يرجع الأخصائي عبد القادر مصفن خبير في التربية التعليمية الإيجابية، ميول المراهق والشاب نحو المخدرات إلى عدم الإشباع العاطفي داخل الأسرة، الأمر الذي يجعله غير واثق في نفسه فيحاول بشتى الطرق لفت انتباه من حوله لكسب حنانهم، تعاطفهم ومحبتهم مهما كلفه الأمر. أشار الخبير في حديثه إلينا إلى أن منظور المدرسة والمجتمع في تكوين الطفل تغير بتغير مفاهيم التربية التي أصبحت مجرد تقديم تعاليم تفيد الفرد في المستقبل العملي وليس في المعاملات الاجتماعية، إذ أصبح الطفل يلقن دروسا ومفاهيم توجهه إلى السوق وليس العائلة، وأكثر شيء يركز عليه هو التربية المنطقية والرياضية وليس الروحية والنفسية والاجتماعية. فالإنسان في أول مراحل حياته يحتاج إلى عاطفة الأمومة والاعتماد عليها كليا سواء في الغذاء والدواء أو في تغيير الملابس وجميع شؤونه، كما يحتاج إلى من يطمئنه إذا شعر بشيء يؤلمه، فيحتاج إلى أحضان دافئة كي يطمئن ويشبع إحساسه بالأمان والعاطفة. ويؤكد السيد مصفن أن أول مبادئ الإشباع العاطفي تكتسب في بداية الأمر عن طريق الرضاعة الطبيعية باعتبارها من أهم مقومات الإشباع العاطفي، فإذا اكتملت هذه المرحلة اكتفى الطفل ذاتيا، لتصبح مع مرور الوقت معاملات لطيفة ووجدانية وروحية بين الفرد، أسرته ومجتمعه. ويؤكد المتحدث قائلا: “على الأسرة أن تهتم أكثر بالجانب الاجتماعي لدى الطفل وترافقه منذ المراحل الأولى من عمره لتفادي انحرافه عند بلوغه سنا معينة، لأن غياب الرقابة الأسرية ستجعل الفرد معرضا للتناقض مع نفسه ومع الواقع الذي حوله، مما يدفعه إلى التمسك بأشياء وهمية تجعله يبدو أفضل، على غرار تعاطي المخدرات أو الكحوليات”، فحرمان الفرد من الإشباع العاطفي يهدده بالضياع، الخوف، الضعف والحاجة المستمرة للبحث عن الحنان المفقود في أية ناحية، كالاتجاه لكره المجتمع ومحاولة اتباع سلوك يكاد يكون شاذا، لكن بغرض جذب انتباه الوالدين والرغبة الشديدة في الاهتمام به وعناقه. وقد يصل الشعور بالحاجة للاكتفاء العاطفي والحنان في مرحلة المراهقة إلى البحث عن أصدقاء يُحتمل أن يتميزوا بسلوك سيىء، لكن بإمكانهم منحه الحنان الوهمي الذي ظل يبحث عنه داخل الأسرة، ومنه يحاول محاكاة أصدقائه في كل تصرف يتصرفونه خوفا من أن يفقدهم بطرده أو إبعاده من المجموعة. لذا، ينصح السيد مصفن أرباب العائلات بضرورة تعليم الطفل التنمية الذاتية واحتوائه داخل الأسرة مهما كانت الظروف، حتى يشعر بانتمائه إلى المجتمع بصفة إيجابية، لأن حضن الوالدين هو البيئة الأولى التي ينشأ فيها الطفل ويفرق من خلالها بين الخطأ والصواب. كما أوضح السيد مصفن أن الانحراف مهما كان نوعه، وإن كانت المخدرات جزءا بسيطا من هذا الانعراج السلبي، ما هو إلا تعبير عن الذات وفرض النفس بطريقة ساذجة، فيحاول الشاب من خلال تعاطيه المخدرات أن يجعل من نفسه لب اهتمام أسرته به، إلا أنه بتطور الأمر وإدمانه يصبح بعيدا عنها”. وحسب الفيلسوف ألفرد آدلر صاحب نظرية التربية الإيجابية سنة 1920؛ “عندما تكون التربية خاطئة، يبحث الفرد عن أهداف خاطئة من أجل الحصول على الاهتمام والانتماء”، ويشرح مصفن هذه النظرية بقوله: “في مرحلة معينة من عدم الإشباع العاطفي لدى الطفل، يبدأ رحلته في البحث عن كل الطرق، ولو كانت أغباها، للوصول إلى مبتغاه، وهو نوع من التعبير عن الوجود حتى ولو كانت هذه الوسائل تلقي به إلى التهلكة والضياع”، ويضيف: “إن أصل التربية يكمن في الاحترام والحب وإشراك آراء أطراف الأسرة مهما كانت صغيرة، لإعطائهم الثقة اللازمة في النفس، معرفة الصحيح من الخطأ وعدم الوقوع في المشاكل، إلا أن غياب عاملي الحب والاحترام يشكل لدى الشاب عقدة نفسية تؤدي به إلى البحث عن التعويض. كما عرج المتحدث إلى انشغال الوالدين عن تربية أبنائهم بالعمل أو السفر إلى الخارج وعدم متابعتهم أو مراقبة سلوكهم، مما يجعلهم عرضة للضياع والوقوع في فك الإدمان، فمهما كان العائد المادي من وراء العمل أو السفر فإنه لا يعادل الأضرار الجسيمة التي تلحق بالأبناء نتيجة عدم رعايتهم بشكل سليم. ويؤكد الخبير أن غياب الوازع الديني أو ضعفه من الأسباب الرئيسية التي تدفع المراهق إلى تعاطي المخدرات، لأن عدم التزام الفرد الكامل بالأساليب والقيم الدينية واتباع أوامر الكتاب والسنة واجتناب نواهيه يسبب الانحراف عن طريق الحق والخير إلى طريق الفساد والضلال.