تعتبر مناسبة 16 أفريل من كل سنة فرصة للوقوف على منجزات العلامة عبد الحميد بن باديس من خلال احتفالات مذكرة، إلا أن الغاية تبقى أبعد من هذا حسب أهل الاختصاص. فضولنا دفعنا للاقتراب من بعض الأساتذة والتلاميذ لرصد آرائهم حول ما تعنيه لهم مناسبة 16 أفريل، فكان الأستاذ «بن عاشور» أستاذ سابق للتاريخ والجغرافيا بمتقنة عين النعجة أول المتحدثين والذي أكد أن مناسبة يوم العلم فقدت معناها الحقيقي وصارت تمر بصورة سطحية وببعض الاحتفالات الشكلية عوض التدبر في مضمونها -على حد تعبير المتحدث- الذي تأسف كثيرا لما آلت إليه المؤسسات التعليمية من انتشار للعنف المدرسي وقلة الاحترام بين التلميذ والأستاذ. هذا ويلاحظ أن مناسبة يوم العلم لاتزال تحوز على أهمية وتأثير بالغ في نفوس العديد من الأساتذة والمعلمين ومنهم الأستاذ «فريح» أستاذ ثانوي والذي يقول: «إن مناسبة يوم العلم تجعلني أتذكر مسيرتي في مجال التعليم وأحاول تقييمها في كل مرة، كما أقف على مكتسباتي العلمية التي أرى أنها مجرد قطرة من بحر». أعادت مناسبة يوم العلم الكثير من الأساتذة إلى ذكريات الزمن الجميل الذي كانوا يزاولون فيه دراستهم فتجدهم يتذكرون مدارسهم ومدرسيهم، وعن هذا يقول الأستاذ «محمودي» أستاذ جامعي متقاعد منذ ثلاث سنوات: «لقد كنا ملتزمين جدا في مدارسنا سواء من حيث طريقة اللباس أو التعامل مع أساتذتنا، فلا أحد يجرؤ أن يرفع ولو صوته في وجه أستاذه، وهو عكس ما يحدث اليوم، أين صرنا نشهد معارك طاحنة بين الأستاذ والتلميذ وصلت إلى قاعات المحاكم»، يضيف وهو يتذكر أسلوب التعليم الذي تلقاه: «لقد كان الكثير من أبناء جيلي يلتحقون بالمساجد من أجل تعلم القرآن قبل سن التمدرس، وكان للشيخ سلطة كبيرة علينا، حيث أذكر أننا كنا نعاقب عن طريق ما يعرف ب»التحميل» و»الفلقة»، وعن يوميات الدراسة يقول: «لقد كنا نكّن احتراما وتقديرا كبيرا لأساتذتنا، فلو التقيت بالأستاذ غيّرت الطريق استحياء من أن يجدني في الشارع، فقد كان للأستاذ هيبة خاصة تفرض علينا الالتزام بكل توجيهاته دون أن نناقشها، أما اليوم فحدث ولا حرج، فبعض الأساتذة سامحهم الله يتكلمون مع تلامذتهم حول أمور خاصة، وإن كان البعض يعتبرها نوع من إذابة الجليد أو كسر الحاجز بين الأستاذ والتلميذ، إلا أنها السبب الذي يجعل بعض التلاميذ لا يحترمون أساتذتهم وإن كانوا يعتبرونهم أفضل من الأستاذ الذي لا يفتح باب المزاح والاستهتار مع تلامذته». أما الأستاذة «نعيمة» أستاذة فيزياء في الطور الثانوي، فتؤكد قائلة: «المدرسة الجزائرية كانت في أوج عطائها فيما مضى بدليل أنها أنجبت النخبة من خيرة أبنائها ممن سطع نجمهم في عدة مجالات، أما الآن فمنظومتنا التربوية مختلة ما انعكس على مستوى التلاميذ بدليل أن أغلبهم صاروا لا يتحكمون حتى في اللغة الأم». ومن الانتقادات التي وجهها العديد من الأستاذة للمدرسة ما تعلق بالمناهج التي يقول عنها البعض أنها لا تحمل استراتيجيات بعيدة المدى وأحيانا لا تؤسس لمبادئ التعلم حتى، وعن هذا تقول الأستاذة «سمية» معلمة في التعليم الابتدائي: «لقد صرنا نواجه مشاكل عديدة في إيصال المعلومة للتلاميذ، فبعض المقررات في الكتب المدرسية الابتدائية صعبة عليهم، والكثير منهم لا يستوعب لو لم يتلق مبادئ القراءة والحساب قبل الدخول إلى المدرسة». وأما عن طلبة الجامعات، فيقول الأستاذ «تواتي» أستاذ بجامعة بوزريعة أن مستوى العديد من الطلبة يتدهور مقارنة بما كان عليه، يوضح عن هذا: «إن الأمر لا يتعلق بالمقرر الدراسي الجامعي، ولكن يتعلق بالثقافة العامة للطلبة، حيث لازال الكثير منهم يعتمد على الأستاذ في الحصول على المعلومة، ويكتفي بها، بينما نحن لما كنا نجتهد في تحصيل المعلومة وأحيانا نتنقل من ولاية إلى أخرى للحصول على كتب من أجل إنجاز البحوث والمذكرات التي صارت تنجز من طرف طلبتنا بمجرد النقر على أيقونة في جهاز الإعلام الآلي، والأدهى من هذا لما نجد قاعات محاضرة فارغة لا يدخلها إلا القلة القليلة، فيما يفضل الآخرون نسخ الدروس أياما قبل الامتحان ليحفظ ويجيب وانتهى الأمر، فعن أي يوم للعلم نتحدث؟»