مراصد إعداد: جمال بوزيان في إطار إصلاح المنظومة التربوية.. ضرورة التخطيط الوطني الجيّد ل التعليم بالدوام الواحد قطاع التربية والتعليم قطاع كبير وحساس جدا وتظهر من حين إلى قضايا جدلية بين العاملين فيه من ذوي الخبرة سواء أكانوا موظفين أو متقاعدين. دون ريب تحتاج تلك القضايا الشائكة إلى حوارات مستمرة وتوسيع النقاشات من أجل التوافق الوطني على حول لمشكلات أو تعديل مقترحات أو إيجاد بدائل بهدف تطوير منظومة التربية والتعليم ومواكبة المعايير العالمية. من بين القضايا التي يتناولها أهل القطاع نظام التعليم بالدوام الواحد .. سألنا عن إيجابيات وسلبيات هذا النظام وتوافقه مع كل المؤسسات التربوية والتعليمية وطلبنا اقتراحات. ///// التعليم بالدوام الواحد .. بين ضرورات الإصلاح التربوي ومزالق التخبّط الإداري * أ.د.الصالح شليحي الدوام المدرسي.. قد يكون سؤالا أكثر عمقًا مما يبدو.. يخيّل للبعض أن النقاش حول الدوام المدرسي مجرد جدل إداري بين فترتين: صباحية ومسائية أو بين دوام واحد ومزدوج. لكن الحقيقة أعمق بكثير. فالدوام المدرسي هو إيقاع الحياة المدرسية هو الزمن الذي يتشكل فيه وعي الطفل ويُبنى فيه مشروع الأستاذ وتُترجم فيه سياسات الدولة التعليمية. ولذلك حين نناقش الدوام الواحد فنحن لا نناقش ساعة أو ساعتين بل نناقش فلسفة تعليمية كاملة بوصلة تحدد: هل نريد مدرسة تحفظ المعارف أم تصنع الإنسان؟ هل نريد زمنًا يرهق المتعلم أم زمنا يمنحه الحياة؟ فلسفة الزمن التربوي.. أكثر من مجرد ساعات الزمن في التربية ليس عنصرًا محايدًا. إنما هو المعلم الصامت الذي يطبع شخصية المتعلم. فالتلميذ الذي يقضي يومه بين تنقلات مرهقة وحصص متراكمة يخرج بوعي مختلف عن التلميذ الذي يعيش زمنًا هادئًا متوازنًا. هنا يأتي الدوام الواحد كخيار أكثر انسجامًا مع الفلسفة التربوية الحديثة لأنه يسمح بتركيز الجهد في الفترة الذهبية (الصباح خاصة) ويترك فسحة بعدية للراحة للإبداع وللتواصل الأسري والمشاركة الاجتماعية. الدوام الواحد.. زمن لبناء الكفايات لا الحشو منذ عقود تحوّلت التربية في العالم من التلقين إلى الكفايات. لم يعد الهدف هو ملء ذهن التلميذ بالمعلومات بل تمكينه من أدوات التفكير والتحليل والإبداع. والدوام الواحد قد يخدم هذه الفلسفة لأنه: - يمنح تعلّمًا مكثفًا مركزًا في ساعات النشاط العقلي الأعلى. - يترك مساحة لأنشطة لا صفية تنمّي شخصية التلميذ (رياضة فنون مسرح مطالعة...). - يخفف من الإرهاق الذي يقتل كل رغبة في التعلم بعد منتصف النهار. وقد لخّص أحد المربين هذه الحقيقة بقوله: التعليم زمن فإذا اختلّ الزمن اختلّ التعليم . من إرهاق الأستاذ إلى فسحة الإبداع ليس التلميذ وحده من يعاني من ضغط الدوام المزدوج بل المعلم أيضًا. في النظام المزدوج يقضي الأستاذ يومه بين أقسام متلاحقة فيُنهك ويضطر إلى الاقتصار على أبسط الطرائق. أما في الدوام الواحد فيستعيد الأستاذ أنفاسه ويتسع له المجال ليبتكر ويجرّب استراتيجيات جديدة: التعلم بالمشاريع التعليم المدمج العمل التعاوني. وقد أثبتت بحوث تربوية عديدة أن أداء المعلم يرتبط ارتباطًا وثيقًا بإيقاع يومه وأن المعلم المرهق لا يمكن أن يكون ملهمًا. التجارب الدولية: فنلندااليابانوتونس نموذجًا 1- فنلندا: حيث المدرسة بيت للتلميذ فنلندا التي تتصدر التقييمات الدولية (PISA) تعتمد دوامًا مدرسيًا قصيرًا نسبيًا: