المشروع يؤسس لتجربة غير مسبوقة في الممارسة الديمقراطية    تعزيز الجبهة الداخلية و تلاحم الشعب مع جيشه" ركائز إستراتيجية "    المديرية العامة للأمن الوطني تطلق مسابقتين    التأكيد على أهمية تعزيز فعالية الرقابة القبلية و البعدية    إعلان تخفيضات على تذاكر الرحلات لشهر رمضان    الذهب يتراجع والفضة تسجل مستوى قياسي    الاتحاد الوطني لطلبة المغرب يدق ناقوس الخطر    مستوطنون صهاينة يستبيحون المسجد الأقصى المبارك    التوقيع على عقود لإنجاز ثلاثة مصانع جديدة لتحلية مياه البحر    الإعلان عن الشروع في إنتاج أقلام الأنسولين من الجيل الجديد    انجاز مصنع للعجلات المطاطية للمركبات في توقرت    البنك الوطني الجزائري يطلق منصة رقمية لتداول الأوراق المالية    دورة تكوينية للنواب حول الذكاء الاصطناعي في العمل البرلماني    نستحضر بفخر مسيرة قائد حكيم للولاية التاريخية الخامسة    الشتاء القاسي يفاقم المعاناة المستمرة لسكان غزّة    "القسام" تعلن استشهاد أبو عبيدة    منظمات إسبانية تستنكر تغليب المصالح على القانون    نجوم "الخضر" يريدون الذهاب بعيدا في "الكان"    اندمجت بشكل جيد وأنا سعيد بالتأهل    بيتكوفيتش يريد بلوغ آخر محطة في كأس إفريقيا    تمديد الإجراء التسهيلي لدخول ومغادرة التراب الوطني لفائدة أفراد الجالية    دعوة لاكتشاف الميول الرياضية والتوجيه مبكرًا نحو التفوّق    خط الدفاع الأول لتعزيز جهاز المناعة في الشتاء    مظاهر احتفالات غريبة تغزو المجتمع!    11 عرضا من 10 دول في المنافسة    القيم الكشفية تدخل المسرح    افتتاح نادي الطاهر حنّاش    إطلاق منصة رقمية لمتابعة الممتلكات المسترجعة    أحزاب سياسية جزائرية تعتبر قانون الأحزاب الجديد خطوة نوعية نحو تعزيز الديمقراطية والممارسة السياسية    الحماية المدنية تحذر المواطنين من حوادث المرور والمنزل خلال احتفالات السنة الجديدة 2026    سوناطراك توقّع عقود إنجاز ثلاثة مصانع كبرى لتحلية مياه البحر وتعزّز الأمن المائي الوطني    انطلاق إنتاج أقلام الأنسولين من الجيل الجديد ببوفاريك في خطوة نوعية لتعزيز الأمن الصحي الوطني    هدر غير مبرر للكهرباء والغاز في فصل الشتاء    المذكرات الورقية تنسحب من يوميات الأفراد    وضع آخر اللمسات على المشروع المدمج    آيت مسعودان يؤكّد أهمية الأمن السيبراني    مجلس المحاسبة ينشر تقريره السنوي    أطفال غزّة يموتون برداً    ملتقى وطني للأدب الشعبي الجزائري بالجلفة    الجزائر خاضت حروبا دبلوماسية حقيقية    نُثَمِّنُ " عاليا" جهود الدولة في مجال حماية وترقية الطفولة    الاستعمال العقلاني للمضادات الحيوية أولوية وطنية في إطار الأمن الصحي    القانون كرس إجراءات صارمة لكشف ومكافحة هذه الجريمة    "الخضر" بالعلامة الكاملة في الدو الثمن النهائي    بلومي يُصاب مجدّدا    تيميمون تحتفي بالطبعة 17 للمهرجان الوطني للأهليل وترسخ تراث الواحة الحمراء    الاتحاد يقتنص نقطة    سنفعل ما بوسعنا للفوز والإقناع    دار الثقافة ابن رشد بالجلفة تحتضن الملتقى الوطني الثاني للأدب الشعبي الجزائري    البليدة : افتتاح المهرجان الثامن لموسيقى وأغنية العروبي    تمديد مدة المرحلة الثانية للتلقيح ضد شلل الأطفال    معنى اسم الله "الفتاح"    .. قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا    الرابطة الأولى موبيليس : الكشف عن برنامج الجولة ال14    التقوى وحسن الخلق بينهما رباط وثيق    الجزائر ماضية في ترسيخ المرجعية الدينية الوطنية    اتفاقيات لتصنيع أدوية لفائدة شركات إفريقية قريبا    صحيح البخاري بمساجد الجزائر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل انتهى عهد العبثية؟
نشر في أخبار اليوم يوم 15 - 06 - 2019


بقلم الدكتور بوعلام بطاطاش
يقول غوستاف لوبون في كتابه الأمس واليوم: الكفاءة من دون سلطة شبيهة في عجزها بالسلطة من دون كفاءة ويقول أندري دوشونييه في كتابه خطابات في الافتراء: اللاعدالة تعلي دوما روحا حرة وفخورة.
