مخابر متنقلة لحماية المستهلك وتعزيز الرقابة    ملفّات هامّة على طاولة الحكومة    حربٌ على المخدّرات في المدارس    تبّون: الجزائر حقّقت إنجازات كبرى    رزيق يستعرض الجهود    الاتحاد يفوز..    رونالدو يكرّر هدفه    حجز طائرات درون بسطيف    مشروبات الطاقة خطر على الصحّة    مشروع نموذج جديد للاستهلاك الطاقوي في الجزائر    تنافسية استثنائية تمتلكها الجزائر لإنتاج الهيدروجين المتجدد    حروب الجيل الخامس و السيبرانية تعمل على إفساد الأسرة    حماية المعطيات الشخصية من رهانات السيادة الوطنية    عرض مسودة مشروع تعديل القانون الأساسي ديسمبر المقبل    ماندي يؤكد مع ليل ويدعم موقف فلاديمير بيتكوفيتش    لست قلقا على مكانتي مع "الخضر" وسأنتظر فرصتي    دينامو زغرب يطمئن بخصوص إصابة بن ناصر    تمكين متربّصي التكوين من خدمات النقل الجامعي    دعم الجزائر ثابت لمنتدى الطاقة الدولي    ترسانة من القوانين لحماية حرائر الجزائر    انطلاق المهرجان الوطني للمسرح الأمازيغي بباتنة    "جنازة أيوب".. حينما يفجر الميراث العائلة    استعداد للاحتفال بالذكرى ال193 للبيعة الأولى للأمير عبد القادر    المؤسسات الاستشفائية تحت مجهر وزارة الصحة    الرادار يرصد 461 مخالفة سرعة    مئات المدارس الجديدة عبر الوطن    الجزائر تستعد لاحتضان المنتدى الإفريقي الرابع للمؤسسات الناشئة... وعرقاب يستعرض مكاسب التحول الاقتصادي    وزارة الصحة تطلق حملة وطنية للتلقيح ضد شلل الأطفال عبر ثلاث دورات    نعمل حاليا على مراجعة القانون المتعلّق بتوحيد ترقيم المركبات    إطلاق برنامج التكوين في مجال الخدمة الاجتماعية للأمن الوطني    أفريقيا فعلا للأفارقة..؟!    بتفقد عدّة مشاريع بالعاصمة قيد التهيئة والتأهيل حاليا    هذه أسلحة بوقرة في كأس العرب    بنك ABC الجزائر يمنح قرضا يصل إلى 400 مليون سنتيم    هذه أضعف صور الإيمان..    شجرة الأخلاق تسمو بالبشر نحو الصفاء الروحي    مريبعي: الجزائر تتحمّل العبء الأكبر    يوم تكويني للمشرفين على تربص طلبة السنة الثالثة    "حماس" تنفي إنهاء اتفاق وقف إطلاق النار    المؤمن لا يعيش بين لو وليت    {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا} …ميثاق الفطرة    فتاوى : زكاة الذهب الذي ادخرته الأم لزينة ابنتها؟    غزّة لا تزال تفعل العجائب    البحث مستمر عن مفقودين.. حصيلة فيضانات فيتنام ترتفع إلى 90 قتيلاً    حجز 1.290 كلغ من الذهب و15200 أورو    بودن يلتقي بكينشاسا مع الأمين العام للاتحاد البرلماني الدولي    أوكرانيا في مرمى العاصفة الأمريكية    اليوم التالي بنسخته الأمريكية    قرعة الحج تصنع أفراح آلاف العائلات    تخصيص 100 ألف يورو مساعدات للاجئين الصحراويين    نخطّط لتجهيز مؤسسات الشباب بالعتاد والوسائل الحديثة    وزير الصحة يبرز جهود الدولة    الرئيس يترحّم على ابن باديس    ترقية المنظومة الوطنية الصحية في الهضاب العليا والجنوب    توقرت تحيي الذكرى ال68 لاستشهاد البطلين محمد عمران بوليفة ولزهاري تونسي    يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار    تحسبا لكأس أفريقيا 2025.. 3 منتخبات إفريقية ترغب في إقامة معسكرها الإعدادي بالجزائر    عمورة ثالث هدافي العالم في تصفيات مونديال 2026    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إحلق رأسك وقاوم
نشر في أخبار اليوم يوم 23 - 10 - 2022


بقلم يحيى مصطفى كامل
اثنا عشر يوماً هي الفترة التي قضاها الشهيد عُدي التميمي حراً طليقاً وإن مطارداً قبل أن يسقط على مدخل مستوطنة معاليه أدوميم. يصعُب بعد رحيله تصور ما كان يجول في خاطره طيلة تلك الأيام بدقة ولا نستطيع بعد ارتقائه أن نتكهن بما كان يعتمل في صدره من مشاعر ولا بالغضب الذي لا بد أنه دفعه في المقام الأول للإقدام على عمليته الأولى عند حاجز شعفاط لكننا استناداً إلى ما كتبه شخصياً نعلم أنه كان موقناً بنهايته الحتمية القريبة باستشهاده.