يبدأ حوالي الثامنة صباحًا وينتهي منتصف النهار أو بعده بقليل. لكن قوة التجربة تكمن في استثمار ما بعد الظهيرة: حصص اختيارية ورش موسيقى مختبرات مفتوحة. وهكذا تتحول المدرسة إلى فضاء عيش لا مجرد حجرات درس. 2- اليابان: الدوام المدرسي والروح الجماعية في اليابان يُنظم الدوام بحيث ينتهي منتصف النهار لكن التلاميذ يبقون طوعًا بعد الظهر للمشاركة في أنشطة جماعية: تنظيف المدرسة أندية الثقافة والرياضة. وهكذا تتشكل شخصية منضبطة مسؤولة متعاونة. 3- تونس: تجربة عربية واعدة في تسعينيات القرن الماضي اعتمدت تونس تجربة الدوام الواحد. ورغم الصعوبات فقد ساعد ذلك في خفض نسب التسرب وتخفيف الضغط على الأسر. التجربة التونسية أكدت أن القرار ممكن عربيا إذا توفرت الإرادة والبنية التحتية. البعد النفسي والصحي.. التعلم في ذروة الطاقة تؤكد الدراسات الحديثة: -الطاقة الذهنية للطفل تبلغ ذروتها بين الثامنة صباحًا والواحدة ظهرًا. -الدوام الطويل يؤدي إلى الملل ضعف التركيز وأحيانًا العدوانية. -العودة إلى المدرسة بعد قيلولة مرهقة تكسر إيقاع الأسرة كلها. إذن فالتلميذ يحتاج إلى زمن متوازن: تعلم صباحًا راحة وأنشطة بعد الظهر. وهذا بالضبط ما يوفره الدوام الواحد. حين يتحول الزمن إلى خصم في النظام المزدوج يتحول الزمن من أداة للتعلم إلى عبء. التلميذ يتنقل مرتين الأسرة تتشتت بين مشوارين والأستاذ يتعب من مضاعفة الحصص. وهكذا يصبح التعليم مرادفًا للتعب بدل أن يكون مرادفًا للمعرفة. ولعل أبلغ سؤال يطرحه أحد المربين هنا: إذا كنت لا تعرف إلى أين أنت ذاهب فكيف عرفت بأنك وصلت؟ . المنهاج الجلي و المنهاج الخفي في هذا السياق يبرز مفهوم نحته الأستاذ محمد فؤاد معجوج مفتش التعليم المتوسط في مادة اللغة العربية والشاعر المعروف المنهاج الجلي والمنهاج الخفي . فالمدرسة لا تدرّس فقط بما هو مكتوب في المقررات (المنهاج الجلي) بل بما هو مضمر في القِيم والعلاقات (المنهاج الخفي). الدوام الواحد يساعد على تحقيق الانسجام بين الاثنين: - المعارف تُعطى في الصباح. -والقِيم تُبنى عبر الأنشطة الحرة في ما بعد الظهيرة.. أما الدوام المزدوج فيحوّل المدرسة إلى ورشة ميكانيكية ويقضي على التربية الوجدانية والجمالية. البعد الاجتماعي والاقتصادي باختصار -على الأسرة: يقلل من كلفة النقل والإطعام ويوفر وقتًا أطول للقاء الأسري. -على المجتمع: يتيح استغلال المدارس مساءً كمراكز ثقافية ورياضية. -على الدولة: يخفف من ضغط الطاقة والنقل المدرسي ويرفع المردودية. دراسة ميدانية في إحدى الولاياتالجزائرية (2018) أثبتت أن الأسر أنفقت في الدوام المزدوج ضعف ما أنفقته أسر أخرى في مدارس الدوام الواحد. بعض الشهادات من الميدان أستاذة لغة عربية (ه.ص): ... نظام الدوام المزدوج يجعلني أعود إلى البيت متهالكة. عكس الدوام الواحد الذي يمنحني حيّزا زمنيا محترما فأعود قبل العصر وأجد وقتًا للتصحيح والإعداد والراحة والتحضير الجيد . ولي تلميذ (ب.