أكد الخبير الدولي في الانتقال الطاقوي وتكنولوجيات الطاقات المتجدّدة، محمد غزلي، أن الجزائر اليوم أمام فرصة ذهبية لصناعة قصة نجاح طاقوية فريدة في إفريقيا والعالم العربي، من خلال توظيف مواردها الغازية بحكمة لتمويل قفزتها نحو مستقبل طاقوي مستدام، مشيرا إلى اتخاذها في السنتين الأخيرتين خطوات هامة لتحقيق برنامج التحوّل الطاقوي، بعد إطلاقها مناقصات دولية لإنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية وتوقيع اتفاقيات استراتيجية مع شركائها الأوروبيين في مجال الهيدروجين الأخضر. قال الخبير الجزائري المقيم بألمانيا - حيث ساهم في إعداد برامج التحول الطاقوي - في لقاء مع "المساء"، "إن هذه المشاريع تمثل نقطة تحوّل كبيرة في قطاع الطاقة الجزائري، حيث ستساهم في تقليل الاعتماد على الغاز المحلي، وتفتح فرصا استثمارية واسعة، إضافة إلى تعزيز مكانة الجزائر كمصدر رئيسي للطاقة النظيفة إلى أوروبا. وذكر في هذا السياق، بأنه "بهدف خفض تكلفة الكهرباء وتنويع مزيج الطاقة، التزمت الحكومة الجزائرية بالوصول إلى 15 جيغاواط من الطاقة المتجدّدة بحلول عام 2035، في الوقت الذي بلغت فيه القدرة المركبة الحالية للجزائر من الكهرباء 23 جيغاواط، منها أكثر من 97% من محطات توليد الطاقة التي تعمل بالغاز". وسجّل غزلي أنه على الرغم من تحديد هذا الهدف الطموح، لم يتم لحد الآن توفير سوى 480 ميغاواط من الطاقة الشمسية و10 ميغاواط من طاقة الرياح، وهو ما يعد قليلا بالنظر إلى الإمكانات الموجودة والهدف المعلن، حيث توفّر الصحراء الكبرى بالجزائر 3500 ساعة سنويا من أشعة الشمس، مع إمكانات كبيرة في مجال طاقة الرياح. بالمقابل، اعتبر محدثنا أن المشاريع الأخيرة التي أطلقتها سونلغاز لإنتاج 3000 ميغاواط، تشير إلى تقدّم تنفيذ البرنامج الواعد لدمج الطاقة المتجدّدة، وهي ذات أهمية استراتيجية تدعم الموقع الجيوسياسي للبلاد، وتسمح بمعالجة الاختلالات السابقة كتلك المسجلة في برنامج 22 جيغاواط بحلول عام 2030 والذي شرع فيه في 2011. وبالنسبة للخبير، فإن هذه المشاريع تؤكد تجديد الالتزام، وهو ما يساعد على سد الفجوة بين الطموح والتنفيذ، لاسيما بعد تخفيف قواعد الملكية المحلية وتخفيض متطلبات المحتوى المحلي من 51 إلى 25 بالمائة، والتي تجعل الجزائر أكثر جاذبية للمطوّرين الدوليين. وبخصوص دفاع الجزائر عن جعل الغاز وسيلة لتحقيق التحوّل الطاقوي، قال الخبير غزلي إن الجزائر اليوم أمام فرصة ذهبية لصناعة قصة نجاح طاقوية فريدة في إفريقيا والعالم العربي، حيث يمكنها إذا عملت على توظيف مواردها الغازية بحكمة، أن تموّل قفزتها نحو مستقبل طاقوي مستدام قائم على الشمس والرياح والهيدروجين الأخضر. ورغم إقراره بوجود تحديات كثيرة، اعتبر الخبير وجود رؤية واضحة وإرادة سياسية وشراكات دولية في طور التشكل، عوامل تسمح للجزائر إذا واصلت هذا النهج، ليس فقط بالمحافظة على موقعها كمصدر طاقة موثوق لأوروبا، بل لاعبا أساسيا في سوق الطاقات المتجدّدة، ما يجعل، حسبه، السنوات القادمة ستكون حاسمة "فإما أن نصنع الريادة أو نتركها لغيرنا". وبحكم تخصّصه في طاقة الرياح، قال الخبير إن الجزائر واحدة من الدول القليلة في المنطقة التي تتمتع بموارد رياح عالية الجودة، خاصة في مناطق الهضاب العليا، حيث تصل سرعة الرياح إلى 9 م/ث عند ارتفاع 150 متر، ما يجعلها بيئة مثالية لتطوير مشاريع ناجحة، موضحا أنه بالرغم من التجارب المحدودة، إلا أن الإمكانيات التقنية والطبيعية واعدة جدا، بشرط وضع خطة متكاملة تشمل كل الجوانب وجذب استثمارات قابلة للتمويل. واستطرد في هذا السياق، "بحكم عملي في ألمانيا وخبرتي الطويلة في تطوير قوانين الطاقات المتجددة وتخصّصي في طاقة الرياح، أرى أن الجزائر قادرة على تحقيق نقلة نوعية إذا تم تسريع وتيرة الدراسات والتحضيرات للمواقع، وتعزيز التصنيع المحلي، ووضع أطر قانونية مرنة وجاذبة". وتوقع إمكانية إنتاج بين 3 و5 جيغاواط من طاقة الرياح البرية بحلول 2030 إذا تم إعطاء الأولوية للمواقع الملائمة. وعن حظوظ الجزائر لانجاح تجربتها في مجال التحوّل الطاقوي والحفاظ على مكانتها في سوق الطاقة العالمية، ردّ محمد غزلي بالقول إن مفتاح نجاح الجزائر يكمن في اتباع نهج مزدوج يجمع بين تعظيم العوائد قصيرة الأجل من الغاز الطبيعي، والتحوّل الاستراتيجي نحو الهيدروجين الأخضر والطاقة الشمسية، معربا عن اقتناعه بأن الجزائر تملك كل المقومات ولديها الموارد البشرية ذات الكفاءة داخل البلاد ومن أفرد الجالية في المهجر التي يمكن الاستعانة بخبراتها في صياغة التحوّل الطاقوي، وهي لذلك يمكنها أن تمثل، كما قال، الجسر الأمثل لنقل المعرفة وتكييف التجارب الناجحة لتتلاءم مع السياق الجزائري، في ظل منافسة قوية من دول الجوار.