مراصد إعداد: جمال بوزيان المخدر (GHB) سلاح صامت ووسيلة لاستهداف الضحايا ضرورة التوعية المستمرة لفلذّات أكبادنا تَرصُدُ أخبار اليوم مَقالات فِي مختلف المَجالاتِ وتَنشُرها تَكريمًا لِأصحابِها وبِهدفِ مُتابَعةِ النُّقَّادِ لها وقراءتِها بِأدواتِهم ولاطِّلاعِ القرَّاءِ الكِرامِ علَى ما تَجودُ به العقولُ مِن فِكر ذِي مُتعة ومَنفعة ... وما يُنْشَرُ علَى مَسؤوليَّةِ الأساتذةِ والنُّقَّادِ والكُتَّابِ وضُيوفِ أيِّ حِوار واستكتاب وذَوِي المَقالاتِ والإبداعاتِ الأدبيَّةِ مِن حيثُ المِلكيَّةِ والرَّأيِ. ///// مخدر (GHB): تحليل علمي لخطر يهدّد شبابنا وفتياتنا أمحمد حيدوش مقدمة: مادة ذات وجهين غاما-هيدروكسي بيوتيرات (GHB) هو مادة كيميائية تُعَد من أخطر المواد التي تسربت من الأوساط الطبية المحدودة إلى سوق المخدرات غير المشروعة. ورغم وجوده بكميات ضئيلة في الجهاز العصبي المركزي للإنسان إلا أن استخدامه خارج الإشراف الطبي يحمل عواقب مروعة. صنفته الولايات المتحدةالأمريكية على سبيل المثال مادة من الجدول الأول للمواد الخاضعة للرقابة مما يعني عدم وجود استخدام طبي مقبول لها مع احتمالية عالية للإساءة. يزداد الخطر عند ما ندرك أن هذه المادة أصبحت سلاحا صامتا في حفلات الشباب ووسيلة إجرامية لاستهداف الضحايا وخاصة الفتيات. وقد سبق أن حذر مسؤولون محليون مثل والي ولاية غرداية من دخول هذا المخدر إلى البلاد مما يؤكد أن الخطر لم يعد بعيدا عن مجتمعنا. التركيب الكيميائي وأشكال التعاطي -التركيب: صيغته الكيميائية هي C4H8O3 وهو يعمل في الأساس كمثبط قوي للجهاز العصبي المركزي. -الأشكال الشائعة. -سائل عديم اللون والرائحة: هذا هو الشكل الأكثر شيوعا في الاستخدام غير المشروع وغالبا ما يتم خلطه بالمشروبات. - مسحوق أو بلورات: يمكن إذابته بسهولة. - أقراص أو كبسولات: أقل شيوعا. - التعاطي: يتم تناوله عن طريق الفم في الغالب إما مباشرة أو مخلوطا بمشروب. تبدأ تأثيراته في الظهور خلال 5 إلى 20 دقيقة وقد تستمر حتى 4 ساعات. التأثيرات النفسية والعصبية: من النشوة إلى الذهول تأثيرات (GHB) سريعة وخطِرة وتعتمد بشكل كبير على الجرعة: - جرعات منخفضة: قد تسبب شعورا مؤقتا بالنشوة والاسترخاء وزيادة في الرغبة الجنسية وتثبيطا اجتماعيا. - جرعات أعلى: تؤدي بسرعة إلى الارتباك والدوخة وفقدان التنسيق الحركي وفقدان الذاكرة المؤقت لحوادث الفترة التي يكون فيها الشخص تحت التأثير. - الجرعات العالية: تسبب نوبات صرع وغيبوبة وتوقف التنفس وقد تؤدي إلى الوفاة. الخطر الأكبر يكمن في أن الفرق بين الجرعة التي تسبب النشوة والجرعة القاتلة ضئيل جدا مما يجعل الجرعة الزائدة سهلة الحدوث خاصة إذا تم الخلط بينه وبين الكحول أو أي مواد أخرى تثبط الجهاز العصبي. الإدمان وأعراض الانسحاب يؤدي الاستخدام المنتظم ل(GHB) إلى الإدمان الجسدي والنفسي بسرعة. يُطور الجسم تحملاً للمادة مما يدفع المستخدم لزيادة الجرعة باستمرار للحصول على التأثير نفسه. عند التوقف عن التعاطي تظهر أعراض انسحابية شديدة وخطِرة قد تبدأ بعد 6 إلى 72 ساعة من آخر جرعة وتشمل: - قلقا