بتكليف من رئيس الجمهورية, السيد عطاف يحل بسنغافورة في زيارة رسمية    أم البواقي : جمع أزيد من 700 ألف قنطار من الحبوب منذ بداية حملة الحصاد و الدرس    تأمينات: ارتفاع رقم الأعمال بأزيد من 13 بالمائة خلال الثلاثي الأول    العدوان الصهيوني على غزة : ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 57418 شهيدا و136261 مصابا    معسكر: افتتاح اللقاء الوطني السابع للفنون التشكيلية    طبق الفول التقليدي .. سيد المائدة الغرداوية في يوم عاشوراء    نقل: سوقرال تطلق تطبيقا لطلب سيارة أجرة معتمد    كهرباء: وضع حيز الخدمة عدة منشات جديدة بالعاصمة لتعزيز شبكة التوزيع    جانت : آليات الحفاظ على قصيدة "سبيبا" موضوع لقاء اكاديمي وعلمي    المهرجان الوطني لشعر الشباب بمستغانم: تتويج شعراء من سطيف والمسيلة وتيزي وزو    أزيد من 20 جمعية حقوقية تندد بحملة القمع المستمرة في المغرب    نهائي كأس الجزائر لكرة القدم 2025/ اتحاد الجزائر- شباب بلوزداد (2-0): الاتحاد يفتك الكأس التاسعة عن جدارة و استحقاق    كرة القدم/ نهائي كأس الجزائر-2025 / اتحاد الجزائر- شباب بلوزداد (2-0) : البطاقة الفنية    وزير الرياضة ورئيسا اتحاد الجزائر وشباب بلوزداد يكرمون رئيس الجمهورية    رئيس الجمهورية يترأس حفل استقبال بالنادي الوطني للجيش على شرف إطارات سامية في الجيش    عهد متجدّد ومسؤولية مستمرة لبناء وطن قوي    الجزائر تحتضن منتدى لترقية التجارة والاستثمار بين الإفريقيين    نادي سوسطارة يتوّج بالتاسعة    ارتفاع حصة الجزائر ب12 ألف برميل يوميا    رئيس الجمهورية أحاط الأسرة الإعلامية بالدّعم الذي تستحقّه    ذكرى استقلال الجزائر مبعث فخر لشعب أبي    حق الصحراوين في تقرير المصير لا يمكن التنازل عنه    "حماس" تعلن جاهزيتها للبدء في مفاوضات وقف إطلاق النّار    من الانتصار إلى التجلّي والوحدة والائتلاف    عرض العصائر والمياه المعدنية لأشعة الشمس "سم قاتل"    صدور "خراطة من الاحتلال إلى الاستقلال"    المعرض العالمي أوساكا 2025 : الصناعة التقليدية والوجهة السياحية الجزائرية تسجل حضورها باليابان    غزة : ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 57338 شهيدا و135957 مصابا    السيد بوغالي : ذكرى عيد استقلال الجزائر مبعث فخر لشعب أبي    توقرت: قطاع الصحة يتدعم بعيادة طبية نموذجية متعددة الخدمات    اهتمام إسباني بضم رامز زروقي    "الكاف" تحتفي بمجيد بوقرة قبل موعد "الشان"    دعوة صريحة للإبادة الجماعية    59 حالة وفاة غرقا بالشواطئ والمجمّعات المائية    تدشين مشاريع تنموية هامة وإطلاق أخرى    تكريم المتفوقين وحث على البعد الأكاديمي العالي في التكوين    الشرطة الإسبانية تضبط 15 طنا من الحشيش مصدرها المغرب    اختتام مشروع باورفورماد بوهران    هذه تفاصيل هدنة ترامب في غزّة    شرطة الجلفة توقف مروّجين للمخدرات    الجيش يُوجّه ضربات موجعة لبقايا الإرهاب    المجلس الأعلى للغة العربية ينظم احتفائية    سورة الاستجابة.. كنز من فوق سبع سماوات    قانون التعبئة العامّة في مجلس الأمة    نصاب الزكاة لهذا العام قدر بمليون و ستمائة و خمسة عشر ألف دينار جزائري    المشاريع السكنية أصبحت تُنجز في غضون سنة واحدة فقط    أمطار رعدية على عدة ولايات من الوطن    غزة: ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 57012 شهيدا و134592 مصابا    أخبار اليوم تُهنّئ وتحتجب    كرة اليد/كأس الجزائر (سيدات)..نادي بومرداس- نادي الأبيار: نهائي واعد بين عملاقي الكرة الصغيرة النسوية    توأمة بين البلديات..انطلاق قافلة ثقافية من تيميمون باتجاه مدينة أقبو ببجاية    الفاف" تقرر تقليص الطاقة الاستيعابية لكل الملاعب بنسبة 25 بالمائة    630 مليار دينار مصاريف صندوق التأمينات الاجتماعية    الكشف المبكر عن السكري عند الأطفال ضروريٌّ    فتاوى : حكم تلف البضاعة أثناء الشحن والتعويض عليها    الدعاء وصال المحبين.. ومناجاة العاشقين    تنصيب لجنة تحضير المؤتمر الإفريقي للصناعة الصيدلانية    الجزائر تستعد لاحتضان أول مؤتمر وزاري إفريقي حول الصناعة الصيدلانية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ألا إن نصر الله قريب

عباد الله، لا ريب أن من أعزِّ مقاصد المؤمنين وأشهى مطالبهم وغاية نفوسهم رؤيةَ دينهم ظاهراً، وكتاب ربهم مهيمناً، وعلوَّ راية التوحيد، والفرح بنصر الله.
