لم تتمكن ليبيا بعد أكثر من عامين منذ سقوط نظامها السابق من إعادة ترتيب بيتها بكيفية تمكنها من تجسيد وعود ثورة 17 فيفري بعد أن دخلت في دوامة عنف آخر وفوضى سلاح مخيفة ومستقبل غامض. وفي ظل الضبابية التي تسود المشهد الليبي، زادت متاعب السلطات المؤقتة التي وجدت نفسها تتخبط في فوضى غير مسبوقة أفقدتها كل قدرة على تحقيق أهدافها المسطرة خاصة ما تعلق باستعادة الأمن المفقود وتحقيق الاستقرار المنشود. فمن استمرار عمليات الاغتيال واستهداف الأجانب وبلوغ الوضع حد اختطاف متظاهرين ووصولا إلى شارع ليبي غاضب، فقدت هذه السلطات مصداقيتها في شعور شمل حتى النواب الذين انتخبهم قبل حوالي عامين ويطالب الآن برحيلهم بعدما فشلوا في أداء مهمتهم الأساسية وإخراج البلاد من مرحلة الشك الى مرحلة اليقين. وتبقى مدينة بنغازي في شرق البلاد الحلقة الأضعف في هذا المشهد الفاقد لأدنى مؤشرات انفراج أفقه بعد أن أصبحت الشغل الشاغل لحكومة ليبية افتقدت لوسائل تحقيق خطتها في فرض قوة القانون على الجميع. وفي محاولة لحسم هذا الموقف، أرسل الوزير الأول الانتقالي، علي زيدان، وفدا حكوميا من ستة وزراء إلى هذه المدينة المتوترة في محاولة للوقوف على حقيقة ما يجري وبحث وسائل فرض القانون في مدينة طغت عليها لغة الرصاص والاغتيالات. وجاء إرسال هذا الوفد بعد اغتيال رعية فرنسي يعمل بأحد الشركات الأجنبية برصاص مسلحين مجهولين تمكنوا من الفرار في مشهد أصبح معتادا في هذه المدينة في الفترة الأخيرة. غير أن السؤال المطروح: أي باب يمكن أن تسده السلطات المؤقتة في ليبيا وهي التي تواجه تصعيدا في حراك شعبي يرفض تمديد عهدة البرلمان المؤقت وبلغ أوجه مساء أول أمس إثر اقتحام عشرات المتظاهرين الغاضبين لمقره في قلب العاصمة طرابلس وحاصروا نوابه وطالبوهم بالاستقالة؟ وتصاعد غضب المتظاهرين الليبيين على إثر تعرض عشرة منهم، أول أمس، لعملية اختطاف على يد مسلحين منعوا بالقوة تنظيم اعتصام أمام مقر البرلمان. وهو ما اعتبره المحتجون بمثابة تعد على حقهم في التظاهر السلمي ليصبوا جام غضبهم على النواب الذين أصيب البعض منهم أثناء محاولة قوات الأمن إخراجهم من المقر. ولأن مثل هذا المشهد محتمل تكراره فقد أعلنت الحكومة المؤقتة رفضها لمثل أعمال العنف هذه التي استهدفت أعلى هيئة منتخبة في البلاد وأثبت درجة الفوضى التي تتخبط فيها ليبيا. وأكدت في بيان أصدرته أمس أنها “ترفض بشكل قاطع تكرار ما حدث داخل مقر المؤتمر الوطني العام من أعمال عنف وتدعو المواطنين إلى الالتزام بالتعبير السلمي عن آرائهم وتؤكد على حق التظاهر السلمي والاعتصام باعتباره أحد مكاسب ثورة 17 فبراير ومظهر عافية المجتمعات الديمقراطية”. فهل ستجد نداءات السلطات الليبية بضبط النفس والتحلي بالهدوء آذانا صاغية لدى محتجين يبدو أنهم مصرين على الاستمرار في مظاهرتهم الاحتجاجية إلى غاية بلوغ مطلبهم في حل البرلمان المؤقت؟