شديدا أرقا ارتعاشا وتعرقا. - هلاوس سمعية وبصرية وهذيانا. - نوبات صرع. - تسارعا في ضربات القلب قد يهدد الحياة. ونظرا لخطر هذه الأعراض يجب أبدا أن يتم سحب المخدر تحت إشراف طبي صارم في مركز متخصص. الاستخدام الإجرامي: مخدر الاغتصاب هنا تكمن أحد أفظع جوانب خطر (GHB). نظراً لأنه عديم اللون والرائحة وسهل الذوبان فقد أصبح أداة مفضلة لدى المجرمين لاستهداف الضحايا وخاصة النساء والفتيات وذلك عن طريق خلطه في مشروباتهم دون علمهم. يؤدي ذلك إلى: - فقدان سريع للقدرة على المقاومة. - تشوش الذهن وفقدان الذاكرة (فقدان ذاكرة تام للأحداث) مما يصعب على الضحية تذكر التفاصيل أو التعرف على الجاني لاحقا. - تعرض الضحية لخطر الاعتداء الجنسي أو السرقة أو غيرها من الجرائم وهي في حالة عجز تام. آليات التصنيع والتوزيع - التصنيع: يُنتج (GHB) غير المشروع في مختبرات سرية وغير مراقبة عبر تفاعلات كيميائية بسيطة نسبيا مما يجعله جذابا للمروجين. تُستخدم مواد أولية كيميائية قد تكون مشروعة في حد ذاتها ولكن يتم تحويلها. - التوزيع: ينتشر غالبا في حفلات الموسيقى والنوادي الليلية والتجمعات الشبابية. المروجون يستهدفون الشباب والمراهقين بشكل مباشر ويزعمون أحيانا أنه مادة طبيعية أو غير مضرة . - التهريب: بسبب طبيعته السائلة وخلوه من الرائحة يمكن تهريبه بطرق متعددة مما يجعل من الصعب على أجهزة المطار اكتشافه دون فحص خاص. نصائح وقائية للأسر والمؤسسات التربوية حماية أبنائنا وبناتنا تتطلب وعيا وتدخلا استباقيا. المدارس والجامعات والأسرة شريكة في هذه المسؤولية: للطلاب والطالبات: - لا تقبلوا أي مشروب من شخص لا تثقون به ولا تتركوا مشروباتكم دون مراقبة أبدا ولو لدقائق. - إذا تركونا مشروبا لا تعودوا لتناوله. احصلوا على مشروب جديد. - اصطحبوا أصدقاء موثوقين معكم في المناسبات الاجتماعية واتفقوا على مراقبة بعضكم البعض. - إذا شعرتم فجأة بتوعك شديد أو دوخة غير معتادة اطلبوا المساعدة فورا من صديق تثقون به أو من الجهات الأمنية. للأسر: - افتحوا حوارا صريحا ومستمرا مع الأبناء حول مخاطر المخدرات وخاصة تلك التي قد تُعطى لهم دون علمهم. - علموهم كيفية رفض العروض المشبوهة وكيفية التعرف على أعراض التسمم. للمؤسسات التربوية (المديرين الأساتذة المستشارين): - ادمجوا توعية مكثفة حول مخدرات الاغتصاب ضمن برامج التوعية بالمخدرات مع التركيز على الجانب الوقائي العملي. - شجعوا ثقافة الإبلاغ ووفروا قنوات آمنة للطلاب للإبلاغ عن أي سلوك مشبوه أو حوادث. - تعاونوا مع أولياء الأمور ومع الجهات الأمنية والصحية المحلية لتنظيم ورش عمل وندوات توعوية. الخاتمة: مسؤولية جماعية إن (GHB) ليس مجرد مخدر ترفيهي بل هو تهديد مزدوج لصحة الفرد وأمن المجتمع وتأثيره المدمر على الصحة النفسية والجسدية مقترنا باستخدامه الإجرامي كأداة للاعتداء يجعله من أخطر التحديات التي تواجه شبابنا. التصدي لهذا الخطر ليس خيارا بل واجبا وطنيا وأخلاقيا. يتطلب الأمر تعاونا ثلاثيا: الأسرة في التربية والمراقبة والحوار المدرسة والجامعة في التوعية والتثقيف والدولة في التطبيق الصارم للقانون ومكافحة التهريب والتوزيع. حماية أبنائنا وبناتنا تبدأ بالمعرفة وتتحقق باليقظة والعمل المشترك. ///// رؤساء البلديات في الجزائر وتحديات تلبية تطلعات المواطنين: أزمة غياب التسيير التشاركي العلمي أ.