القرض الشعبي الجزائري يحقق ربحا صافيا بنحو 42 مليار دج في 2024    السيد بللو يضع حجر الأساس لإنجاز "المركز الطبي الاجتماعي" للفنانين بعين البنيان بالعاصمة    سلطة الضبط توجّه إنذاراً لقناة الهداف    من تحت الركام.. غزة بالألوان    غزّة.. مفاوضات عقيمة وعُدوان بلا حدود    موجة حر مرتقبة بعدد من ولايات شرق وجنوب البلاد يومي الأحد والإثنين    الأجبان.. حاضرٌ بارزٌ على موائد الجزائريين    إطلاق مشروع التعاون بين الأمن الوطني ووكالة KOICA    الاتحاد البرلماني العربي يدين العدوان الصهيوني على الأراضي السورية    مفوضية الاتحاد الإفريقي ترحب بتوقيع اتفاق سلام بين جمهورية الكونغو الديمقراطية وحركة "23 مارس" المتمردة    تجارة: انطلاق الفترة الصيفية للبيع بالتخفيض يوم 26 يوليو    حماية مدنية: اختتام الدورة التكوينية المشتركة الجزائرية-التونسية    البطولة الإفريقية لألعاب القوى/أقل من 18 و20 سنة: ميداليتان جديدتان للجزائر    الذكرى ال46 لانتصار الثورة الساندينية: ربيقة يلتقي بالمستشار الرئاسي للاستثمار والتجارة والتعاون الدولي بنيكاراغوا    الخارجية الفلسطينية تدين مجزرة "رفح" وتدعو لتحرك دولي عاجل لوقف الجرائم الصهيونية    رئيس الجمهورية : الجزائر تطمح إلى بلوغ 20 ألف مؤسسة ناشئة    رئيس الجمهورية: كل المؤشرات الاقتصادية للجزائر إيجابية    رئيس الجمهورية يؤكد أن الدولة ماضية في تكريس استقلاليتها السياسية والاقتصادية    رئيس الجمهورية يجدد التأكيد على مبادئ الجزائر في تكريس سياسة حسن الجوار وعدم التدخل في شؤون الدول    أطفال غزّة يستحقّون السلام وفشلنا خيانة لهم    المغرب تحوّل إلى "دولة مافيا"    صمت المجتمع الدولي ينتمي إلى لغة الجريمة    منحة السفر الجديدة سارية بداية من الغد    مديرية الاتصال برئاسة الجمهورية تعزّي في وفاة الإعلامي جمال الدين مرداسي    تجسيد الرؤية الاستراتيجية للرئيس تبون بمضاعفة الجهود    قضية حقوق الإنسان يجب أن تصان خلال النزاعات    يوم إعلامي تحسيسي بتيميمون    القرار الأوروبي متسرّع وأحادي الجانب    الألعاب المدرسية الإفريقية /كرة القدم: الجزائر في المجموعة الأولى    نحو إنشاء مركز امتياز بالتعاون مع الجزائر    كأس إفريقيا 2024 للسيدات (مؤجلة إلى 2025)/الدور ربع النهائي (الجزائر-غانا): المنتخب الوطني يستهدف المربع الذهبي    سيال تحتفظ ب أيزو 9001    استهلاك قياسي للكهرباء    عروض متنوعة ورسائل تتجاوز الخشبة    رئيس الجمهورية يجري لقاءه الإعلامي الدوري مع ممثلي الصحافة الوطنية    رفع 1100 مخالفة في أسبوع    حجز 9 كلغ من المثلجات مجهولة المصدر    افتتاح الطبعة السابعة للمهرجان الدولي للضحك بالجزائر العاصمة    افتتاح المعرض الفني الجماعي "من تحت الركام غزة بالألوان" بالجزائر العاصمة    قواعد جديدة لحركة المرور في الجزائر    مرحلة عابرة أم سيناريو نيمار جديد؟    المنظمة الدولية للهجرة تشيد بجهود الجزائر    وهران : الطبعة الثانية لمعرض الحرمين الدولي للحج و العمرة بدء من 22 يوليو    عنابة تحتضن تظاهرة علمية لمكافحة التهاب الكبد الفيروسي    جثمان الفنان مدني نعمون يوارى الثرى بمقبرة قاريدي بالعاصمة    فتاوى : اشتراط الشريك على شريكه أن يقرضه مالا    ألعاب القوى/جائزة بريشيا الكبرى (800 م):الجزائري محمد علي غواند يحقق رقم قياسيا شخصيا جديدا    كأس أمم إفريقيا للسيدات 2024:سيدات "الخضر" يستعدن