❊ تغليب الحوار السياسي على الخيار العسكري سمة سياستها الخارجية ❊ الجزائر تتحدّى ضغوطات القوى العظمى بمرافعاتها في مجلس الأمن ❊ نجاح مشهود للجزائر في إعادة القضايا الإفريقية إلى الواجهة الأممية لم تحد السياسة الخارجية للجزائر عن مبادئها الثابتة في تغليب الحوار السياسي والابتعاد عن العنف في التعاطي مع القضايا الدولية، رغم المتغيرات الاقليمية الصعبة التي تطبع المشهد الدولي في الفترة الأخيرة، حيث جعلت هذه الثوابت من الركائز الأساسية في مرافعاتها على مستوى المنتديات الدولية، قناعة منها بأن الخيار العسكري لن يزيد سوى في إدامة الإزمات وتعقيد الأمور، على غرار ما يحدث في منطقة الساحل التي مازلت مرتعا خصبا لأعمال العنف. تحرص الجزائر التي تشغل منصب غير دائم في مجلس الأمن الأممي، خلال العهدة الثانية على التوالي، على نقل التزاماتها من أجل ترجيح كفّة الحلول السلمية في عالم لا يخلو من بؤر التوتر المتفشّية عبر مختلف بقاعه، خاصة في إفريقيا التي تحتل ملفات نزاعات بها صدارة أجندة مجلس الأمن بنسبة 75 بالمائة، إلى جانب القضية الفلسطينية التي تعد أولوية الأولويات في النّشاط الدبلوماسي للجزائر. ورغم صعوبة الظرف الدولي المتّسم بالكثير من المشاحنات والتعدي على القانون الدولي، إلا أن الجزائر نجحت باقتدار في الدفاع عن المبادئ التي أرساها المجتمع الدولي من أجل بناء عالم يسوده السلم والأمن، بل تحدّت كافة الضغوطات التي حاولت القوى العظمى في مجلس الأمن ممارستها عليها قصد التأثير على مواقفها، وظلت تمارس مهمتها بجرأة وشجاعة كبيرة تحظى بإعجاب القاصي قبل الداني. لم يكن للجزائر أن تتخلى عن أهدافها في الدفاع عن قيم السلم وهي التي مرت بعشرية سوداء استخلصت منها الكثير من العبر، أبرزها تبنّي سياسة المصالحة الوطنية لحقن الدماء موازاة مع مطاردة فلول الإرهاب التي ترفض التخلي عن العنف، وذلك في إطار سياسة متوازنة بعيدة النّظر. وقد حظيت هذه السياسة بالكثير من الاهتمام من قبل العديد من الدول التي تعيش أزمات أمنية، ما جعل الجزائر من الدول المصدّرة للسلم ومؤهلة دون منازع للقيام بمرافعات دولية على مستوى المنتديات والمحافل العالمية، مرتكزة على رصيد دبلوماسي ثري يعزّز من موثوقيتها كشريك اقليمي يعتمد عليه. انطلاقا من هذه الرؤية أولت الجزائر أهمية كبيرة للبعد الإفريقي من خلال تشخيص مختلف القضايا المدرجة في مجلس الأمن، وجعلها في الواجهة بعد أن كانت شبه مهمّشة مع الحرص على تحسيس المجتمع الدولي بخطورة الأوضاع التي تعاني منها القارة، على غرار الأحداث في السودان، ليبيا، الكونغو، إفريقيا الوسطى ومنطقة الساحل. وفي ظل جهودها الكبيرة لنقل انشغالات قارة مثقلة الكاهل بنزاعات متجددة وانقلابات غير دستورية يرفضها الاتحاد الإفريقي، إلا أن الجزائر تلتزم بصون أمنها القومي من خلال مواجهة ودحر أي خطر قد يمس بأمن وسلامة أراضيها، موازاة مع نشاطها الدبلوماسي المكثّف لاستعادة الاستقرار السياسي والأمني في جوارها الذي يشهد اضطرابات خطيرة، ويأتي ذلك انسجاما مع مبادئها الراسخة التي تقوم على حسن الجوار ورفض التدخل في الشؤون الداخلية للدول، واحترام سيادتها الوطنية ووحدتها الترابية مع تشجيع تغليب لغة الحوار، بل إن الجزائر تحاول دوما التعامل مع الأمر الواقع بحكمة لتفادي انزلاقات أكبر في الحالات غير الدستورية التي عرفتها بعض الدول على غرار مالي، فضلا عن التزامها الكبير بتقديم المساعدات الإنسانية وتمويل المشاريع التنموية ذات البعد الإقليمي من أجل إجهاض كل المخططات التي تستهدف أمن واستقرار المنطقة. وكعينة على صواب مقاربة الجزائر، فإن انقلاب مالي الذي تقوده طغمة عسكرية تبحث فقط عن مصالحها الضيقة، لم يزد سوى في تأزيم الأمور، خاصة مع فتح المجال أمام التدخلات الأجنبية التي أدخلت البلاد في دوامة من العنف، ما جعل باماكو تعيش حراكا سياسيا رافضا للوضع الحالي، وتجلى في الإعلان عن تأسيس حزب معارض يدعو إلى العودة إلى النظام الدستوري في البلاد.