« خيرا تفعل، شرا تلقى" هذه المقولة تنطبق على السلطات الانقلابية في مالي والتي لا تخرج مناورتها بخصوص إيداع عريضة لدى محكمة العدل الدولية ضد الجزائر، عن سياق لفت الانتباه ومحاولة التغطية على وضعها السياسي غير القانوني في هذا البلد الجار، والذي خالف الأعراف الدولية وخرق ميثاق الاتحاد الإفريقي الرافض بشدة للانقلابات العسكرية في القارة السمراء. يبدو أن انقلابي باماكو ما زالوا يحاولون جس نبض المنتظم الدولي من أجل شرعنة انقلابهم غير الدستوري والذي سبق للأمم المتحدة والهيئات الدولية أن ندّدت به، لدوسه على لوائح الشرعية الدولية، في وقت اتضح فيه عدم تردّد الطغمة الانقلابية في تبني أجندات لقوى دخيلة في المنطقة من أجل كسب تأييدها ودعم مصالحها على حساب الشعب المالي. وقد كشف الواقع عن مهمة هذه الطغمة السياسية التي عصفت بالمسار السلمي في البلاد، في تعد صارخ على القانون الدولي وجهود وساطة قادتها الجزائر بكل اقتدار، أفضت إلى التوقيع بعد أشهر طويلة على اتفاق السلم والمصالحة، والذي بفضله استتب الأمن في البلاد قبل أن ينهار ويعود الصراع من جديد بسبب التدخّلات الخارجية. تظهر هذه المناورة جانبا من محاولات الانقلابيين التهرّب من المشاكل التي أدخلوا من خلالها البلاد، في نفق مجهول، حيث ذهبت كل وعودهم لإصلاح الوضع الأمني والسياسي والاقتصادي في البلاد مهب الريح، لانصباب اهتمامهم على خدمة مصالحهم الشخصية. ولا تعدو العريضة التي أودعوها على مستوى محكمة العدل الدولية سوى محاولة لإطلاق صدى يأملون في أن يتجاوز حدود "العالمية" في سياق استعراض العضلات، غير أن تردداته ستسقط في وحل عجرفة هذه الطغمة السياسية التي نسيت محاسبة نفسها، قبل أن تحاسب اليد الممدودة لهذا البلد بسخاء طيلة عقود من الزمن سياسيا وأمنيا واقتصاديا واجتماعيا. ولا يستبعد أن تكون هذه الطغمة بمثابة أداة لجهات أجنبية في محاولاتها اليائسة لكبح المشروع الاقتصادي والتنموي الاستراتيجي الضخم للجزائر لصالح القارة الإفريقية، فضلا عن دورها الكبير في مساعدة دول القارة. كما كانت الجزائر دائما الملاذ الأخير لباماكو التي ساعدتها في مواجهة العقوبات المفروضة عليها من أجل تلبية احتياجات الشعب المالي، كونها تدرك أنه المتضرر الأكبر. كما لا يمكن وصف مناورة هذه الطغمة سوى بأنه سلوك عدائي ونكران لجميل الجزائر وما قدمته لمالي من عون ودعم باسم الأخوة والجيرة، في وقت يشهد لها الجميع بحنكة دبلوماسيتها وعدم تدخلها في الشؤون الداخلية للدول. لكن يبدو أن انقلابيي باماكو لا يجدون أي حرج لمسح كل الإرث التاريخي، الثقافي والنضالي المشترك بين البلدين، بل إنهم لا يأبهون للأضرار التي قد تلحق بمالي، في حين لا تضر الجزائر في شيء، والتي يكفيها رصيدها من التضامن مع دول القارة ومواقفها الرجولية، التي كانت آخرها على سبيل المثال، تخصيصها مبلغ مليار دولار لتمويل برامج التنمية في دول الساحل وإفريقيا.