نصرُ الله للمؤمنين حقيقة من حقائق الوجود، وسنة باقية من سنن الله، وقد يؤخَّر النصرُ لحكمة يريدها الله، فتظهر باديَ الرأي هزيمة، وقد يُهزم الحق في معركة، ويظهر الباطل في مرحلة، وكلّها في منطق القرآن صورٌ للنصر، تخفى حكمتها على البشر، والمؤمنون غير مطالبين بنتائج، إنما هم مطالبون بالسير على نهج القرآن وأوامره، والنصر بعد ذلك من أمر الله، يصنع به ما يشاء، {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِىَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاء حَسَنًا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}
قد يبطئ النصر لأن بناء الأمة لم ينضج ولم يشتد ساعده، ولأن البيئة لم تتهيأ لاستقباله، ويتأخر النصر لتزيد الأمة صلتَها بالله، وهي تعاني وتتألم وتبذل ولا تجد لها سنداً إلا الله. وقد يبطئ النصر لتتجرَّد الأمة في كفاحها وبذلها وتضحياتها لله ولدعوته. أما الباطل فمهما استعلى فهو طارئ وزاهق، ولا بد من هزيمته أمام الحق، قال تعالى: {وَقُلْ جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} [الإسراء: ولكن حكمةَ الله اقتضت أن يوجد الباطل لاختبار أوليائه، {وَلِيُبْلِىَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاء حَسَنًا} [سورة الأنفال: وإلا لو شاء الله لم يكن هناك كفر ولا باطل، قال تعالى: {ذلِكَ وَلَوْ يَشَاء اللَّهُ لاَنْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِن لّيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ}
نصر الأمة حقيقة ثابتة ولكن متى؟
لا تعلم الأمة متى وكيف يتحقق النصر، فجنود الله التي ينصر بها أولياءه كثيرون، ففي غزوة بني النضير كان الرعب جندياً من جنود الله، وفي غزوة بدر كانت الملائكة والنعاس والمطر والحصى من جنود الله، وكانت الريح والعنكبوت وغير ذلك من جنود الله، وصدق الله: {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبّكَ إِلاَّ هُوَ وَمَا هِي إِلاَّ ذِكْرَى لِلْبَشَرِ} [المدثر].
روى مسلم في صحيحه عن إبراهيم التيمي عن أبيه قال: كنا عند حذيفة فقال رجل: (لو أدركت رسول الله قاتلتُ معه وأبليت)، وكأنه يستقلّ بلاء الصحابة وجهادهم مع رسول الله، فقال حذيفة: (أنت كنت تفعلُ ذلك؟!، لقد رأيتُنا مع رسول الله ليلةَ الأحزاب غزوةَ الخندق، وأخذتنا ريحٌ شديدة وقرٌّ، فقال رسول الله: (ألا رجل يأتينا بخبر القوم، جعله الله معي يوم القيامة)، فسكتنا فلم يجبه أحد، ثم قال: (ألا رجل يأتينا بخبر القوم، جعله الله معي يوم القيامة)، فسكتنا فلم يجبه منا أحد، فقال: (قم يا حذيفة، فأتني بخبر القوم)، فلم أجد بُدًّا إذ دعاني باسمي أن أقوم.
لقد كان تردُّدُ القوم بسبب ما كانوا عليه من برد وجوع وخوف، فقد كان الحصار الذي استمرّ نحو شهر قد أوهن القوى، وأنهك الأحشاء، وكانت الظلمة في تلك الليلة مُطبقة، والريح شديدة باردة، والخوف آخذ بتلابيب القوم، {إِذْ جَاؤُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (10) هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً}. في هذه الأجواء المشحونة والأحوال المدلهمة ينصر الله جنده في لحظات من حيث لم يحتسبوا، ويُرسل الله ريحاً تفرِّق جمع الأحزاب، وتغيّر موازين المعركة، {وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيّاً عَزِيزاً} [الأحزاب: 25].
إخوة الإسلام، قد يتوهم بعض المسلمين أن الله سينصرهم ما داموا مسلمين، مهما يكن حالهم، ومهما تكن حقيقة أعمالهم، والله تعالى يقول: {ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ إِن تَنصُرُواْ اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد:، ولم يقل: ما دُمتم مؤمنين فسأنصركم وأثبِّت أقدامكم، مهما تكن أحوالكم وأوضاعكم وأعمالكم.