، وهو نفس السؤال الذي طرحته «منيرة» طالبة في ماجستير بكلية العلوم السياسية والإعلام وهي تعلق قائلة: «أي يوم للعلم بقي بعد ما أصبح الحرم الجامعي مكانا لممارسة الحب، فصار كل شيء مباحا، وعوض أن نرى جموع الطلبة محملين بالكتب، صار المشهد الطاغي هو طالبات وكأنهن في عرض للأزياء، وطلبة لا يدخلون الجامعة إلا عند اقتراب موعد الامتحانات». أما الأستاذ «زرفاوي» أستاذ متقاعد، فقد ضحك عندما سألناه عن احتفالات يوم العلم واكتفى بالتساؤل قائلا: «كيف نحتفل بيوم العلم، والسنة الدراسية طغت عليها إضرابات الأساتذة؟ فأنا شخصيا أجد أنه من العيب أن نحي ذكرى يوم العلم وجامعاتنا احتلت الرتب الأخيرة في تصنيف مستوى الجامعات». تلاميذ يعتبرون يوم العلم مناسبة أكل الدهر عليها وشرب تلاميذ المدارس بدورهم اختلفت آراءهم بين من يرى أن مناسبة يوم العلم من الكلاسيكيات التي تجاوزها الزمن، فيما وجدها آخرون فرصة للاحتفالات المذكرة، وإن لم يعلموا حتى من هو «عبد الحميد بن باديس» أو ما هي انجازاته. يقول»مهدي» تلميذ في الطور الثانوي، أن 16 أفريل صار من الموروثات المدرسية القديمة التي تشق طريقها إلى الزوال، وهو ما أكدته الأستاذة «بن حملاوي» أستاذة في الطور الإكمالي: «إن المناسبة أصبحت غريبة بالنسبة للكثير من التلاميذ، بل منهم من يستهزئ لما يعلم أن المدرسة ستنظم جملة من النشاطات بالمناسبة، فالكثيرون يعتبرونها مناسبة للتوقف عن الدراسة، فيما يراها آخرون فرصة للظفر بالجوائز لا غير»، وهو نفس ما أوضحته أستاذة أخرى وهي تعلق قائلة: «لم يبق من يوم العلم إلا اللفظ في حين بدأ المعنى الحقيقي يتلاشى ويسير نحو الزوال، فالأطفال في المدارس ينتظرون مناسبة يوم العلم من أجل التمتع بما تنظمه مدارسهم من احتفالات المرح والفرح، ولكنهم في أنفسهم لا يدركون حقيقة ما يمثله يوم العلم». «سمية» تلميذة في الطور الثانوي، أكدت أنها لا تعلم شيئا سوى أن التاريخ هو مناسبة وفاة العلامة «عبد الحميد بن باديس»، وعن هذا الأخير فتؤكد أنها لا تعلم شيئا عنه، قبل أن تضيف صديقتها بكل جرأة قائلة: «إن العالم يتطور حاليا بالعلم والتكنولوجيا، ونحن مازلنا نحي تاريخ ميلاد ووفاة علماء مر عليهم زمن غابر»، وهو أكثر تعليق دفعنا للاستغراب. اقتربنا من بعض تلاميذ إكمالية «محمد لونيس» ممن كانوا جالسين في وقت الدراسة على حجر أمام باب الاكمالية التي يدرسون بها، تحدثنا إليهم وسألناهم عن واقعهم التعليمي والتربوي، إلا أننا سجلنا إهمالا واضحا، بل ومنهم من لا يملك طموحات يريد تحقيقها، ووجودهم في المدرسة أو خارجها هو نفسه على حد تعبير البعض. »احتفالات 16 أفريل يجب أن تكون وسيلة وليس غاية« عادة ما يتم الاحتفال ب16 من أفريل تقديرا وتكريما لأهل العلم، فتكون فرصة ليقف فيها الفرد عما وصل إليه من اكتساب العلوم والمعارف، وبالموازاة تتسابق العديد من المؤسسات التعليمية إضافة إلى الجمعيات ومختلف المؤسسات الثقافية لمواكبة هذه المناسبة من خلال تنظيم الندوات والملتقيات ومختلف الاحتفالات وما يتبعها من تكريمات، وعن هذا تقول الأستاذة «عقيلة» أستاذة في اللغة العربية بمتقنة عين النعجة: «إن تلك الاحتفالات مناسباتية وسطحية، وما يلاحظ أنها وعوض أن تكون وسيلة للتذكير من أجل التقدم العلمي، صارت غاية محدودة الأهداف، واقتصرت على تذكر إنجازات رجال العلم عوض التدبر في الطريقة التي يجب أن نسلكها لنصل إلى ما وصلوا إليه فيما فيه خير للبلاد والعباد».