مراصد إعداد: جمال بوزيان أخبار اليوم ترصد آراء حول العنف تعزيز المؤسسات الأُسرية والاجتماعية للحد من الظواهر السلبية يتنوع العنف المادي واللفظي في كثير من المجتمعات في البيوت والمؤسسات التربوية والتعليمية والملاعب الرياضية والأسواق وحدائق التسلية والترفيه وقاعات السينما والشواطئ وفي التجمعات السكنية وفي الطرقات وفي العمل وحين الحملات الانتخابية وأثناء الأسفار والرحلات وغيرها.. وأيضا يتنامى العنف اللفظي عبر مواقع التواصل الاجتماعي. سألنا مختصين في علم النفس والتربية وأساتذة وكُتاب وغيرهم: من المسؤول عن العنف بنوعيه؟ وما السبل لعلاج الظاهرة من أجل حياة لطيفة آمنة ودون كراهية وعدوانية وعنف؟. الأستاذة حورية منصوري شاعرة : العنف ظاهرة غريبة عن مجتمعنا الإسلامي.. سببها الأولياء ومشكلات الطلاق قلت ذات يوم عن العنف: إذا المرء للأخلاق هدَّ عمادها وفي سبِّه قد ظلَّ منه يقاتلُ فذاك انحطاطٌ لا يزيد رجولةً تذمُّه الأعراف والأصل فاصلُ إن المرء بأصغريه قلبه ولسانه لقد طغت على مجتمعاتنا ظواهر سلبية خطِرة بل هدَّامة..وأخطر آفة تنبئ عن فشل بعض الأُسر في أداء مهامها التربوية والتعليمية ظاهرة تفشِّي الفُحش المتجلي في السبِّ والشَّتم اللفظي والمعنوي في الأُسرة للأسف والشارع وحتى بالمؤسسات التَّعليمية.. ظاهرة تنبئ بأن المجتمع في منحنى خطِر ولا يؤدي إلا لكسر حواجز التقدير والاحترام والحياء.. إن لم تستح فافعل ماشئت الحياء شعبة من شُعب الإيمان.. ولما نرى مثل هذه الشواذ من الألفاظ أصبحت منثورة على الألسنة نستنتج أن الحياء بدأت عوالمه تذوب في هذا الزحام الممل اللاآمن..وأن مهام الأُسرة والمدرسة لم تعطِي ثمارها المرجوة لبناء إنسان سوي ذو قيم محكم التربية يُتَّكل عليه..فالإنسان الذي يشتت جماعة بألفاظه ويشتت أفراد أُسرة بسبه وشتمه العلني وأحيانا بالإشارة ماذا نرجو وننتظر منه؟ يقول الشاعر حافظ إبراهيم: إنما الأمم الأخلاق ما بقيت...فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا. إنَّ الأحياء السكنية أضحت مستنقعا يلم كلَّ الشَّوائب وهذا يخلق كل الأفعال الشنيعة والبذيئة.. فالطِّفل مقلِّد ماهر يردد كل ما يسمعه وما يراه داخل البيت وخارجه في حيِّه ولدى رفاقه في المدرسة هو كالمغناطيس تلتصق به الإيجابيات إن وجدت والسلبيات وهي التي طفت على سطح الظاهر. هذه الظواهر الغريبة عن مجتمعنا الإسلامي سببها الأولياء ومشكلات الطلاق.. لقد تفككت الأسرة الكبيرة التي كان كل فرد فيها مسؤولا ومربيا.. مسؤولية الجار التي اندثرت وغيرته على جاره..لما كانت الأُسر متلاحمة متماسكة كان المجتمع حينذاك متماسك البنيان وكان الكبير ينهى كل صغير وشاب إذا تلفظا ببذيئ الكلام وكان النصح له قيمته وذروته المثلى. بعض الشباب المرضى يستعملون فاحش الكلام والسَّب كتخويف وكسلاح يرهبون به غيرهم..لكن الحقيقة عكس ذلك تماما. ونتساءل: كيف انتقل هذا الوباء واندس في الغناء وفي العلن وعبر مواقع التواصل الاجتماعي وفي التعليقات أيضا ضد شخصيات مرموقة ثقافيا وعلماء وذوي الشهرة؟