لقد هُزم المؤمنون وفيهم رسول الله في معركة أحد حين عصوا أمر الرسول، وهُزِم أغلبُهم يوم حنين وفيهم رسول الله حين أعجبتهم كثرتهم وقال بعضهم: (لن نُغلب اليوم من قلة)، فكيف ينصر الله من لا ينصره لمجرد دعواه أنه مؤمن؟!، كيف ينصر الله من يعصيه ولا يقوم بواجبه؟!، يقول عمر رضي الله عنه: (إنا لا ننتصر على عدوّنا بعددٍ ولا عدة، وإنما ننتصر بطاعتنا لله ومعصيتهم له، فإن عصينا الله فقد استوينا وإياهم في المعصية، وكان لهم الفضل علينا).
الصابرون ينصرهم الله
عباد الله، لله تعالى سنن لا تتغيَّر يحكم بها الكون والحياة والإنسان، منها متطلبات النصر ومسببات الهزيمة. والحكمة من وراء هذه السنن أن تظهر خبايا النفوس، وتبرز معادن الناس من خلال واقع منظورٍ لا من خلال أقوال وأمنيات، فتتميّز الصفوف، وتتمحص النفوس، ويُعلم المؤمنون الصابرون فينصرهم الله، ذلك أن النصر شرف، ولن يتنزَّل على قلوب قاسية غافلة، ونفوس مريضة، وأحوال مغشوشة، في أمة تشعبت بها السبل، وتجارت بها الأهواء، وتعمقت في أخوتها الخلافات، وتلوّثت بسوء الظن. ولهذا فمن أولى متطلبات النصر ترسيخ العقيدة وغرس الإيمان؛ لأن الإيمان الصادق عباد الله يزكي النفوس، ويطهر القلوب، فتصلح الحال، ويكتب الله النصر والتمكين للمؤمنين؛ لأن أسباب النصر داخليةٌ في القلوب والنفوس، قال تعالى: {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ ءامَنُواْ فِي الْحَيَواةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ}
من أسباب النصر الإخلاص، فالمخلص مؤيَّد من الله، مَكفيّ به سبحانه: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ} وعلى قدر إخلاص المرء لربه وتجرده له يكون مدد الله وعونه وكفايته وولايته، إن الإمداد على قدر الاستعداد، إمدادُ الله بالنصر والتأييد والتوفيق والتسديد على حسب ما في القلوب من تجريد النية وصفاء الطوية، قال تعالى: {لَّقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً}
من متطلبات النصر التجمل بالصبر، هذا ما نستفيده من قول الرسول: (يا أبا جندل، اصبر واحتسب، فإن الله جاعلٌ لك ولمن معك من المستضعفين فرجاً ومخرجاً) [أخرجه أحمد]، وفي حديثه لابن عمه عبد الله بن عباس قال: (وأن النصر مع الصبر)، وفي ختام عدد من السور المكية أوصى الله رسوله بالصبر: {وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِين}
من أسباب النصر الاعتماد على القوي الذي لا يغلب، يفوض إليه أمره، يثق في وعده، فلا يخاف من أعداء الله، ذلك أن النصر من عند الله، والعزة كلها من الله، ومن أراد النصر فليطلبه من الله، ومن أراد العزة فليعتز بالله، ففي غزوة حنين رأى المؤمنون أنفسهم في كثرة فقال بعضهم: لن نُغلب اليوم من قلة، وكأنما ألهتهم كثرتهم عن حقيقة القوة والنصر، فوكلهم الله إلى كثرتهم التي أعجبتهم فلم تغنِ عنهم شيئاً، {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِى مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ}.
الدعاء سلاح الفرج
إخوة الإسلام، الدعاء أهم أسلحة النصر، لما صنع نوح السفينة لجأ إلى الله، واحتمى بحماه، ولم يركن إلى الأسباب وحدها، توجَّه إلى الله بالدعاء، لعلمه أن الدعاء يستمطر سحائب النصر، سجل لنا القرآن الكريم صِيَغ الدعاء التي دعا بها نوح ربه، وكيف أن الله استجاب له على الفور: {فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ (10) فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاء بِمَاء مُّنْهَمِرٍ (11) وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْمَاء عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (12) وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ (13) تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاء لِّمَن كَانَ كُفِرَ}.
ومن أسباب النصر عباد الله إكرام ورعاية الضعفاء، فعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن النبي قال له: (هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم؟؟) [أخرجه البخاري] [4]، وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله يقول: (أبغوني ضعفاءكم، فإنما ترزقون وتنصرون بضعفائكم) [5]، وفي الحديث: (إنما ينصر الله هذه الأمة بضعيفها، بدعوتهم وصلاتهم وإخلاصهم) [أخرجه النسائي] [6].
عباد الله، في الأجواء القاتمة في تاريخ الأمة تحتاج إلى وميض من نور وبشارة أمل، تبشر بمستقبل مشرق، وهذا منهج القرآن، فحين كان يعاني رسول الله قلةَ العدد وضعف الشأن وخذلان العشيرة قص الله على رسوله قصة يوسف، نزلت هذه السورة في جوِّ مكة الثقيل ليُبشَّر رسول الله بمستقبله العظيم المشرق الزاهر، فكأن قصةَ يوسف قصتُه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.