لمواجهة غانا في ربع النهائي    الطبعة السادسة لمعرض الكتاب بوهران تختتم مساء اليوم    أفشوا السلام بينكم    ممثلة المنظمة الدولية للهجرة تشيد بجهود الجزائر للتكفل باللاجئين    هذا اثر الصدقة في حياة الفرد والمجتمع    معرض لأعمال ديني    وفاة الفنّان القدير مدني نعمون    حديث عن مغادرة عمراني للعارضة الفنية    أيمن بوقرة أول المستقدمين    شرطان لا يصح الإيمان إلا بهما    فضائل ذهبية للحياء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ظاهرة احتقار عمال النظافة
العيب في التنشئة الأسرية
نشر في المساء يوم 16 - 11 - 2011

تعاني فئة عمال النظافة بمجتمعنا من ظلم قاس ومن تهميش مستمر بالرغم من الخدمات الجليلة التي تؤديها للمجتمع، هذا المجتمع الذي ينظر إلى هذه الفئة نظرة دونية مليئة بالإحتقار والازدراء والسخرية والمهانة، بل ويكاد ينبذهم ويعتبر مهنتهم حقيرة يضرب بها المثل في التفاهة واحتلال المراتب الدنيا في سلم الأعمال والمهن، وليس أدل على ذلك الإحتقار وتلك المهانة من إطلاق عبارة ''الزّبّال'' على عامل النظافة، وتسمية ''بونيشة'' على عاملة النظافة، وهما الصفتان اللتان تحطان من شأن وقيمة العامل وتدوسان على كرامته..
تُعامل عاملة النظافة، غالبا، معاملة سيئة جدا من قبل أفراد من المجتمع، فتُسب وتُشتم في السّر والعلن، هذا ما اعترفت لنا به عاملة نظافة في منزل إحدى السيدات العاملات، تحكي المتحدثة قصتها فتقول إنها المعيلة الوحيدة لأسرتها المتكونة من سبعة أفراد بسبب مرض أقعد زوجها، هي تعمل كمنظفة في منزل سيدة عاملة، لديها ولدان وبنت في السنة الأولى اِبتدائي، بالإضافة إلى عمل التنظيف وشفط المنزل وإعداد الأكل للأطفال المتمدرسين، فهي كذلك مسؤولة على إحضار البنت من مدرستها، ثم إرجاعها بعد الفطور، وفي يوم شديد الحر، مدت عاملة النظافة يدها إلى الثلاجة لاستخراج قارورة ماء بارد تروي به عطشها، فنهرتها ربة البيت قائلة لها: ''إياك أن تفتحي البراد ثانية.. ها هي الحنفية لتشربي.. أنت هنا للتنظيف فقط''. تقول المتحدثة إن تلك الحادثة جعلتها تمضي الليل بأكمله في البكاء، في الوقت الذي تؤكد عاملة نظافة أخرى، تعمل هي الأخرى في منزل إحداهن، أن نظرات الإزدراء والإحتقار من قِبل سكان العمارة -أين كانت تعمل- جعلتها تترك العمل عند الخواص وتبحث عن نفس العمل في شركة إقتصادية، تقول: ''الحاجة هي التي جعلتني أرضى بتنظيف البيوت وتحمّل استعلاء السيدات وأبنائهن، ولكني قررت تجاوز حاجتي حفاظا على كرامتي التي أُهِينت كثيرا، ففي إحدى المرات قمت بتنظيف المنزل حيث كنت أعمل، ثم أخرجت كيس القمامة المغلق بإحكام ووضعته أمام باب الشقة على أن أحمله لأرميه في مزبلة الحي في طريق عودتي، ولكن أحد الجيران -سامحه الله- طرق الباب عليّ بعنف وأخذ يهينني بكلام جارح، ونَعَتَني ب''البونشية''، ثم ركل ذلك الكيس بقوة فتناثرت الزبالة على الدرج، ثم أرغمني على جمعها وتنظيف سلالم العمارة.. وهو الموقف الذي حز كثيرا في نفسي وجعلني أرضى بذلك الهوان طوال أيام كنت أشعر أنها ثقيلة عليّ إلى أن وجدت عملا بشركة وبأجر أدنى، ولكن بكرامة محفوظة''.
وتقول عاملة نظافة أخرى إن اِبن السيدة التي كانت تشتغل عندها، كان يُحْضِر رفاقه ورفيقاته إلى المنزل، فيقلبونه رأسا على عقب بعد أن تمضي ساعات في ترتيبه، ثم تتصل بها سيدة البيت لتُسْمعها كلاما جارحا، لتتعمّد عدم دفع أجرتها كاملة بسبب ذنب لم ترتكبه..