فاتح مومن البلدية فضاء تنموي يحتاج للفعالية: تُعد البلدية في الجزائر النواة الأساسية للتنمية المحلية وأقرب هيئة إدارية عمومية إلى المواطن غير أن هذه المكانة لم تُترجم فعليًا إلى استجابة حقيقية لانشغالات السكان إذ يلاحظ في عدد كبير من البلديات عجز واضح عن تحقيق تطلعات المواطنين ليس فقط بسبب محدودية الموارد بل أساسًا نتيجة خلل عميق في طريقة فهم احتياجات المجتمع المحلي وبناء القرار العمومي على مستوى البلديات. الخلط بين الشرعية الانتخابية والمشاركة الفعلية: يقع العديد من رؤساء البلديات في خطإ منهجي يتمثل في اعتبار الفوز في الانتخابات تفويضًا دائمًا ومطلقًا لفهم رغبات المواطنين واتخاذ القرار نيابة عنهم هذا التصور يُغيب حقيقة أن الحاجات الاجتماعية متغيرة ومعقدة ولا يمكن الإحاطة بها عبر التمثيل الانتخابي فقط فالتشاركية لا تعني استقبال بعض المواطنين في المكاتب بل تعني إشراك المجتمع المحلي بمختلف فئاته في تشخيص المشكلات وتحديد الأولويات واتخاذ القرارات التي تدور نتائجها حول بيئته ومحيطه المعيشي. الاستقبال الفردي كمصدر لتصورات عرجاء: تعتمد أغلب البلديات على استقبال اعداد من المواطنين غالبًا من نفس الدوائر الاجتماعية أو من أصحاب المطالب الفردية ويتم تعميم هذه الانطباعات الجزئية على كامل الإقليم البلدي هذه الممارسة تنتج تصورات غير دقيقة وتُقصي فئات واسعة من السكان خاصة الشباب والنساء وسكان الأحياء الهامشية ما يجعل القرار المحلي منفصلًا عن الواقع الحقيقي للمجتمع ناهيك عن اهمال الجوانب العلمية لمعالجة هذه الانشغالات المقدمة من طرف المواطنين بسبب عدم امتلاك المهارات والمعارف الأساسية التي يتطلبها ذلك لدى أغلب رؤساء البلديات. غياب التسيير التشاركي كمنهج علمي: التسيير التشاركي ليس ممارسة ارتجالية ولا خطابًا سياسيًا بل مقاربة علمية قائمة على أدوات دقيقة لفهم المجتمع المحلي لذلك تسعى الدولة إلى تعميمه وتكليف رؤساء البلديات بتنفيذه غير أن أغلب رؤساء البلديات يفتقدون للتكوين في هذا المجال ولا يوظفون آلياته الأساسية فيُتخذ القرار دون الاستناد لبيانات واقعية ودون تحليلها علميا ودون إشراك منظم للمواطنين. المجموعات البؤرية كأداة غائبة عن التشخيص المحلي: تُعد المجموعات البؤرية من أنجع الوسائل لفهم انشغالات المواطنين بعمق من خلال نقاش منظم مع عينات ممثلة لمختلف الفئات الاجتماعية غير أن هذه الأداة شبه غائبة عن ممارسة تسيير شؤون البلدية ما يحرم المنتخب المحلي من فهم نوعي ودقيق لطبيعة المشكلات الحقيقية بدل الاكتفاء بالانطباعات السطحية. العصف الذهني المحلي وإهدار الذكاء الجماعي: يغيب العصف الذهني الجماعي عن عمل اغلب المنتخبين في المجالس الشعبية البلدية رغم كونه وسيلة فعالة لإنتاج حلول محلية مبتكرة بمشاركة المواطنين والفاعلين الجمعويين والخبراء. هذا الغياب يُفقد البلديات فرصة الاستفادة من