عندما ننظر إلى حملة الاعتقالات التي مسّت مؤخرا وجوها اعتادت تقلّد المناصب السامية أو تلك التي كوّنت لنفسها ثروات طائلة بطرق مشبوهة ونتمعّن في التهم الموجّهة لهم ندرك حجم الكارثة التي حلّت بالبلاد في ظل العهدات الأربع لحكم بوتفليقة ومدى ارتياح الشعب من التخلص منهم.
لقد توقّع الكثير من المحلّلين عندما وافق الرئيس المنتهية عهدته على قبول السلطة على أنه أتى لينتقم من الشعب لكونه لم يسانده أثناء إبعاده في 1979من التربع على سدّة الحكم وتعيين الشاذلي بدلا عنه خاصة وأن السلطة آنذاك بدأت تضيّق على حركاته لدرجة أن مجلس المحاسبة في 03 أوت 1983اتهمته باختلاس أكثر من ست مليارات سنتيم. وعلى هذا الأساس لا نتعجب رفضه للسلطة في 1994 عندما عرضت عليه أول مرة لكونه على علم بأن الأوضاع خطيرة وتتطلب جهدا كبيرا لإيجاد صيغة توافقية تخمد نار الفتنة ففضل البقاء كمشاهد للجزائر وهي تحترق في حين أنه عندما ظهرت بوادر الحل بقانون الوئام المدني الذي عمل زروال على وضعه قبل بوتفليقة تسلّم السلطة وسعى جاهدا على أن تنسب المبادرة له وعلى أنها من نتاجه الخاص مغيّبا كل الجهود التي بذلتمن قبل المؤسسة العسكرية تجت إشراف زروال لحل الأزمة وعوض أن ينسحب في الانتخابات الرئاسية التي ترشح لها في 1999أسوة بالمترشحين الآخرين فضل مواصلة المسيرة لوحده غير آبه بمصداقية تلك العملية فالشيء المهم عنده أن يسجل في الانتخابات رقما أعلى من ذلك الذي حقّقه زروال وكان له ذلك.
لقد ولّدت في نفسيته عقدتين عقدة إزاحته من على كرسي الرئاسة وعقدة الشرعية التي نزعها عنه المترشحون الآخرون فما كان له إلا الانتقام على طريقته وذلك بخلق أسوأ نظام شهده العالم عن طريقنشر كل القيم الفاسدة من جهوية وعنصرية وتفرقة بين المواطنين بتشجيع النعرات القبلية وغض النظر عن النهب والاختلاسات التي تقام في محيطه والعمل علىتحطيم كل المنشآت القاعدية التي بنيت منذ الاستقلال إذ أتى على ما تبقى من التعليم والصحة والصناعة تحت ذريعة الإصلاحات وما زاد الطين بلة هي تلك الطفرة النفطية التي شهدتها عهداته الأولى الأمر الذي جعل الجزائر مرعى ينشط فيه الفاسدون من كل حدب وندب حيث تسنّ القوانين بالمقاس لتوزيع الغنائم بينهم.
