المجلس الشعبي الوطني يفتتح أشغال جلسة علنية    نثمن "عاليا "التنسيق المتواصل والمكثف بين البلدين الشقيقين    نهدف إلى إنشاء ومرافقة 10 آلاف مؤسسة مصغرة سنويًا    نسعى بالدرجة الأولى إلى تعزيز مواكبة ديناميكية التطور التكنولوجي    عشرات المصابين بالرصاص الحي والاختناق    تواصل تساقط الأمطار والثلوج على عدة ولايات    نص قانون المرور يعكس الالتزام بتوفير متطلبات ومستلزمات الأمن    حجز أزيد من 500 ألف قرص من المؤثرات العقلية    "ضرورة ترسيخ الفعل الثقافي الحي داخل المؤسسة المسرحية"    افتتاح الطبعة ال17 للمهرجان الوطني للأهليل    اتفاقية بين جامع الجزائر والمؤسسة العمومية للتلفزيون    عندما يستخدم البرد سلاحا للتعذيب    نزوح 2615 شخص من ولايتي جنوب وشمال كردفان    خرق فاضح لأحكام محكمة العدل الأوروبية    مركز بحث في الرياضيات التطبيقية لدعم اتخاذ القرار الحكومي    ناصري: لا خوف على الجزائر    رهان على الفلاحة والصناعة للدفع بالتنمية    تعقيدات إدارية تعيق الإنتاج الفلاحي    تحديث جديد على مستوى منصة الاكتتاب الخاصة ببرنامج "عدل 3"    الذكاء الاصطناعي صالح لخدمة الإسلام والمرجعية الجامعة    "العولة".. إرث وهوية تأبيان الزوال    بيتكوفيتش يحدد أهدافه مع "الخضر" في "كان 2025"    عرض خليجي مغرٍ للجزائري عبد الرحيم دغموم    زكري يتحدث عن إمكانية تدريبه منتخبَ السعودية    بوعمامة في جامع الجزائر    معنى اسم الله "الفتاح"    وزيرة الثقافة تطلق ورشة إصلاح شاملة لتعزيز الفعل المسرحي في الجزائر    وزير العدل: القانون الأساسي للقضاء لبنة جديدة لإرساء عدالة قوية ومستقلة    .. قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا    انطلاق فعاليات الطبعة ال17 للمهرجان الثقافي الوطني للأهليل بتيميمون    ضبط أزيد من قنطار من الكيف    والي البليدة يتفقد مشاريع هامّة ببلدية مفتاح    ناصري يُثمّن المؤشرات الإيجابية    مستعدون لتقديم كل ما لدينا من أجل الفوز    الخضر يستهدفون دخول كأس إفريقيا بقوة    الإعلام شريك أساسي في مرافقة السياسة الوطنية    حلب تشتعل مجدّداً    مسعى تحسين معيشة الجزائريين يتواصل..    البنك الوطني يطلق تشكيلة خدمات ومنتجات    غلق العديد من الطرقات..    محرز الأعلى أجراً    تمديد آجال الترشح لجائزة الرئيس    قوات الاحتلال الصهيوني تعتقل 22 فلسطينيا    انهيار جزء من مسجد سيدي محمد الشريف بالقصبة    الوزير الأول، غريب، يترأس، اجتماعا للحكومة    تفكيك شبكة إجرامية وحجز نصف مليون قرص مهلوس    بتحريف مضمون قرار مجلس الأمن 2797..الاحتلال المغربي يحاول تضليل الدول الأعضاء في الأمم المتحدة    الرابطة الأولى موبيليس : الكشف عن برنامج الجولة ال14    تغلب ضيفه مستقبل الرويسات بثنائية نظيفة..اتحاد العاصمة يرتقي إلى الوصافة    مئات الصهاينة يستبيحون الأقصى    التقوى وحسن الخلق بينهما رباط وثيق    الجزائر ماضية في ترسيخ المرجعية الدينية الوطنية    اتفاقيات لتصنيع أدوية لفائدة شركات إفريقية قريبا    التكفل بمخلفات المستحقات المالية للصيادلة الخواص المتعاقدين    الجزائر مستعدة لتصدير منتجاتها الصيدلانية لكازاخستان    صحيح البخاري بمساجد الجزائر    صناعة صيدلانية: تسهيلات جديدة للمتعاملين    انطلاق المرحلة الثانية للأيام الوطنية للتلقيح ضد شلل الأطفال    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"العولة".. إرث وهوية تأبيان الزوال
