حلّ فصل الصيف، إلاّ أنّ الأماكن التي يمكن أن يقضي فيها العاصميون سهراتهم معدودة، خاصّة العائلات البسيطة والتي لا تملك إمكانيات التنقل، ولقد ارتأينا أن نمضي الساعات الأولى من الليل رفقة بعض العائلات العاصمية، بين مختلف الأماكن التي تقصدها. مصطفى مهدي رغم اشتداد الحرارة في فصل الصيف، إلاّ أنّ كثيرا من العائلات العاصمية تضطر إلى البقاء في البيت بعد الساعة السادسة مساء، وذلك نظرا لقلة وسائل النقل، خاصة بالنسبة لتلك التي لا تملك الإمكانيات الكافية، وفي بعض المناطق المعزولة يبدو الخروج للسهر أمرا مستحيلا، إلاّ أنّ هناك بعض الأماكن التي تستقبل العاصميين. مركّبات تضيء ليالي العاصمة مثل مركب كتاني يستقبل يوميا عشرات العائلات التي تأتيه عادة مرفقة بأبنائها الصغار، خاصّة وأنّ هناك مساحات وألعابا للصغار، وكذلك قاعات شاي محترمة للكبار، وهو الأمر الذي وقفنا عليه، ونحن نتجه على الساعة الحادية عشرة مساء إلى ذات المكان، كان هناك ازدحام خانق، كيف لا وقد جاءت كثير من العائلات التي تسكن في باب الواد، وحتى من المناطق المجاورة، جاءت لكي تستمتع بما يوفره المركب من خدمات، خاصّة مع توفر الأمن، مثل عائلة بشيشي حمزة، حيث يقول لنا الأب: "نحن عائلة بسيطة، أتينا إلى هنا لكي نرفه على أنفسنا، تعلمون أنّ ضغط العمل كبير، وزوجتي وأبنائي لا يخرجون طيلة النهار، ربما إلا إلى الحي، وهو الأمر الذي يفرضُ عليّ كأب أن أرافقهم إلى أمكنة مثل هذه، أو هذا المكان بالذات، لأنني لا أعرف سواه". رضا الذي يقول من جهته: "في الحقيقة أنا أسكن بسيدي يوسف، وأتيت إلى هنا بعد أن صحبني صديق لي، جاء بدوره لرؤية بعض الأصدقاء، وأقترح علي أن أرافقه، فآتي مع خطيبتي، ويذهب هو لشأنه ونعود سوية، ولكن، لا يحدث هذا يوميا، وفي العادة أبقى في الحي، والذي ليس فيه شيء، بل حتى النقل لا يوجد بعد الساعة السابعة". الشواطئ ليلا آخرون، وبحثا عن هواء منعش، يفضلون شواطئ البحار التي يتجهون إليها رفقة الأصدقاء والعائلة، مثل شاطئ "رميلة" الذي يمتلئ عن آخره ليلا، تأتي العائلات من كل مكان تقريبا، وتمضي على الشاطئ بعض الساعات قبل أن تعود، ولكن الذي لفت انتباهنا هم الأطفال، خاصة منهم الذين يسكنون قريبا من الشاطئ، والذين يأتون بملابس السباحة، ويبقون يسبحون إلى ساعات متأخرة، قبل أن يعودوا إلى بيوتهم بنفس الملابس، يقول لنا سفيان، 11سنة: "آتي إلى هنا رفقة أصدقائي كل يوم، خاصّة بعد انتهاء السنة الدراسية". وعمّا إذا كان نجح فيها يقول: "لا، ولهذا آتي إلى هنا، لأنّ والديَّ حرماني من العطلة، وها أنا أصنع عطلتي بنفسي، أحينا لا تكون لدي نقود، ولكن لا باس، لا يلزمني إلا ملابس السباحة، آتي بها من حي الساعات الثلاثة، وأعود بها". قال هذا قبل أن يضيف مازحا:"والزوالي ما يعيشش؟". الموانىء وجهة طالبي السكينة ميناء الجميلة، هو الآخر يستقطب العائلات، التي تسكن في عين البنيان، وحتى القادمة من أحياء أخرى من العاصمة، كلّها تفضل إمضاء الوقت في ميناء الجميلة، أو "لامادراك" سابقا، حيث تقول لنا سلمى التي أتت مع أختيها الصغيرتان: "صحيح أننا فتيات، ولكن الأمن شجعنا على القدوم بمفردنا، ولكننا عادة ما نعود مبكرا، حتى لا نتعرض إلى مشاكل في الطريق، ولهذا لا بد أن يتوفر الأمن ليس داخل المركَّبات فقط، ولكن حتى في الطرقات المؤدية لها، وذلك حتى يتشجع سكان المنطقة، على الأقل في دخلوها، فأنا أعرف الكثير من الصديقات اللائي لا يجرؤن على القدوم بمفردهنّ، بين من لا تسمح لهن عائلاتهن بالخروج، وأخريات يخشين مما قد يعترض طريقهن من لصوص وقُطّاع طرق، وهو الأمر الذي يجعلنا نتردد، ونفكر كثيرا قبل ولوج مغامرة مماثلة" يقول سهيل من جهته:"صحيح أنّ هناك أمناً، ولكن بعض الممارسات لا تشجع العائلات على القدوم، هناك سكارى، وعشاق، يُحاولون أن يلوّثوا المكان، ولابدّ من مُعاقبة الفاعلين عقابا رادعا لكي لا يعيدوا الكرّة". بيتزا وشواء آخرون يفضلون أن يتناولوا وجبات العشاء خارجا، فيتجّهون إلى بعض المطاعم، ومحلات الأكل السريع، والتي تبقى الكثير منها تعمل ليلا، وإلى ساعات متأخرة، مثل حي هواء فرنسا، والذي يعتبر من الأحياء التي تبقى محافظة على تقاليد السهرات التي تدوم إلى الصباح، حيث تستقبل محلات الأكل السريع، والمختصة في تقديم الوجبات الخفيفة، تستقبل يوميا مئات الزبائن الذين يأتون من مختلف المناطق، أصدقاء، وحتى عائلات أحيانا يتوقفون ليتناولوا وجبة العشاء، يقول السعيد: "أسكن بباب الواد، ولكن لا محل يوفر ما توفره محلات الأكل السريع هذه، وهو الأمر الذي يجعلني آتي رفقة أصدقائي إلى هنا لأتناول عشائي، خاصة وأني أعمل كقابض تذاكر طيلة النهار، وفي الحي الذي أسكن فيه، أي أنني لا أخرج من الحي أبدا، وهو الأمر الذي يدفعني إلى الخروج ليلا للتفسح". درارية هي الأخرى مدينة تستقبل الكثير من العائلات التي تحاول الترفيه عن نفسها بالخروج، وكذلك تناول وجبة "الشواء" التي توفرها المطاعم الكثيرة المتوفرة على مستوى المدينة، عائلة زهيري، واحدة من تلك العائلات، تقول الأم: "هنا آتي رفقة زوجي وأختي وأبنائها، كلنا نقدم إلى هنا نهاية الأسبوع، ذلك أننا لا نملك الإمكانيات الكافية التي تجعلنا نأتي بصفة مستمرّة، أو كلّ ليلة". هذا ورغم أن بعض الأحياء والمركَّبات تعرف تحسنا، سواء من حيث الخدمات المقدمة، أو من حيث توفر الأمن، إلاّ أنّ هناك مشاكل كثيرة تجعل المُواطنين يعترون الخروج ليلا مغامرة، ليست مضمونة العواقب، فإن لم يكن هناك مشكل النقل، والذي، وفي أغلب الأحياء يتوقف مبكرا، فهناك مشكل الأمن وبعض اللصوص الذين يتربصون بالمواطنين ليلا، ولا ينجو من قبضتهم أحد، إضافة إلى أغلب المحلات التي تقفل أبوابها في ساعات مبكرة، ليخيم على العاصمة جو رهيب في الليل. * بحثا عن هواء منعش، يفضلون شواطئ البحار التي يتجهون إليها رفقة الأصدقاء والعائلة، مثل شاطئ "رميلة" الذي يمتلئ عن آخره ليلا، تأتي العائلات من كل مكان تقريبا، وتمضي على الشاطئ بعض الساعات قبل أن تعود، ولكن الذي لفت انتباهنا هم الأطفال، خاصة منهم الذين يسكنون قريبا من الشاطئ، والذين يأتون بملابس السباحة، ويبقون يسبحون إلى ساعات متأخرة، قبل أن يعودوا إلى بيوتهم بنفس الملابس