الذكاء الجماعي ويُبقي الحلول حبيسة الرؤية الفردية لرئيس البلدية أو دائرته الضيقة. الاستبيانات والتنقيبات وغياب القرار المبني على المعطيات: نادرًا ما تلجأ البلديات إلى استبيانات علمية أو تنقيبات ميدانية منظمة لفهم أولويات السكان ونتيجة لذلك تُنجز المشاريع بناء على قرارات ظنية غير يقينية تستند إلى حدس المنتخبين وحفظ التوازنات الاجتماعية والتي قد لا تستجيب للحاجات الحقيقية أو قد لا تتلاءم مع الخصوصيات الاجتماعية والاقتصادية للمنطقة ما يؤدي إلى احتمال ضعف الأثر التنموي وهدر المال العام. آثار غياب التسيير التشاركي على الثقة المحلية: يؤدي هذا النمط من التسيير إلى سوء ترتيب الأولويات وتراجع ثقة المواطن في البلدية كما تتحول بعض المشاريع التنموية إلى مصادر توتر بدل أن تكون أدوات استقرار لأن المواطن يشعر بأنه غير معني بالقرار ولا شريك فيه. أسباب عزوف رؤساء البلديات عن المشاركة العلمية: يرتبط ضعف التسيير التشاركي بعدة عوامل أبرزها ضعف التكوين الإداري والعلمي للمنتخبين وهيمنة ثقافة الخوف من النقد والمساءلة إضافة إلى الاعتقاد الخاطئ بأن إشراك المواطن يُضعف سلطة المنتخب في حين أنه في الواقع يعزز شرعيته ونجاعة قراراته. نحو إعادة بناء البلدية على أساس تشاركي: إن إصلاح العمل البلدي في الجزائر يمر حتمًا عبر إدماج التسيير التشاركي كخيار استراتيجي-وهذا ما تعمل عليه الدولة- وتكوين رؤساء البلديات في أدوات التشخيص العلمي وإشراك الجامعات والخبراء المحليين في مساعدتهم على تنفيذ هذه الآليات خاصة من خلال طلبة تخصصات الإحصاء والتخطيط وعلوم التسيير والاقتصاد وعلوم النفس والاجتماع وغيرها وتحويل المواطن من متلق سلبي للخدمة إلى شريك فعلي في صناعة القرار المحلي. إن فشل العديد من رؤساء البلديات في تلبية تطلعات مواطنيهم ليس قدرًا محتومًا بل نتيجة مباشرة لغياب المنهج العلمي في فهم المجتمع المحلي فبدون مجموعات بؤرية ولا عصف ذهني ولا استبيانات ولا تنقيبات ميدانية سيظل القرار البلدي قائمًا على تصورات مبتورة لا نعلم مدى تقاربها مع الواقع فوحدها البلدية التشاركية القادرة على استعادة الثقة وتحقيق تنمية محلية حقيقية تنطلق من المواطن وتعود إليه. ///// من حضن يربّي إلى منصّة تُدرّس: أزمة التعليم حين تُحمَّل للأم.. أ.سعاد عكوشي لم تكن عبارة الأم مدرسة... مجرد استعارة شاعرية يزيّن بها الأدباء خطابهم العاطفي بل تحوّلت مع الزمن إلى حقيقة اجتماعية تفرض نفسها على تفاصيل الحياة اليومية. غير أنّ هذا التحوّل لم يأتِ بالبساطة التي يتصوّرها البعض فقد تغيّرت الأدوار وتبدّلت البُنى الأسرية وتدخلت منظومات كاملة—ثقافية وتعليمية واقتصادية—لإعادة تشكيل صورة الأم حتى غدت مدرسة قائمة بذاتها لا بمعنى الرفعة فقط ولكن بمعنى العبء والتجاوز والملء القسري للفراغات التي يخلّفها المجتمع. إن دخول الأم إلى الحقل التعليمي داخل البيت لم يكن خيارًا حرًّا أو رفاهًا تربويًا بل كان استجابة قسرية لفراغ أحدثته المدرسة الحديثة حين انسحبت جزئيًا من أدوارها الأولى. وهكذا وجدنا أنفسنا أمام مشهد تتقدّم فيه الأم إلى السبورة لا لتؤكّد