نحن في منعرج خطِر لا الأحياء والشوارع آمنة ولا المدارس ولا المؤسسات..فلماذا هذا الفراغ العاتم والمؤجج بالمخاوف؟هل ابتعدنا عن قيم ديننا الحنيف وهو المهذب والمربي والدرع المتين؟أين دور الأُسرة والمدرسة؟هل تفشي البطالة وانهيار الاقتصاد وتدني مستوى المعيشة هي السبب في زعزعة القيم وسلوكيات الفرد؟ كل هذه العوامل المتداخلة لها علاقة فيما نحن عليه.. والحل لابد على الأُسرة أن تتراحم وتتحد وأن تعود إلى مرجعيتها التي كان عليها السلف وعلينا أن نجدد سلوكاتنا ونشبعها بقيمنا الإسلامية ونعطي للمساجد دورها المنوط به وللمدرسين وأن تكون مادة التربية الإسلامية أساسية قبل كل المواد فلا أهمية لعلم وتعليم بلا أخلاق.. إن الاقتداء بالسنة مدرسة كفيلة أن تداوي كل العلل والأسقام الروحية وتقوِّم كل اعوجاج.. وتربية الأمِّ على هذه المبادئ يضمن لنا إنشاء أسرة صالحة فالأم الصالحة تؤثر في من حولها وتأثيرها سينعكس على الأُسرة والمجتمع.. يقول الشاعر حافظ ابراهيم: الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعبا طيب الأعراق. حنان بزيو كاتبة : الوضع الاقتصادي محرك فعلي لارتكاب الجرائم يعد العنف من الظواهر الاجتماعية القديمة والخطِرة في الوقت نفسه لذا أبرزت كسمة لازمت الطبيعة البشرية على اختلاف مستوياتها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية.. في حين عرّفت منظمة الصحة العالمية العنف على أنّه: الاستعمال المتعمد للقوة الفيزيقية (المادية) والقدرة سواء بالتّهديد أو الاستعمال المادي والحقيقي (الفعلي) ضد فرد أو مجموعة أو مجتمع بحيث يؤدي إلى حدوث إصابة أو موت بينما الإصابة النّفسية نمو وحرمان. وقد ساهمت في ظهور العنف مجموعة من العوامل الاجتماعية مثل التّفكك الأسري الطّلاق الإدمان على المخدرات تناول المسكرات والتّنشئة الاجتماعية الخاطئة.. واتخذ العّنف طريقه في حل المشكلات وتعرض الأسر للعنف في مرحلة الطّفولة بينما تجسدت العوامل الاقتصادية في الفقر البطالة تدني المستوى المعيشي والضّغوط المادية لذا اختلفت أنواعه وأشكاله إلى مادي ولفظي هذا ما دفع بنا للتّطرق إلى طرح الإشكالات الآتية:إلى أي مدى تجسدت ظاهرة العنف في المجتمعات وبخاصة منها العربية؟وما أشكاله وأنواعه؟ ولمن سلط عليه الضوء في مسؤوليته؟وما سبل علاج الظاهرة لامتلاك حياة آمنة؟. لا يمكن أن أتطرق إلى إبراز وحل المشكلات المطروحة قبل أن أعرج على تعريف العنف عند علم الاجتماع وبخاصة عند أهل الاجتماع لأنّه مس المجتمعات فردا وجماعة وكذلك نشأته هذا ما نجد تعريفه على أنه استخدام الضغط أو القوة استخداما غير مشروع وغير مطابق للقانون من شأن التّأثير على إرادة فرد أو جماعة ما. بينما تجلت نشأت هذه الظاهرة البارزة في مجتمعاتنا منذ القِدم وهي من المظاهر التّي عايشها الإنسان بداية من حادثة قابيل وهابيل ابني آدم عليه السلام في العنف اللفظي والمجسد في تهديده لأخيه هابيل خاتما هذا العنف بالعنف الجسدي وهو قتل أخيه جاءت مبينة في قول الله عز وجل: {قال لأقتلنك قال إنما يتقبل الله من المتقين 