م): أعتقد أن ابني يستفيد أكثر في الصباح وفي المساء قد يستغل ذلك في بعض الأنشطة كالذهاب إلى النادي الرياضي بدل أن يرهق في القسم مرتين في اليوم... . تكشف هذه الشهادات أن النقاش ليس نظريًا بل يمسّ تفاصيل الحياة اليومية. التحديات.. بين المثال والواقع رغم وضوح المزايا يبقى التطبيق محفوفًا بعقبات: -ازدحام الأقسام في بعض المدن. -نقص البنية التحتية. -مقاومة بعض الإدارات خوفًا من التغيير. لكن هذه التحديات ليست عذرًا لعدم الإصلاح. بل هي دعوة للتخطيط المرحلي: تعميم الدوام الواحد تدريجيًا مع تحسين التجهيزات وتكوين الأساتذة. مستقبل الدوام الواحد.. بين المدرسة الرقمية ومجتمع الذكاء الاصطناعي اليوم ومع صعود الذكاء الاصطناعي والتعليم الرقمي يصبح الدوام الواحد أكثر ملاءمة. فالمدرسة لم تعد المكان الوحيد للمعرفة بل صار التلميذ قادرًا على التعلم عبر المنصات الرقمية. إذن فالأجدى أن تمنحه المدرسة صباحًا متوازنًا وتترك له بعد الظهر فضاءً للاستكشاف الذاتي والتعلم الإلكتروني. البوصلة قبل السفينة الدوام الواحد ليس مجرد قرار إداري بل رؤية حضارية. هو إعلان أن المدرسة ليست سجنا زمنيا بل فضاءً للحياة. لكن السؤال الأعمق يظل: إلى أين تتجه بوصلة التعليم؟ فإن كانت البوصلة مضبوطة نحو تكوين إنسان متوازن مبدع مسؤول فإن الدوام الواحد قد يكون أحد الأدوات الفعالة (القبلية أو البعدية). أما إذا ظلت البوصلة مختلة فلن تنفع أي إصلاحات شكلية. متى كانت السفينة في غير الاتجاه السليم والعطب في البوصلة فإنها لن ترسو أبدًا . فلنبدأ إذن من البوصلة التي هي المنهاج أو لنجعل من الدوام الواحد خطوة أولية من بين خطوات التهيئة لأرضية صلبة نضمن بناء منهاج متوازن فوقها على الأقل سائرين في رحلة طويلة نحو مدرسة الإنسان. ///// الدوام الواحد وتحسين مردود التعليم وجودته أولوية كبرى.. أ.زهية هذلي مما لا شك فيه أن قطاع التربية والتعليم هو قوام الأمم وركازها في عملية التطور الحضاري وبناء الفرد والمجتمع على حدِّ سواء.. وقطاع التربية والتعليم في الجزائر -كأي دولة أخرى- هو عماد الرقي والازدهار وهو كغيره من القطاعات الأخرى يواجه تحديات وأزمات وقضايا شائكة تمليها تحديات العصر وتطوراته. ولعل قضية العمل ب نظام الدوام الواحد من أهم القضايا التي تطفو على السطح من حين إلى آخر.. لما يعرفه من جدال ونقاش حول تداعياته. وإيجابياته وسلبياته حسب ما يرى أهل الاختصاص والدراية في هذا الموضوع وحسب انعكاساته المختلفة على التلاميذ والمعلمين والأولياء. وكل من له علاقة بهذا المجال. ولعل أهم هدف لهذا النظام هو السعي إلى تحسين مردود التعليم وجودته وهي أولوية كبرى ولعل أهم إيجابيات هذا النظام تتمثل -مثالا وليس حصرا- في ما يأتي: 1- الارتقاء بالتعليم إلى مستوى أحسن وأداء أفضل بجعل التركيز منصبا على المواد الأساسية بما يتيح للتلميذ التزود بمعارفها. 2- يتيح للتلاميذ والأساتذة بعض الراحة باعتبار الدراسة تكون في فترة واحدة مما يمكنهم من الراحة وتخفيف التعب والإرهاق. مع إعطاء التلميذ وقتا وفرصة لحل واجباته. أو المراجعة او تحسين مهاراته الخاصة أو اللعب باعتبار أنهم في سنّ اللعب والدراسة طيلة اليوم قد سلبتهم طفولتهم وحقهم في اللعب. ومما لا يخفى أن هذا يساهم في تكوين نفسياتهم وشخصياتهم. 3- التخفيف من ضغط العمل النفسي والجهد والإرهاق. 4- يُمكِن ذوي المواهب والمهارات المختلفة من الإبداع وتطوير مهاراتهم بتوفر الوقت المناسب لذلك. فلا تأخذ المدرسة كل وقتهم وجهدهم. 5- باختصار الوقت معناه اختصار البرامج المكثفة والمكتظة عن طريق التركيز على المواد الأساسية. 