لكن كيف وصلت الأمور إلى هذه الحالة؟
لقد بنى حكمه على العبثية في التسيير إذ لا تهمه مصلحة البلاد بقدر ما يهمه المكوث على كرسي الحكم لذلك أول شيء قام به بعد تقلّده السلطة هو تعيين أفراد أسرته من إخوة وأخوات مستشارين له ثم أتى بزملائه من القرية التي ترعرع فيها في صباه وجعلهم في مناصب وزارية غير آبه لا بمستواهم العلمي ولا بكفاءتهم في التسيير وسنّ القوانين التي تحميهم من كل متابعة قضائية الأمر الذي فتح لهؤلاء الأبواب على مصراعيها فقاموا بتقسيم الكعكة على أسرهم وعلى أقربائهم وأصدقائهم وساهموا في خلق امبراطوريات تحتكر التجارة الخارجية والصفقات العمومية غير آبهين بالخسائر التي يكبّدونها للخزينة العمومية سنويا.
ومن مظاهر التسيير العبثي سنذكّر ببعض القرارات التي اتخذت بشكل ارتجالي سجّلها التاريخ وتبقى وصمة عار على جبين السلطة المتساقطة:
عندما قام بوتفليقة بزيارة ميناء الجزائر لاحظ خروج العديد من السيارات من باخرة قادمة من فرنسا فتساءل عنها فكان ردّ مرافقيه أنها عبارة عن سيارات استوردها المواطنون الجزائريون فجاء ردّه تلقائيا على أن هذا الأمر لا يجب أن يستمر فما هي إلا أيام حتى منع الجزائريون من استيراد السيارت التي يقل عمرها عن ثلاث سنوات على الرغم من أن الخزينة كانت مستفيدة من الضرائب التي يدفعونها لها وفوق ذلك لا تتحمل البنوك أدنى سنتيم من العملة الأجنبية وفي المقابل سمحوا لكل من هبّ ودبّ استيراد السيارات بمختلف العلامات المعروفة منها وغير المعروفة فكان النزيف المعروف للعملة الأجنبية ما أدى إلى امتلاء الحظيرة الجزائرية بسيارات خردة لا تراعى فيها أدنى شروط السلامة فشكّلت خطرا على الجميع.
تحدث مرّة عن صوامع المساجد قائلا بأن الطابع المغاربي يجعلها مربعة وليس دائرية فماكان للوزارة آنذاك أن سنّت قانونا يمنع بناء الصوامع الدائرية ويفرض عليهم بناء الصوامع المربعة وما خلقه من مشاكل بالنسبة للمساجد التي شرع في بنائها أو تلك التي كانت على وشك الانتهاء.
عندما مسح ديون الفلاحين في حقيقة الأمر مسح ديون الأباطرة الذين استفادوا من الملايير من القروض في استيراد البقر والمعدات الفلاحية بينما لم يستفد الفلاحون الحقيقيون من أدنى إعفاء ولكم أن تلاحظوا الآن قيمة الجرارات والمعدات الأخرى التي تستلزم لخدمة الأرض وكأنهم يدفعون بالفلاحين إلى ترك مهنتهم والتحول إلى أداء مهام أخرى غيرها بينما باع الأباطرة المستفيدون من مسح الديون جميع ممتلكاتهم ليتحولوا إلى حرفتهم الحقيقية:التجارة.