27 لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين 28 إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين 29 فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين 30} سورة المائدة. في حين تجسدت أشكال العنف وأنواعه أولا في العنف اللّفظي وهو الأكثر تأثيرا على نفسية المُعنَّف لهذا كان أول ما ارتكبه قابيل في حق أخيه هو التّعنيف النّفسي ليبرز لنا رب العباد مدى تأثيره على النّفسية البشرية.. فهو يقف عند حد الكلام أو الإهانة لا تتجاوزه إلى آثار جلية على الجسد مما قد تسبب له إحراجا أمام الآخرين فتعمل على الاحتقار منه والسّخرية منه وهذا ما يدفع بالمعنَّف إلى الانطواء وفقدان الثّقة في نفسه. كما تجلت أسباب ظهور العنف حسب التّقديرات للحالات المعنَّفة داخل المجتمع والموزعة بنسبة29.1 لحالة الخلافات الأُسرية بينما 64.3 لحالات الخّلافات المالية والشّخصية.. كما تجلت أسباب أخرى ساعدت الخلافات المجتمعية في الانتشار وهذا ما دفع بها إلى عدم السّيطرة عليها في ارتكاب الجرائم المتنوعة وهي: 1- البطء في إجراء التّقاضي وقيام بعض المواقع الإلكترونية بتوجيه العديد من الانتقادات لكبار مسؤولي الدّولة هذا ما ساعد مرتكبي الجرائم على التّطاول على صناع القرارات. 2- توجه بعض الفضاءات المحلية والعربية والصّحف على تضخيم الحالات المعنَّفة داخل المجتمعات. 3- غياب دور الطّبقة الوسطى في حفظ التّوازن المجتمعي. 4- دور الوضع الاقتصادي الذي مثل المحرك الفعلي على ارتكاب الجرائم المفرزة من قبل المجتمعات كالبطالة والفقر. 5- غياب ثقافة التّرفيه الإيجابي كالمسابقات الثّقافية والرّياضية وغيرهما. 6- التّراجع الكبير لدور المؤسسات الاجتماعية والأُسرية وكذا نبذ معظم التّصرفات السّلبية هذا ما أدى بهم إلى الافتقار للحس الوطني. كما لاحظت أن الفئات الشّبابية هي الغالبية المشاركة في هذا العنف المجتمعي لأنها تراوحت نسبتهم العمرية بين( 18 _ 27)ب47 وكذلك انحصرت فئة ضحايا المشاجرات عند الفئات المتراوحة بين(18_27 ) و(28_37) بنسبة 35 . كما أردت تبيين بعض أهم أشكال العنف المجتمعي التي أبرزها في نظري العنف الجامعي وهي ظاهرة حديثة تنشأ من الاعتداء على أعضاء هيئة التدريس أو على الطلبة أو حتى على الموظفين العاملين حيث تبدأ على شكل خلاف عادي ثم تتطور بعد استغاثة الطّالب وهذا يكون على شكل اتصالات سريعة قد قام بها الضحية فتكمن أهدافه ضمن دوافع أُسرية اقتصادية واجتماعية كذلك الدوافع النفسية والدوافع الإعلامية التي لها الدّور الفعال في التّوعية كما نلاحظ غياب وسائل الضّبط الاجتماعي انعدام التّشاور والاتصال الاجتماعي بين طبقات المجتمع لذا أدرج رفقاء السّوء والصّراع الشّخصي ضمن أهم الأسباب السّالفة الذّكر. كما نلحظ على الطّلبة المشاركين في العنف المجتمعي أنهم يملكون الخصائص الاجتماعية والبيئة الجامعية وكذا الخلفية الأكاديمية في فهم هذه الظّاهرة. بينما مثل كذلك الفراغ الدّراسي أبرز العوامل لهذه الظّاهرة الاجتماعية كونهم لا يستثمرون أوقات فراغهم في نشاطات مفيدة