تلك كانت الضربة الأولى ضربةٌ لحالة الركود الداخلي في ظل تغيرات دولية مزلزلة والاستكانة والتسليم التي ركن لهما النظام الرسمي العربي الميت – الحي ذلك المرهق المسكون بالهزيمة الخارج في مجمله من موسم ثورات مهزومة الذي يعيش ليل الثورة المضادة.
*شرارة الغضب
أما الضربة الثانية والمدهشة تماماً بقدر ما هي مبهجة فهي تلك التي أقدم عليها الشباب الفلسطيني الذي ما أن أذاعت قوات الاحتلال أن مرتكب الهجوم الأول كان أصلع أو حليق الرأس حتى سارع في المناطق المحيطة إلى الحلاقين وقاموا بحلق رؤوسهم تماماً بالمجان في لفتة أو فعل لنكن أدق تضامن ليصعب بل شبه يستحيل على قوات الاحتلال ملاحقته والعثور عليه. كلا الموقفين والأيام المشحونة التي صاحبتهما حتى سقوط عدي شهيداً وما أعقب ذلك من مظاهر الفخر والحزن والحداد وتجديد العهد على الصمود والمقاومة تستحق الوقوف أمامها فترةً للتأمل واستنتاج وقراءة ما تحت السطح من دلالات قبل أن ينجح الإعلام العربي في طمسها كما يفعل دائماً.
*مشروع الاحتلال الاستيطاني والدولة غير المنيعة
لم يخف على مؤسسي الكيان الصهيوني وداعميهم الغربيين خاصةً السياسيين المحترفين العمليين الذين لا يصدرون عن آراء دينية أو أيديولوجية في المقام الأول أن المشروع برمته وعلى الرغم من فوائده العملية غير طبيعي. إنك تزرع كياناً غريباً ومنفصلاً ومتبايناً في محيط منسجم بصفة عامة تخلق عبر آلاف السنين.