عوض أن يُستقدم المستثمرون لتفعيل عجلة الصناعة في الجزائر نلاحظ قدوم دفعات من الأمراء الخليجين للصيد في المحميات الطبيعية الصحراوية وتحت حماية أمنية مشدّدة حيث عاثوا في الغزلان والطيور والفنك فسادا فهل نسمي ذلك استثمارا؟ أم ردّ جميل؟
في عهدات بوتفليقة لم يسبق وأن توبع أيّ وزير أمام القضاء على الرغم من الفضائح المدوية التي تناولتها الصحافة الجزائرية وحتى العالمية بل على العكس ظل هؤلاء الأشخاص محميين من قبل الرئاسة وعدّلت القوانين حتى لا يسمح لأيّشخص بمتابعتهم الأمر الذي كرّس دولة اللاعقاب وساهم بشكل كبير في تسريع عجلة نهب المال العام بحيث أضحى الفساد معيارا مهما لتقلّد المناصب السامية فعدة مشاريع استنزفت أضعافا مضاعفة من قيمتها من دون محاسبة أيّ طرف نحو الطريق السيار الطريق السريع عبر الصحراء نقل المياه من عين صالح إلىتامنراست المسجد الأعظم السدود....
وحتى ينفلت الأباطرة الصغار من العقاب مكّنوهم من تولي المقاعد البرلمانية لتحصين أنفسهم فظهرت إلى العلن ظاهرة شراء المقاعد وأصبحت وكأنها شيء عادي يمارس علنية مثله مثل الأموال الطائلة التي تجمع وتصرف في الحملات الانتخابية الرئاسية دون أدنى احترام للقوانين المسيرة لها طالما وأن المانحون سيغنمون من وراء تبرعاتهم أضعافا مضاعفة في شكل صفقات بالتراضي.
وعندما تهاوت أسعار البترول وحتى لا تحدث صدمة اقتصادية شبيهة بتلك التي وقعت في الثمانينات من القرن الماضي أو أكثر خطورةمنها اهتدوا إلى فكرة طبع النقود بحيث أنهم لغموا بذلك مستقبل اقتصاد الوطن وهم على يقين بأن الدينار ستتهاوى قيمته وستنضم جيوش أخرى من المواطنين إلى صف الفقراء وهذا هو هدفهم أليسوا هم القائلين: جوع كلبك يتبعك؟
وعبثية التسيير لا تتبناها الرئاسة فحسب بل حتى المعيّنين في المناصب العليا يظهرون عبثيتهم في التسير من خلال تصريحاتهم الغريبة التي تظهر حقدهم الدنيء إزاء الشعب والوطن فالحديث عن الفقاقيروالياوورت وتشبيه الشعب بالكلاب وإمكانية مواجهتهم بالكلاش أوالافتخار علنا بالدراسة مع ميركل وبأن الجزائر أحسن من الدول الأوربية وسب الشعب بعبارة: يلعن بو اللي ما يحبناش...وغيرها من التصريحات تعبّر عن المستوى المتدني لقائليها وتبيّن مدى اللامبالاة التي يتمتّع بها هؤلاء المسؤولينإزاء مناصبهم الحساسة والآثار التي ستترتب عنها أقوالهم ألم يقل أويحيى في 11 فيفري 2019 لأحدصحفيي التلفزة الفرنسية بأن الشعب جد سعيد بترشح بوتفليقة لعهدة خامسة ! لقد عبّر عن حبّه الشديد بحراك 22 فيفري !
لذلك فنحن الآن لا نتعجب من طبيعة الوافدين الجدد إلى سجن الحراش أو الذين سيلحقون بهم فتسييرهم العبثي كان علنيا لأن المناصب التي تقلّدوها لم تكن نتيجة لكفاءتهم بل لولائهم ولم ينظروا البتة إلى مهامهم على أنها تكليف بل على أنها وسيلة للاغتناء لذلك لم يكترثوا لا لنصائح القلّة التي كانت تحذرهم من العواقب التي تترتب عن ذلك التسيير ولا عن الاحتجاجات التي كان يقوم بها أفراد الشعب للتعبير عن سخطهم من الأوضاع التي وصلت إليها البلاد.
ونحن الآن مع الجمعة السابعة عشر للحراك لا يزال الشعب يطالب بتأسيس جمهورية مدنية يتولى تسييرها الكفاءات وفق القوانين لا الأهواء الشخصية فهل سيتعظ المسؤولون القادمون؟ أم أنهم سيسيرون على نفس خطى أسلافهم؟ لنترك التاريخ فهو الذي سيقدّم لنا الإجابة الوافية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.