وهادفة وكذا مثل الفراغ اللامنهجي الذي عانى منه جل الطلبة في الجامعات وهذا من عدم المشاركات في النّدوات النّشاطات الرياضية والفنية. أما بخصوص الشكل الثّاني الذي يتمثل في العنف ضد الموظف العّام الذي ظهر في الآونة الأخيرة فمن بين حالات الاعتداء التي يتلقاها الموظفون العاملون كرجال الأمن وقوات الدّرك وغيرهم أثناء تأدية الواجبات المهنية بموجب القانون إما بالشّتم أو بالضّرب الأمر الذي ينعكس على أداء الموظف العام وعلى الخدمات العامة من جهة أخرى سلبا وعلى واجباته التي يترتب عنها تنفيذ ما يصدر إليه من أوامر رؤساء وكذا من الواجب عليه التصرف بلباقة مع رؤسائه وزملائه أثناء تأديته للواجبات القانونية في حين يتحمل المسؤولية الكاملة على السّير الحسن للعمل الموكل إليه. بينما توجد العديد من الأسباب التي تؤدي بالفرد إلى اتخاذ نهج الأسلوب القَبلي والعشائري الذي يضم مجموعة نسبية تشترك في مصلحة معينة كضعف الثقافة القانونية وغياب العدالة الاجتماعية وتراجع وظهور قيادات عشائرية جديدة كذلك الظّهور الجلي لبعض الضّغوطات الاقتصادية ووجود مفاهيم لمدركات عصبية وقبلية مغلوطة كما يعد خروج سلوك الفرد داخلها هو جريمة في حق الجماعة لابد من العقاب عنه.. نلاحظ أن نظام العشائر لم يظهر في الآونة الأخيرة فحسب بل هو متوارث منذ القِدم. أمّا بخصوص العنف الأُسري الذي يجب علينا تسليط الضوء عليه أكثر من بقية أشكاله الأخرى لأنه ظاهرة أعم وأشمل فهو أحد أهم المشكلات المقلقة لدى المجتمعات الغربية وحتى العربية منها هذا ما يؤثر بشكل كبير على استمرار المجتمعات وتماسكها كما لا يمكن أن لا نستهين بصوره ومن أبرزها ظاهرة العنف ضد الطفل والمرأة لكونهما يتأثران بالمَشاهِد العنيفة كما تولد لديهما ضعفا داخليا هذا ما يجعل الطّفل يقوم بتقليد الشّخصيات البارزة لتخفيف الضغط عنه.. أما بخصوص السّلوكات التّي تبقى راسخة في عقله إلى حين ظهور النّزاعات داخل المجتمعات أو الأُسر ليبدع في إبرازها بشكل رهيب. ومن بين الاقتراحات المهمة للحد من انتشار العنف المجتمعي: - دعوة وسائل الإعلام إلى تكثيف تناول كل موضوعات العنف ضد المرأة والطّفل لتغيير نظرة المجتمع وتحسين وضعيتهما. - تعزيز ثقة المواطنين للحد من انتشار الفكر القَبلي والعشائري. - الدعوةإلى زيادة في المؤسسات الحكومية لتلقي الخدمة العامة كونها توفر أفضل الخدمات. - يجب توفير بعض العمادات الخاصة بشؤون الطلبة والقائمة على الأنشطة الترفيهية لكفاية الإرشاد الأكاديمي والاجتماعي. - يجب إيضاح دور مجالس الطلبة وإيضاح المفاهيم الخاطئة لإفراغ العملية الانتخابية من محتواها الجامعي والفكري للحد من المشاجرات الناجمة على الخلفيات الانتخابية الطلابية. - يجب وضع حرس جامعي ذي قدرةوكفاءة تمكنه من الحد من انتشار المشكلات داخل الحرم الجامعي وحسن معالجتها. - يجب تقوية الدور التنويري للجامعات. - يجب الحرص على التحصيل الجيد لطلبة العلم والحد من انتشار المشاجرات. - الحرص على تكوين مجتمعات طلابية خالية من التباين حول القيم والأعراف الاجتماعية.