مجتمع يصنع الفوارق.. ويحطّ من شأن أفراده

حول هذا الموضوع، كان ل''المساء'' لقاء مع السيدة ''أومدي ليندة'' أستاذة مادة التغير الإجتماعي بمعهد علم الإجتماع بكلية العلوم الإنسانية ببوزريعة بالعاصمة، والتي أوضحت أن المكانة الاجتماعية للشخص تحددها الوظيفة، لذلك فإن الناس يحتقرون عامل النظافة الذي هو في حقيقية الأمر يؤدي وظيفة جليلة للناس لأنه ينظف أوساخهم، ولكن النظرة متأصلة بسبب التنشئة الاجتماعية التي تحدد مجموعة من الوظائف مسبقا، إذ يُقال للطفل مثلا: أدرس حتى تصبح طبيبا أو مهندسا.. مع تخويفه من أن الذي لا يدرس سيصبح ''زبالا'' أو غير ذلك.
وتواصل الأستاذة تحليلها للنظرة الدونية لعمال النظافة بقولها إن المجتمع يحدد الوظائف لأفراده، وهو نفسه الذي يقيمهم أو يحتقرهم بالرغم من أن أبسط تعريف للمجتمع أنه كائن واحد به مجموعة من الأعضاء ولكل عضو دور يقوم به، بمعنى أن المجتمع هو مجموعة أنساق أو مؤسسات ولكل مؤسسة وظيفة تؤديها، وهذا الذي يؤدي إلى الرقي.
من جهتها، تشير الأستاذة وعلي راضية، أستاذة علم إجتماع الجريمة والانحراف بذات الكلية، إلى أن مصطلحات على نحو ''زبال'' أو ''بونيشة'' مستمد من بيئة الفرد، ولذلك، لا بد من تصحيح المفاهيم في الأسرة ومنذ الصغر، حتى يتسنى لكل عامل أداء مهامه في راحة كاملة، ففي النهاية، الكل يؤدي وظيفة في مجتمع واحد وخدمة لمجتمع واحد. كما تشدد الأستاذة على أهمية التنشئة الإجتماعية للأطفال في بيئة تحترم كامل الطبقات، وبذلك نجنب المجتمع عواقب سلبية لبعض من أفراده تجاه الآخرين.
ورغبة في إعطاء الموضوع كامل حقه، اِلتقت ''المساء'' أستاذ علم النفس الاجتماعي بكلية بوزريعة الدكتور ''حماشي حسين'' الذي قال أن ''العمل مهما كان مستواه، فإنه هو الشيء الشريف والجوهري في حياة الإنسان، ومهما كانت طبيعة هذا العمل، فإنه يجعل الفرد يتمتع بقيمة وكرامة وسط أهله وأفراد مجتمعه، لكن وللأسف، فإن المجتمع ينظر إلى الأنشطة والأمور المهنية على أساس متغيرات، ومنها متغير الراتب الشهري الذي على أساسه تعطى المكانة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية لكل مهنة في المجتمع، وبالتالي، فإن عامل النظافة ينظر إليه كعامل بسيط لا يبذل مجهودا فكريا كبيرا، لذلك فإنه بنظر المجتمع، يحتل ذيل الترتيب الوظيفي وبالتالي المكانة الاجتماعية!.. ولكن على ذات المجتمع أن يدرك أنه مهما كان نوع العمل والمجهود المبذول فيه، فإن له أهمية وقيمة ومنه مهنة التنظيف، فلا ننسى أنه لولا عامل أو عاملة النظافة، لما استطاع الأفراد الإستمتاع بفضاءات المجتمع المختلفة، لذلك فإن هذه النظرة خاطئة، ويجب إعادة النظر فيها على أساس أنه مهما كان العمل فهو أساسي ومهم وحيوي. أما كيف نغير من نظرة الإزدراء والإحتقار لهذه الفئة، فبالتأكيد على أن عامل النظافة حلقة مهمة جدا في حفظ النظام في المجتمع بمؤسساته وفضاءاته، وأي تقصير منه يؤدي إلى اختلال في الأنظمة، لذلك يجب إعادة النظر نهائيا في هذا الأمر على أساس التنشئة الاجتماعية والعملية التربوية التي تحدث في الأسر والمؤسسات التربوية والثقافية، ضف إلى ذلك، الجانب الإعلامي الذي تقع على عاتقه مسؤولية تصحيح المفاهيم كعامل منسق ومكمل لدور الأسرة والمدرسة .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.