مسلّحون دمويون يلهبون الصومال (حركة الشباب).. إمارة القرن الإفريقي لم تدع (حركة الشباب) الصومالية نفسها بعيدة عن يوم (الجمعة الدامي)، والذي ضرب الكويت وتونس وفرنسا، بل شنّت عملية مدمّرة ضد قاعدة تابعة لقوّات الاتحاد الإفريقي في ليغو، جنوبيالصومال. لم يكن تفصيلا أن الهجوم كلّف استخدام الحركة ل 15 انتحاريا أودوا بحياة 60 جنديا بورونديا في القوّات الإفريقية، بل كان (حدثا) في حدّ ذاته، وإن لم يكن صداه الإعلامي شبيها بالصدى الكويتي والفرنسي والتونسي. يأتي تطوّر (حركة الشباب) بالتزامن مع تطوّر مماثل لتنظيم (بوكو حرام) في نيجيريا ولتنظيم (الدولة الإسلامية.. داعش) في الشرق الأوسط وفروعه في شمال إفريقيا، وهو تطوّر من شأنه رفد خلايا تلك التنظيمات بجرأة إضافية تجلّى بعضها في عمليات عدّة حول العالم. وإذا كان (داعش) و(بوكو حرام) باتا خطرا أكيدا مع توسّعهما، كلّ في نطاقه الجغرافي، فإن دور (حركة الشباب) يبدو مشابها لناحية الإمساك بالقرن الإفريقي، مع ما يستجرّ ذلك من توسيع رقعة الصراع وإغراق بلدان عدّة في المستنقع الصومالي، تحديدا إثيوبيا وكينيا. وإذا كانت الحرب (التقليدية) هي التي سيطرت في العقد الماضي، وتحديدا بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 فإن مراحل (التطوير)، والتي دشّنها (داعش) في جوان من العام الماضي عبّدت الطريق أمام (بوكو حرام) و(حركة الشباب) إلى (تطوير) تمدّدهما الجغرافي. اختار (بوكو حرام) التمدّد في عمق الجزء الأعلى من جنوبي الصحراء الإفريقية، والذي يبدأ من نيجيريا ويصل إلى تشاد ويهدّد ليبيا والسودان، في مسعى لتكريس إمارة موالية ل (داعش) في وسط إفريقيا. * مرحلة جديدة من الصراع أمّا (حركة الشباب) فإن انتقالها النّوعي في عملياتها، أكان في الداخل الكيني أم في الصومال، يؤشّر إلى مرحلة جديدة من الصراع ستعمد من خلاله الحركة إلى العمل على حسم الوضع في جنوبيالصومال، مستغلّة عدم قدرة الاتحاد الإفريقي على التورّط أكثر في البلاد بفعل الأزمات المتلاحقة في القارّة السمراء، ما سيضع كينيا وإثيوبيا أمام حلّ واحد: التدخّل المباشر، لأن سيطرة (حركة الشباب) على مناطق الجنوب بما فيها العاصمة مقديشو وفي ظلّ صورة الرعب التي باشرت تثبيتها في أذهان الصوماليين قبل باقي الأفارقة ستُمهّد لها التقدّم نحو المناطق الشمالية في الصومال، مهدّدة بالسيطرة على كامل البلاد، بما فيه القرن الصومالي. ويعني هذا اتّساع دائرة الخطر على مضيق باب المندب، خصوصا وأن القسم الشمالي من الصومال، (صومالي لاند) ( دولة مستقلّة عن الصومال من طرف واحد غير معترف بها دوليا)، غير قادر على مواجهة أيّ تقدّم ل (حركة الشباب) من دون دعم خارجي. وسقوط (صومالي لاند) يعني إمكانية تغلغل الحركة في جيبوتي، الجزء الأضعف على ساحل البحر الأحمر، والجزء الأهمّ لإطلالها على باب المندب، ولدورها اللوجستي في أزمة اليمن. على أن (تمويل) الحركة جاهز عبر القيام بالمزيد من عمليات القرصنة البحرية، والتي سمحت لها بالبقاء على قيد الحياة ماديا على الرغم المحاولات الغربية، العسكرية أحيانا، لضربها. غير أنه لا يمكن للأوروبيين الانسياق إلى عمليات عسكرية نوعية ضد (حركة الشباب)، وكذلك الأمريكيين، والذين فشلوا في عملية (إعادة الأمل) في الصومال في عام 1992. والهموم الأوروبية مقتصرة على البحر الأبيض المتوسّط لمواجهة مهرّبي البشر، كما أن الحدّ الأقصى الذي يمكن أن تعتمده الجيوش الأوروبية إفريقيا قد يقتصر على دور فرنسي في أعلى جنوب الصحراء، تحديدا في مالي لأسباب غامضة متعلّقة في الغالب بمصالح استعمارية. أمّا الأمريكيون فيبقون غائبين عن الصومال عسكريا وهم لم ينسحبوا أساسا من العراق وأفغانستان للذهاب إلى الصومال، أقلّه حتى نهاية عهد الرئيس باراك أوباما نهاية العام المقبل. * أين المسلمون من كلّ هذا؟ في غياب الأوروبيين والأمريكيين تتطلّب الساحة الصومالية تدخّلا (اضطراريا) من إثيوبيا وكينيا، خصوصا وأن التداخل الديموغرافي بين الصومال وبين البلدين يشي بمثل هذا الاحتمال الذي قد يكون مشتركا وبمساندة محدودة من الاتحاد الإفريقي، مع العلم أن أديس أبابا ونيروبي يجدان نفسيهما وسط ساحة صراع إفريقي إفريقي، من السودان إلى بوروندي، في غياب أيّ أفق تصالحي، وسيؤدّي غرقهما في المستنقع الصومالي إلى نشوب مشاكل أخرى داخلية قد تؤدّي إلى ازدياد مخاطر الانقسام الداخلي أو أقلّه مطالبة بعض المجموعات الصومالية في كينيا وإثيوبيا بالانفصال أو بالحكم الذاتي. أمّا الأمر الأكثر تعقيدا في كلّ هذا فهو مدى تلاقي أو تصادم المصالح بين تنظيم (القاعدة) الذي تنتمي إليه (حركة الشباب) و(داعش)، خصوصا وأن (القاعدة) باتت متواجدة في السواحل الجنوبية لشبه الجزيرة العربية وعلى مشارف القرن الإفريقي، فيما يتواجد (داعش) بين الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وتبدو (نقطة الالتقاء) الميداني الأقرب بينهما في شبه الجزيرة العربية، وهو ما سيحدّد صدامهما أو تلاقيهما، لذلك يبدو دور (حركة الشباب) أكثر وضوحا من دور (بوكو حرام) وأكثر جرأة في المرحلة المقبلة، وهو ما سيظهر أكثر في حال كان الردّ الإفريقي ضعيفا على هجوم الجمعة.