عادة متجذرة في يوميات العائلات الجزائرية
نشر في المساء يوم 25 - 12 - 2025

ارتبط الفرد الجزائري في سلوكه اليومي، بكثير من العادات التراثية المتجذّرة في وجدانه المتأصل والحاضر في معاشه، والتي لم يستطع الاستعمار الفرنسي محوها رغم محاولاته اليائسة لهدم عناصر الهوّية الجزائرية. وفي هذا السياق سلطت "المساء" الضوء على ما يُعرف ب "العولة" كجزء من هذا الموروث الثقافي المتناقَل عبر الأجيال لمئات السنين؛ حيث اختارت ڨالمة كعيّنة لإبراز جهد ربات البيوت في الحفاظ على هويتهن الثقافية، وتلقينها للأجيال وفق الطقوس والعادات المحلية.
يتميّز فصل الشتاء، عادة، في قالمة، بتحضير أطباق غذائية، وأكلات شعبية تقليدية غنيّة ومتنوّعة. ويميل "ناس قالمة" نحو تناول أطباق تسمح بمقاومة برودة الطقس خاصة إذا تزامن ذلك مع الجليد أو تساقط الثلوج والأمطار، والأكلات التي يجب تناولها في هذا الفصل البارد، معظمها ينحدر من تراث الولاية، أو من المطبخ الجزائري بصفة عامة؛ لما لها من نكهات ممتازة تساعد على مقاومة البرد، فالأكلات الشتوية تمنح الجسم الدفء، والفائدة لاحتوائها على كثير من المكوّنات المهمّة.
وعلى الرغم من أن المادة الأساسية المستعملة في الأكل المحضّر عبارة عن عجائن، إلا أن أشكاله تتعدّد وتتنوّع، ما يعطي شيئا من الجاذبية، والإقبال على الأكل. وهو دلالة على مراعاة المجتمع القالمي للجوانب الفنية الجمالية؛ بحيث يتعامل المجتمع مع الظروف المناخية الصعبة انطلاقا ممّا هو موجود ومتوفّر ما بين يديه للقيام بتحضير الأكلات الشعبية التقليدية، وما هو مصنوع من القمح، والخضروات، والفلفل الحار؛ حيث تتفنّن ربّات البيوت في إنجازها.
ويقترن اسم "العولة"، عادة، بسوء الأحوال الجوية، فيتم تجهيز بعض الأغذية الأساسية في البيوت. وإذا اشتدت حدّة البرد أو تزامن ذلك مع تساقط الأمطار والثلوج، فإن قيمة البيت في قالمة، تُقدّر، وتُحسب ب"العولة" التي تقوم بتحضيرها ربّات البيوت؛ تحسّبا لفصل الشتاء؛ كخطة حياة عادية من مواد استهلاكية، واستعمالها عند الحاجة. و"العولة" بمفهوم ناس قالمة، العيش المتوازن للفرد.
"الكسكسي" و"العيش".. المؤونة الأساسية
بعد عملية الحصاد ودرس القمح وطحنه تقوم النساء بتحويله إلى مواد غذائية، ومنها تجهيز "الكسكسي" التقليدي، وصناعة مختلف أنواع العجائن، وتخزينها. ومن الأطباق التي يتم تخزينها "الكسكسي" و"العيش"، يتم تحضيرها في فترة الحصاد وبيع المنتوج؛ باعتبار قالمة منطقة فلاحية. وأكبر نسبة من مؤونة المجتمع القالمي المدخرة عبارة من مواد غذائية مصدرها العجائن؛ على غرار "الكسكسي" و"المْحَمْصَة" و"العَيْش" و"الشَخْشُوخة" و"الثْريدة". ونشير أيضا إلى "الرّْوِينَة" التي تتكوّن أساسا من طحين القمح. تسدّ الجوع في أوقات البرد، وكانت زاد المجاهدين وقت الاستعمار.