6- إعطاء فرصة للتواصل الأسري وجمع شتاتها الذي فرقها التعليم والتنقل والبرامج المكثفة ونظام الدوامين وأخذ كل وقتها. وكما أن لهذا النظام إيجابيات هناك أيضا سلبيات فالأمر لا يخلو من عوائق ومشكلات والتي منها على سبيل المثال أيضا وليس الحصر: أ- ضيق الوقت فلا يمكن من الإلمام بكل جوانب الدرس فقد يكون بعضه مجرد إشارات فقط لربح الوقت واستنفاد البرنامج الدراسي. ب- الاكتظاظ في الأقسام في بعض المؤسسات التعليمية أو بعض المناطق بسبب قلة الأقسام أو نقص المؤطرين. ت- الفصل بين التلاميذ ذوي المستوى المختلف قد يؤدي إلى انفصال دراسي (علمي) واجتماعي (العلاقات الاجتماعية) وبالتالي عدم وجود تفاعل بينهم او استفادة بعضهم من خبرات ومهارات البعض الآخر وهذا بين التلاميذ من جهة وبين الأساتذة من جهة وبين الأساتذة وزملائهم أيضا. ولا شك أن العمل بمؤسسة واحدة يتطلب أحيانا حوارات ونقاشات جماعية. وإلى احتكاك وتفعيل للروابط بين الجميع. ث- غياب الاهتمام بالمواد الثانوية أو المواد اللا صفية بسبب ضيق الوقت وكثافة البرنامج يبخس هذه المواد من حقها في الشرح والتوضيح. وفي النهاية إن كان نظام التعليم بالدوام الواحد لاعتبارات كثيرة أهمها طبيعة المؤسسة أو المنطقة جغرافيا أو اجتماعيا يصلح في مؤسسة معينة أو في منطقة محددة فقد لا يصلح في مؤسسة أخرى لقلة الأقسام أو الأساتذة أو الموارد البشرية عموما أو غير ذلك من الأسباب المختلفة. ///// التعليم بالنظام الواحد .. بين الإيجابيات والسلبيات أ.إيمان لغوق مع بداية كل دخول مدرسي تعود المدرسة بقضاياها إلى الواجهة الاجتماعية بحيث تشارك كل أطياف المجتمع من بيداغوجيين ومفتشين وأساتذة وأولياء في محاولة تشخيص نقائص القطاع واقتراح الحلول المناسبة ومن بين هذه المسائل إشكالية التعليم بالنظام الواحد.. بين الإيجابيات والسلبيات . يقوم التعليم ب نظام الدوام الواحد على تخصيص فترة زمنية واحدة في اليوم لتلقي المعارف والمهارات المطلوبة بتنظيم محكم وتوزيع مدروس للنشاطات خلال هذا الإطار الزمني. ويهدف التعليم بالدوام الواحد إلى رفع مستوى التعليم ومردوده من خلال تخفيف الضغط على التلميذ والمعلم في آن واحد والحفاظ على صحتهما النفسية والجسدية بالإضافة لإتاحة الفرصة للتلميذ للمراجعة والتحضير وممارسة الهوايات والنشاطات الخارجية كالرياضة الروبوتيك السوروبان حفظ القرآن الكريم... وإتاحة الفرصة للمعلم في الوقت نفسه لتنمية خبراته وإنجاز الأبحاث العلمية والأكاديمية والتحضير الجيد للدروس والنشاطات الصفية كما يبتغي هذا النظام خلق إدارة عملية ومتكاملة تسعى إلى مساعدة المعلم والمتعلم في تحقيق غاياتهما من خلال تيسير الإجراءات الإدارية وتذليل الصعوبات. وإن كان هذا النظام سامي الغايات والمرامي إلا أن زاوية النظر بدقة تظهر أنه لا يخلو من الفجوات والنقائص فتطبيقه يفتح باب الاكتظاظ في الأقسام التربوية لتعويض الدوام الثاني بالإضافة لكثافة البرنامج الدراسي وحشو المعارف والنشاطات ما يؤثر على الطاقة الاستيعابية للتلميذ كما أنه يطرح مشكلا للمعلم من خلال الصراع مع الزمن وتطبيق التدرجات المنصوص عليها من طرف الوزارة. ولمواجهة هذه التحديات ينبغي دراسة كيفية تطبيق نظام التعليم بالدوام الواحد بدقة وتخطيط متناهيين يخدم التلميذ والمعلم خاصة والمدرسة والمجتمع عامة كما ينبغي استثمار التعليم عن بعد وإدخاله ضمن مناهج التعليم لتخفيف الحشو على التلميذ بالإضافة للسعي لتوفير العدد اللازم من المؤسسات التعليمية وتجهيزها للقضاء على مشكلة الاكتظاظ وتبعاتها.