الشيخ: محمد صالح المنجد لقد مدح الله -عز وجل- المتواصين بالحق والصبر والمرحمة فقال سبحانه: {ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ} [البلد:17] وقال: {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإنْسَانَ لَفِي خُسْر * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر:1-3]. وسنة التواصي سنة إلهية نبوية أوصانا الله بوصايا وأوصانا نبيه -صلى الله عليه وسلم- بوصايا وأمرنا تعالى أن نتواصى فيما بيننا وأوصانا نبينا -صلى الله عليه وسلم- بالتواصي كذلك. الوصية: عهد وكلام وأمانة يفارق عليها الإنسان من أوصاه الوصية كلام مهم {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر:3] يضيع الحق لو لم يحصل التواصي به التواصي بالحق من أسباب حفظ الحق أن يبقى الحق معروفاً بيناً متناقلاً بين الأب وأولاده والأخ وإخوانه والإمام ومن يصلي وراءه والمسلمين عموماً عندما تكون سنة التواصي بينهم قائمة يبقى الحق معروفاً وإلا ضاع والتمسك بالحق لا يمكن إلا بصبر لأن الحق صعب وهناك تحديات لأن التمسك بالحق فيه معاناة وخصوصاً في أزمان الفتنة فلا بد من صبر على التمسك حتى لا يبقى مجرد علم غير معمول به ولذلك قال: {وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} الصبر على طاعة الله الصبر عن معصية الله الصبر على أقدار الله المؤلمة ثم التواصي بالمرحمة المرحمة أن يرحم الناس بعضهم بعضاً يلين بعضهم لبعض يعطف بعضهم على بعض وبهذه الثلاثة يكمل دين الناس التواصي بالحق والتواصي بالصبر والتواصي بالمرحمة. ثم إننا نجد في كتاب الله -عز وجل- أنواعاً من الوصايا الإنسان ضعيف ينزلق وينحرف ويذنب ويعصي ويخالف الوصية ترد إلى الحق بل تمنعه من الوقوع في الذنب أصلاً وعندما يقوم المجتمع كله بالتواصي بالحق والتواصي بالصبر يواصلون سيرهم على هذا الحق ويتواصون بالمرحمة فيصبحون كالجسد الواحد فيكتمل بنيان المجتمع. وصايا ذكرها القرآن وصية لقمان لابنه من الوصايا التي ذكرها لنا ربنا في كتابه: {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لاِبْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان:13] وهناك في الأرض اليوم شرك كثير شرك في أضرحة وقبور وأموات وأحياء شرك أكبر وشرك أصغر وشرك خفي ما لي إلا الله وأنت لولا الله وفلان بفضل الله وفضلك كثير في كلام الناس الحلف بالأمانة بحياة أبيه بشرفه ونحو ذلك. الشرك درجات {يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ} [لقمان:13] لا شرك أكبر ولا أصغر ولا خفي {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان:13] ثم زرع الخوف في نفس الولد من الله {يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّة مِنْ خَرْدَل فَتَكُنْ فِي صَخْرَة أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ} [لقمان:16] ستذهب منه إلى أين؟ هل يمكن أن تعصيه في مكان لا يراك فيه؟ {إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ} [لقمان:16] بعد زرع التوحيد في نفس الولد الوصية بالعبادات لما بنيت قاعدة الإيمان تؤسس عليها الآن الأعمال {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ} [لقمان:177] إقامة الطهور والأركان والواجبات والشروط مع الأخذ بالسنن {أَقِمِ الصَّلاةَ} ولا بد من نشر الدعوة ولا يقال: هذا ولد صغير غير مسؤول عن دعوة الناس كل واحد مسؤول حتى الصغير لماذا لا ينصح الصغير؟ بل قد تكون نصيحة الصغير أحياناً أبلغ من نصيحة الكبير ثم تهيئة الولد للمستقبل مهمة وإعطاؤه الوظائف {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [لقمان:17] وحيث أن هذا ثقيل وفيه مصادمة لأهواء الآخرين {وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [لقمان:17] ثم بيّن له أصول التعامل مع الآخرين لأن الأخلاق مهمة جداً ليست الأخلاق كل شيء التوحيد والصلاة أهم لكن بدون أخلاق كيف يعيش الإنسان؟ نافراً منفراً ولذلك ثلَّث بالأخلاق أو ربَّع بها بعد التوحيد والإيمان والنهي عن الشرك وبعد إقامة الصلاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر جاءت قضية الأخلاق {وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ} [لقمان:18] لا كبر {وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَال فَخُور * وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} [لقمان:18- 19] فهذا أنكر الأصوات قاطبة مهما حاول علماء الحيوان أن يأتوا بصوت أقبح من صوت الحمار فلن يستطيعوا {إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} فذكر له أصول الحكمة وقواعدها الكبار. الوصية منهج القرآن الوصية منهج قرآني {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً} [الشورى: من الآية13] ربنا -عز وجل- وصى أنبياءه {وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} [الشورى: من الآية13] استقيموا على التوحيد ولا تتفرقوا في سبل الشرك استقيموا على السنة ولا تتفرقوا في طرائق البدعة {أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} [الشورى: من الآية13] وهكذا قال سبحانه أيضاً: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ} [النساء: من الآية131] فهذه وصية الله للأولين والآخرين والمتقدمين والمتأخرين تقوى الله. وكذلك وصانا ربنا بالوالدين {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً} [الاحقاف: من الآية15] وإذا قلت: ما هي آيات الوصايا العشر فإنها المذكورة في سورة الأنعام {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاق نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ} [الأنعام:151] وما أكثر الوقوع في الفواحش في هذا الزمان لأن الدعاية لها صارت في الجوالات ومواقع الشبكات وأفلام الشاشات ودخلت من كل طريق الترويج والدعاية والدعوة للفواحش ما قال الله لنا فقط لا تقعوا في الفواحش قال: {لا تَقْرَبُوا } معناها كل ما يقرب إلى الفواحش من نظرة من مقطع إباحي لا تقربوا ذلك {وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} [الأنعام:151] هناك أشياء ظاهرة وأشياء خفية {وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} تكملة الوصايا {وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [الأنعام:152] تنميه تحفظه تتاجر به في غير مخاطرة بالغة {حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى} [الأنعام:152] بين قريب وبعيد لا بد أن تعدل ولا يجعلنك القرب تجحف {وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ} [الأنعام: من الآية152] مرة أخرى أعادها {لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ} [الأنعام:152-153] مرة ثالثة { لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} هذه الوصايا الجامعة لأبواب الخير الموصدة لأبواب الشر التي فيها أصول التوحيد والعبادة والفضائل والأخلاق وهكذا كمال الدين لا يوجد نظام آخر لا في الشرق ولا في الغرب فيه هذا التكامل ولا هذه المزايا ولا هذه الفضائل والمحاسن الأنبياء يوصي الآباء منهم الأبناء {وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ} [البقرة:132] هذا التوحيد والإسلام العام {فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [البقرة: 132] مخلصون لله لا شرك لا رياء مخلصون مسلمون مستسلمون لا اعتراض لا خروج ولا حيدة وهكذا.