفي أحمد خيرا بحلول عيد الأضحى المبارك؛ حيث تكثر الجلود التي يستغلها الحرفيون في تصاميم مختلف أنواع التحف الجلدية.