جدارتها بل لتسدّ ثغرات نظام لم يعد قادرًا على حمل رسالته. أول ملامح هذا التحوّل أنّ المدرسة لم تعد تعلّم كما ينبغي. ازدحام الأقسام ضيق الوقت ضعف الموارد ضغط الامتحانات اختزال المعرفة إلى تمارين وأسئلة—كلها عوامل دفعت المدرسة إلى التركيز على إنجاز البرنامج بدل فهم الطفل . ومن هنا تسرّب العبء صامتًا إلى البيت وتحوّلت الأم إلى مُدرّسة مكمّلة تُعيد شرح الدرس تفكّك التعريف تدرّب على التمارين وتفتّش في تفاصيل المنهج أكثر مما يفعل أصحاب المهنة أنفسهم. التحوّل الثاني يكمن في ثقافة القلق الأسري. لم يعد مستقبل الطفل يُبنى على التعليم وحده بل على منافسة شرسة في كل شيء: المعدلات المسابقات الشهادات حتى ما يُسمّى التحصيل المبكر . ووسط هذا السباق تُدفع الأم إلى حمل دور المعلّمة وكأنّها ضامن وحيد لعدم سقوط طفلها من قطار التفوق. هكذا ينشأ ضغط مُضاعف: ضغط المدرسة على الطفل وضغط المجتمع على الأم وضغط الأم على نفسها. كلُّه يخلق دائرة لا تنتهي من القلق المتبادل. ثم تأتي التكنولوجيا لتزيد التحديات حدّةً فالطفل اليوم يتلقى معارف متنافرة من الإنترنت وفي أغلب الأحيان بلا سياق وبلا ضابط. فتجد الأم نفسها مضطرة مرّة أخرى إلى أن تكون مُدرّسة—لكن من نوع جديد: مُدرّسة للقيم للتمييز بين المعلومة والزيف بين المعرفة المتدرجة والمعرفة السريعة التي تُشبه الوجبات الجاهزة. إنها مهمّة تربوية مضنية تقوم عليها الأم وحدها تحت مسمى المتابعة المنزلية بينما هي في حقيقتها وظيفة تربوية كاملة لا يعترف بها أحد. غير أنّ أشد جوانب الظاهرة خطرًا هو اختلاط الأدوار. حين تصبح الأم مُدرّسة داخل البيت تتغيّر العلاقة الحميمية التي كانت تجعل من الأم حضنًا نفسيًا قبل أن تكون مرجعًا معرفيًا ينقلب الحوار بين الأم والطفل إلى سلسلة ملاحظات: انتبِه أعد الحلّ لماذا لم تحفظ؟ . وتصبح الأوقات التي يفترض أن تكون للضحك والحديث ساحة امتحانات يومية. إنّ المدرسة حين تدخل البيت تفقد الأسرة شيئًا من خفّتها الروحية ويحل مكانها التوتر. ولأنّ المقال نقديّ ينبغي أن نطرح السؤال الأساس: هل هذا الدور الجديد للأم صحي؟ الجواب: ليس دائمًا. لأنّ الأم مهما بلغت كفاءتها ليست مطالبة بأن تتحمّل وحدها فشل المدرسة في أداء رسالتها. التعليم المنزلي المُجبَر يشوّه علاقة الأم بأبنائها ويحوّل يومياتها إلى دوام ثان بلا حقوق وبلا اعتراف. كما أنّه يحرم الطفل من استقلاليته ويجعله يعتمد على المرافقة بدل بذل الجهد الذاتي. الحلّ ليس في إدانة الأم—فهي آخر من يجب أن يُلام—بل في إعادة هيكلة العلاقة بين المدرسة والأسرة: مدرسة تؤدي دورها وأسرة تدعم ولا تعوّض وأم تستعيد دورها الأصلي: راعية موجِّهة صاحبة أثر وجداني وتربوي عميق... لا مُدرّسة بديلة. في النهاية تحوّل الأم إلى مُدرّسة علامة على خلل أكبر لا بد من معالجته. هو مؤشر على هشاشة المنظومة التعليمية وانسحاب الأب من دوره وثقافة مجتمعية تُقدّس الأم قوليًا وتحمّلها فعليًا أضعاف ما تحتمل. وما لم يُعَد تعريف دور المدرسة بدقة ودور الأسرة بوعي ستظل الأم تحمل الطباشير في يد والبيت في يد والمستقبل كله على كتفيها.