سيشهد يوم 14 نوفمبر القادم إضرابات عامة عبر البرتغال وإسبانيا وإيطاليا واليونان، إلى جانب مظاهرات تضامنية في بلدان أوروبية أخرى. وتعد هذه الأممية ومقاومة الطبقة العاملة أمرين ضرورين لمكافحة الأزمة الاقتصادية والتهديد الفاشي الذي أنتجته. فبعد 5 سنوات من أزمة اقتصادية لا تظهر لها نهاية في الأفق، لا تزال الحلول الوحيدة التي يقدمها حكام أوروبا هي "خطط الإنقاذ" التي تزيد ثراء 1% من السكان بينما تهاجم الجميع. ففي إسبانيا تقترب نسبة البطالة من 25% وضعف تلك النسبة بين الشباب، وقد وجه الصليب الأحمر استغاثة للمساعدة في إطعام أكثر من 300 ألف شخص في جميع أنحاء البلاد، ويأتي هذا الرقم على رأس 2 مليون شخص ينقصهم الطعام في العام الماضي. وعلى الرغم من كل هذا تدعو ميزانية 2013 إلى تخفيضات هائلة في قطاعات التعليم والرعاية الصحية وإعانات البطالة مع الإبقاء على الإنفاق العسكري وتخفيض الضرائب على الشركات، والإنفاق من أجل تسديد فوائد الدين أكثر مما يُنفق على إجمالي مرتبات عمال القطاع العام الذين تحملوا اللوم على هذه الأزمة. كما تأتي هذه التدابير التقشفية من أحزاب في مختلف الأطياف السياسية، مما يكشف عن وجود أزمة في الديمقراطية الاجتماعية ويفضح بيروقراطية النقابات التي تتوجه إليها. من جهتها قامت حكومات "اليسار" في بريطانيا وإسبانيا واليونان بفرض التقشف مما أدى إلى عودة الحكومات اليمينية التي استكملتها، الأمر الذي من الممكن أن يتكرر في فرنسا. أما في إيطاليا، فقد أدى الغضب الشعبي من برلسكوني إلى الاستعاضة عنه بحكومة مونتي التكنوقراطية الغير منتخبة التي واصلت نفس سياساته. و على غرار الأزمة الاقتصادية الحادة الأخيرة في الثلاثينيات من القرن الماضي، هناك استقطاباً يمينياً يحدث في المجمتع، حيث تصعد الفاشية لتحويل يأس الشعوب إلى كراهية وعنف، مستخدمة البرامج الانتخابية لبناء جيوش من محاربين الشوارع وإطلاقهم على الجماعات المضطهدة وعلى اليسار. و قد استغل الإعلام والحكومات المحافظة في فرنسا وبريطانيا المسلمين كأكباش فداء الأزمة الاقتصادية، مشجعين صعود الحزب القومي البريطاني الفاشي والجبهة الوطنية وفرق حرب الشوارع الخاصة بهم. ولكن في بريطانيا، شكلت حملة "اتحدوا ضد الفاشية" حركة من الطبقة العاملة بها أعراق متعددة لمواجهة تهديد اليمين المتطرف وإقصائه. وفي اليونان، يعتبر حزب "الفجر الذهبي" الفاشي ثالث أكثر الأحزاب شعبية، فقد قاموا باستغلال مكاسبهم الانتخابية الأخيرة لدعوة أنصارهم إلى "سحب الأطفال المهاجرين من حضاناتهم"، وتزداد ثقة جناح الحزب شبه العسكري في مهاجمة المهاجرين والمثليين واليسار، وتشجعهم على ذلك وسائل الإعلام الرئيسية والشرطة التي لم تتحرك بل قامت بالمشاركة في هجمات الفاشية، ولكن دائما ما يواجههم دعاة مكافحة الفاشية في الشوارع. وها هي أوروبا – ذات التقشف والفاشية الصاعدة – التي مُنحت "جائزة نوبل للسلام". وعلى الرغم من ذلك، ظهر استقطاب إلى اليسار أيضاً، كما ازداد التفاعل بين الحركات الاجتماعية من الطلاب والحركة العمالية. ففي بريطانيا، أعطت الاعتصامات والتحركات الطلابية ضد الحرب على غزة في 2009 وضد ارتفاع رسوم التعليم العام الماضي قدراً من الثقة للعمال للتحرك، فأضرب ميلوني عامل في نوفمبر الماضي، وتظاهر حوالي 200 ألف عامل عبر البلاد للضغط على قيادات النقابات للدعوة إلى إضراب عام الشهر الماضي. و في سبتمبر، شهدت البرتغال أكبر مظاهرة في تاريخها منذ اندلاع ثورة 1974، وكانت أول من دعا إلى إضراب عام في 14 نوفمبر. واجتاحت إسبانيا مظاهرات حاشدة من حركة "الإنديجنادوس" إلى المظاهرات الطلابية وإضرابات عمال المناجم. وعلاوة على ذلك، كان هناك إضراباً عاماً في مارس الماضي، وقد دفع الضغط من أسفل قيادات الاتحادات العمالية إلى إعلان الإضراب العام مرة أخرى في 14 نوفمبر، ودعوة اتحاد نقابات العمال الأوروبي إلى النداء إلى احتجاجات أوسع عبر القارة. و في أكتوبر، تظاهر حوالي مئة ألف شخص في شوارع روما في يوم "لا لمونتي"، وقد دعت أكبر اتحادات عمال إيطاليا إلى الإضراب العام في 14 نوفمبر. ولم تشهد الانتخابات في اليونان صعود الفاشيين فقط، بل شهدت أيضاً حزباً جديداً لليسار، وهو "سيريزا"، ومنذ الانتخابات شارك العمال في الإضراب العام في 28 سبتمبر، كما سيشاركون في إضراب 14 نوفمبر أيضاً. و في فرنسا، تضغط البيروقراطية النقابية للمفاوضات في ظل حكومة هولاند، ولكن العمال في صناعات السيارات قد أضربوا بالفعل، وقام العمال بالحشد لمظاهرات تضامنية يوم 14 نوفمبر.