ما يحدث منذ زيارة السادات للقدس (وما قبلها في حقيقة الأمر) هو محاولة فرض هذا الحضور والقبول به بشتى الوسائل ولعل كلمة التطبيع شديدة الدقة إذ أن المحاولة كانت ولم تزل لجعل الناس يبتلعون ومن ثم يستسيغون خسارة أراضيهم وأوطانهم وذكرياتهم وشتاتهم وإهانتهم ومعاملة الباقين منهم كمواطنين من الدرجة الثانية فما أقل والقبول بالعجرفة والتعالي الإسرائيليين من قبل المحيط العربي بأكمله. في سبيل ذلك استُخدمت القوة لتأكيد معاني المنعة واستحالة التغيير بالقوة المضادة وغرس اليأس من ذلك والتسليم وقد أتت بنتيجة إذ تخلت دول المواجهة عن فكرة الكفاح المسلح ولم يبق سوى التفاوض (تسول مقنع طويل وعبثي ومضن لاستعادة الحقوق في حقيقة الأمر) هذا بالطبع مقرون بالتلويح ببعض المكاسب المادية التي تصب في جيوب الشرائح الحاكمة والمتحلقين حولها.. ثم تأتي عمليةٌ كعملية عدي التميمي لتثبت أن كل الترتيبات ليست سوى مبان من الرمال إن الاحتلال الاستيطاني في قلب العالم العربي لم يزل غير طبيعي المحيط يمجه ولن يلبث أن يلفظه والشعوب المحيطة ستفيق يوماً ما على بشاعة الحقيقة. الأهم تثبت العملية أن فرداً واحداً بمسدس قادرٌ على فضح هشاشة وزيف هذه الترتيبات وأن الدولة الصهيونية والآلة الإسرائيلية الأفضل تنظيماً والأكفا غير منيعة بالمرة.
*الأنظمة المهزومة والحاضنة الشعبية وإرادة المقاومة
لقد أثبت إقدام الشباب الفلسطيني على حلق رؤوسهم على أن ما لا يقل أهميةً عن فعل المقاومة هو إرادة المقاومة فهي موقفٌ في حد ذاتها وفعل تحيز يؤدي إلى نتائج طال الزمن أم قصر وقد أثبتوا أنه كفيلٌ بدفع الناس للابتكار والتجديد بطرق مدهشة ويستحيل مجابهتها من العدو. كما أثبت في تواتر معضد للكثير من المواقف السابقة أن الحاضنة الشعبية الفلسطينية للمقاومة لم تزل بخير حيةً نابضةً مستعدةً للدعم والتفاني رغم الجوع والحصار وأن المشكلة كانت ولم تزل في الأنظمة والطبقات الحاكمة التي ارتضت بالوضع الراهن وراهنت منذ منتصف القرن الماضي ربما منذ نشأة الكيان وعلى مراحل على المحور الأمريكي- الإسرائيلي ومن ثم رأت المستقبل والطريق في التسوية واعتبار المشكلة الفلسطينية مسألة منتهية ومشكلة لاجئين أو فائض بشري في نهاية الأمر سيتم استيعاب جزء منه في الكيان الصهيوني والباقي سيتم تصريفه في قنوات متعددة في الداخل ودول الجوار( ما تحملت) والمهاجر وينتهي الموضوع ودمتم..
لم تعد تلك الأنظمة تهتم بطبيعة الكيان الصهيوني ومغزاه والهدف منه فكل ما يهمها هو البقاء بأي ثمن والاستمرار في الاحتفاظ بنفوذها وثرواتها لذا دأبت على استغلال المقاومة كورقة ضغط في سبيل مصالحها وتحسين شروط الاستسلام وفي النهاية تخذلها وتسلمها أو تتخلى عنها للإسرائيليين يفعلون معها ما يشاؤون.
لست أكتب هذا مزايداً ولا متحذلقاً ولا داعياً لأي عمل متهور بل لتأكيد أن الوضع لن يستقر ولن يستمر على هذه الحال وإنك لا تعرف من أين ستأتي الشرارة التي ستضرم كل شيء ولا كم عدي آخر يمشي في شوارعك يا فلسطين مجهولاً حتى الآن. حين كنت أسمع كلمات كابتن غزالي وعظم اخواتنا نلمه نلمه نسنه نسنه نعمل منه مدافع وندافع كنت أحسبه مجرد صرخة عاطفية لقلب جريح إلا أنني مع الوقت رأيت وفهمت: إنها إرادة المقاومة والصمود التي دفعت أبناء السويس لمجابهة آلة الحرب الإسرائيلية في أكتوبر 73 وأهل بيروت في 82 وأبطالنا في فلسطين الذين لا ينتهون ولا يكفون عن المقاومة بصغارهم بنسائهم بمقعديهم.. بعُديهم وحالقي رؤوسهم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.