بقلم: نور الدين مباركي * إن الدافع من وراء الحديث عن هذا الموضوع هو أنه أصبح يمثل إشكالية حقيقية بل أكثر من ذلك معقدة وازدادت تعقيدا بانتشارها وتغلغلها في الوسط الوظيفي خاصة وتحديدا في الوظيفة العامة إن المنهج المتبع من طرف الإدارة العمومية في تسيير موظفيها والذي لم يعد مجرد منهج وإنما فكر قائم بذاته فرض وجوده بل سيطر على البيئة الوظيفية للإدارة العمومية مما أدى إلى تدهور وانحطاط مستوى الإدارة العمومية التي تسعى إلى التطور ومواكبة التطورات والعولمة من خلال تحسين خدماتها كما ونوعا. لكن كيف ذلك والفكر الوظيفي البيروقراطي السلبي القاتل لكل الطموحات والمساهمات والمشاركات وحتى الكفاءات لا يزال قائما ولم يترك مجالا ولا سبيلا للمنهج الجديد والحديث القائم على المساواة والشفافية والثقة والتواصل... طبعا بذكرنا للمنهج الجديد نحن نتكلم عن منطق الكفاءة أو يمكن تسميتها أيضا عقيدة الكفاءة . إن هذه الأخيرة (عقيدة الكفاءة) تحاول كسر وتحطيم المنهج التقليدي والمتمثل في إشكاليتنا التي نحاول تسليط الضوء عليها من خلال هذا المقال ألا وهي عقيدة المنصب . إن هذه العقيدة لا تريد مغادرة الإدارة والفكر الوظيفي للإدارة العمومية وفسح المجال للعقيدة الحديثة العصرية الفعالة ألا وهي عقيدة الكفاءة . بل أكثر من ذلك هي تحاول الصمود والبقاء بشتى الوسائل غريب أمر هذه العقيدة التقليدية ! وهذا ما يدفعنا للتساؤل كيف يمكن لمنطق الكفاءة كسر والقضاء على منطق المنصب ؟ هو سؤال ربما لديه عدة أجوبة وحلول أو ربما لا يوجد له جواب. أضن أن هذه المهمة التي أراها شبه مستحيلة هي أمر متعلق بشيء واحد لا أكثر الإرادة . نعم هي مرتبطة بالإرادة السياسية والإدارية. لكن إذا تحدثنا بطريقة إدارية تقنية وفنية سنرى أن منطق الكفاءة الذي يعمل على تكسير منطق المنصب من خلال إضفاء طابع جديد على عمل الإدارة العمومية والفكر الوظيفي ككل. إن تدخل هذا المنطق الحديث يتحدد من خلال إقامة علاقات جديدة بين الموظف وإدارته سواء من حيث السلوك والمساهمة ومشاركة الأهداف المسطرة من طرف الإدارة. إن منطق أو عقيدة المنصب والتي هي عبارة عن زوج متكون من (المنصب / الأقدمية أو الرتبة) هذا المحرك التقليدي القديم للتطور والتنمية الوظيفية خلال زمن تايلور لم يعد يمثل لا التقدم ولا التنمية المهنية بل أصبح يمثل خطرا ومرضا إداريا لابد من معالجته. ومن اجل معالجة هذا المرض يجب العمل على إقامة نظام تسيير قائم على أسس ومبادئ هي: الكفاءة والأخلاق. منطق الكفاءة وكما ذكرنا سابقا في إحدى المقالات هي جزء من عقيدة إدارية تتمثل في إشراك الموظفين بأهداف الإدارة من خلال التماس مساهماتهم ومشاركاتهم. أما الأخلاق وهذا الجزء أو المبدأ الأساسي والهام جدا يبقى صعب تجسيده في ظل الفكر والإيديولوجية الفاسدة التي طغت وسيطرت على العقل والفكر الوظيفي. لكن يبقى هذا المبدأ قائما وبإيجاد الوسائل اللازمة والآليات الفعالة سيلقى حتما مكانته ونصيبه في الإدارة والوظيفة العمومية. بالرجوع للحديث عن عقيدة المنصب التي لا تفارق الفكر الوظيفي والإدارة العمومية والتي أصبحت تميز العمل الإداري وتعطيه طابعا إداريا غير مرغوب فيه سواء من طرف الموظفين او المواطن. وهذا راجع حتما للنتائج والمستوى المتدهور الذي يظهر من خلال أداء الإدارة العمومية عن طريق موظفيها المتشبعون بعقيدة المنصب وليس الكفاءة. هي كلها أنظمة ومناهج تنطوي تحت لواء فكر وعقيدة إدارية فاسدة هذه الأخيرة نتج عنها فقدان للثقة بين الإدارة والمواطن بل حتى بين الإدارة وموظفيها في بعض الأحيان. حيث أصبح الموظف لا يثق في إدارته بل يتجنب حتى التعامل معها عن قرب وبخالص نية ويفضل البقاء بعيدا يمارس وظيفته دون إعطاءها أهمية او المشاركة والمساهمة في تحسين الأداء أو حتى التطور. إن هذا الوضع المتمثل في انعدام الثقة وانقطاع العلاقة ولو جزئيا سببه الإهمال الإداري نعم هو إهمال تولد عن عقيدة تقليدية بيروقراطية سلبية عقيدة ليس لها أي معيار سواء كان مهنيا تقنيا أو حتى أخلاقيا عقيدة لا تمتاز بأي صفة من صفات المساواة والعدل والشفافية إنها عقيدة المنصب.