بكثير من الترقب ينتظر التونسيون اليوم نتائج اول انتخابات تعددية تشهدها بلادهم لمعرفة التشكيلة الحزبية التي ستظفر بأكبر عدد من مقاعد المجلس التأسيسي الذي هو ثمرة لثورة شعبية أطاحت بأحد أقدم الأنظمة العربية وأكثرها انغلاقا. وهو ما يجعل هذه الانتخابات التي جرت بعد تسعة أشهر بعد نجاح ثورة الياسمين تكتسي أهمية خاصة ليس للتونسيين فقط ولكن أيضا بالنسبة لكل الدول العربية والتي يريد من خلالها التونسيون أن يقدموا المثال في الديمقراطية تماما كما فعلوا أثناء أول ثورة شعبية في الوطن العربي. وكانت بمثابة شرارة أولى أشعلت فتيل حراك شعبي ما لبث أن امتد إلى مصر واليمن وسوريا وليبيا والبحرين وحتى الأردن. وكانت سببا في سقوط أنظمة ما كان احد يتصور أنها ستسقط بتلك السهولة والسرعة وما الإطاحة بالرئيسين زين العابدين بن علي وحسني مبارك واغتيال القذافي إلا اكبر دليل على ذلك. وأراد التونسيون من خلال الانضباط الذي طبع طريقة تعاطيهم مع الحملة الانتخابية وأيضا أثناء عملية الاقتراع أن يسوقوا صورة ايجابية عن ثورتهم التي لا يريدون أن تجهض في أول امتحان وحتى تكون قدوة بالنسبة للشعوب العربية أو الخارج وحتى يؤكدوا أن مقتل قرابة أربع مئة تونسي خلال أيام ثورة الياسمين الثلاثة والعشرين لم يذهب سدى. ولأن زخم تلك الثورة مازال قائما، فإن مشاركة أكثر من سبعة ملايين ناخب تونسي في هذا الموعد كان قياسيا أيضا، محركهم في ذلك إحداث التغيير المرجو بل القطيعة النهائية مع أساليب حكم انفرادي سواء ذلك الذي حكم بواسطته الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة أو الذي كرسه خليفته ومدير مخابراته زين العابدين بن علي ووضع الأسس للجمهورية التونسية الثالثة التي ترقى لطموح شهداء هذه الثورة ولا تخيب آمال الذين يواكبون نتائجها ولا يريدون لها أن تنحرف عن أهدافها المسطرة سلفا. وهي الرغبة التي تفسرها مشاركة 80 حزبا وعشرات التحالفات وحتى المترشحين المستقلين الذين اقتحموا اول امتحان انتخابي يريدون له أن يكون حرا وديمقراطيا وشفافا حتى تكون إرادة الشعب التونسي هي الغالبة في النهاية. ولأجل كل ذلك فإن كل التونسيين سواء منهم الناخب البسيط أو المسؤول الحكومي أو الحزبي أجمعوا على التأكيد أن 23 أكتوبر سيبقى يوما تاريخيا في مسيرة البلاد لأنه سيؤرخ لميلاد عهد جديد يعيش فيه المواطن التونسي البسيط والمسؤول سواء أمام القانون وأمام فرص عيش واحدة بغض النظر عن الانتماء الجهوي أو السياسي أو حتى العقائدي. وهم لذلك يترقبون بشغف كبير أولى النتائج التي بدأ الكشف عنها تباعا مباشرة بعد إغلاق مكاتب التصويت لمعرفة الحزب أو التحالف الذي سيحصد اكبر مقاعد المجلس التأسيسي والذي سيكون إذا سلمنا بأن الانتخابات جرت في ظروف عادية وفي أجواء من الحرية والديمقراطية أنه يعبر فعلا عن إرادة الشعب التونسي. ولكن ذلك لم يمنع المتتبعين للشأن التونسي ولأول تجربة ديمقراطية في هذا البلد من التأكيد أن تتحصل حركة النهضة الإسلامية بقيادة مؤسسها راشد الغنوشي على حصة الأسد من إجمالي المقاعد المتنافس حولها والبالغ عددها 217 رغم اعتماد نمط الاقتراع النسبي الذي يحول دون تحقيق الأغلبية المطلقة لأي حزب مشارك وإعطاء الفرصة للأحزاب الصغيرة للظفر بمقاعد في هذه الهيئة بكيفية تجعل منه مجلسا متوازنا.