"الدّْهان".. لإعطاء طاقة حرارية للجسم
ويعمد المجتمع القالمي إلى تحضير أكلات غنية بالدهنيات؛ مثل "العصيدة" المدهونة بالزبدة والعسل، ما يعطي طاقة حرارية لجسم الإنسان، ويمكّنه من القيام بنشاطه اليومي. و"العصيدة" تتكوّن من دقيق يُطبخ بالماء. ويحرَّك في القدر تحريكا متكرّرا، حتى ينضب الماء، ثم يقدَّم بإضافة السكر والزبدة "الدهان". ومن عادة ناس قالمة تحضير "الدّْهان". فبعد مخض الحليب في "الشَّكْوَة" يُستخرج اللبن، والزبدة التي يُضاف إليها الملح. ويتم تذويبها. ثم تُترَك حتى تُجمّد. وتُخزَّن، ليتم استعمالها عند الحاجة.
"الطماطم المشَرّحة" و"الفلفل الحار".. مكوّنان أساسيان في الطعام
يُعد "الفلفل الحار" و"الطماطم المشرّحة" مكوّنين أساسيين في طهو الطعام لدى المجتمع القالمي. وقديما، بعد عملية جني الطماطم من الحقول بعد نضجها، كانت ربّات البيوت يقمن في فصل الصيف بعملية تشريح الطماطم، وتقطيعها قطعا دائرية. ثم يضعن فوقها الملح. ويتم بسطها في صينية كبيرة تحت أشعة الشمس الحارة لمدة أسبوع أو أكثر. وعند الحاجة يتم طهو الطعام بهذه الطماطم المشرّحة" . والعملية نفسها للفلفل الحار. لكن هذه العادة اندثرت مع بروز المصانع التحويلية، البالغ عددها حاليا بولاية قالمة، 5 مصانع تحويل.
إضافة إلى ذلك، كانت الحرائر يقمن بتخزين الفلفل الأخضر الحار بإضافة الماء، والخل، والملح. ويسمّى "الفلفل المْرَقّد" لاستعماله عند الحاجة. لكن في وقتنا الحالي تم الاستغناء عن "الطماطم المشرّحة" وتعويضها بالطماطم الصناعية، و" الفلفل المْرَقّد" ب"الهريسة" الصناعية. وكذلك تحضير الزيتون ليكون متاحا في فصل الشتاء، فضلا عن زيت الزيتون.
"الدَّرْسة" لإضفاء نكهة خاصة على الطبق
كان للبيت القالمي نكهة خاصة وتنوّع كبير، يُعد تراث الجدّات، فكانت ربّات البيوت عند تحضير طبق أو أكلة شعبية، يقمن بتحضير خليط من الثوم والتوابل والفلفل الحار، وطحنه باستعمال "المهراس"، وتسمّى "الدَّرْسة" التي تعطي نكهة خاصة، ومذاقا لذيذا. ونشير إلى أن ربّات البيوت يخصّصن زاوية من زوايا البيت لتخزين مختلف المواد الأساسية والمؤونة، تسمّى "السَّدّة".
ومع تسارع الحياة اليومية وبروز الصناعات التحويلية وتوفير المواد الاستهلاكية الجاهزة، فإن "العولة" بدأت في التقهقر، بينما العائلات في القرى والأرياف مازالت متمسكة بهذه العادة، وبتحضير "العولة" قبل حلول فصل الشتاء؛ لاستهلاكها في وقتها. واستنادا للمثل الشعبي القائل: "الجديد حبُّو والقديم لا تفرّط فيه"، هل تستطيع بنات اليوم منافسة نساء الزمن الجميل، اللائي كن يتصرّفن بحكمة في ادخار الزاد والمؤونة في ظل ضعف القدرة الشرائية، وارتفاع أسعار المواد الأساسية؟.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.