لعب الأطفال خلال ثورة التحرير المباركة دورا جديرا بالدراسة والبحث والإشادة أيضا، سواء بمن استشهدوا منهم، أو ممن لا زالوا على قيد الحياة إلى اليوم، وقد بلغوا العقد السادس أو السابع من العمر، دون أن يحصل بعض منهم على الكثير من حقوقه، أو على الأقل الاعتراف بما قدموه فداء للوطن، ولثورة التحرير المظفرة· ولا زال البعض منهم، يحتفظ بمعلومات وحقائق تاريخية مختلفة، إضافة إلى أماكن دفن بعض شهداء الثورة التي لا تزال مجهولة إلى اليوم، وهو ما كشف عنه السيد باديس عمر من خميس الخشنة ببومرداس، المولود في 09 أكتوبر سنة 1949، في حديثه مع (أخبار اليوم) الذي قال إنه لازال يحتفظ في ذاكرته بأماكن دفن نحو 15 شهيدا ببلدية بوقرة بولاية البويرة، حيث شهد عملية دفنهم بعد استشهادهم، وساعد فيها، إضافة إلى معرفته بأماكن بعض الخنادق، وأسماء العديد من المجاهدين والشهداء عبر مناطق البويرة وتابلاط وخميس مليانة وغيرها· ويروي السيد (باديس عمر) قصة نضاله بنواحي الولاية الرابعة، وعمره لا يتجاوز 11 سنة، حيث كان المجاهدون يكلفونه ببعض المهام البسيطة لكن الخطيرة في الوقت ذاته، مثل قيامه بمحو آثار أقدامهم بأغصان الأشجار، عند زياراتهم للقرى والمداشر، لإبعاد أعين القوات الاستعمارية عنهم، ويواصل السيد باديس عمر حديثه قائلا، إنه لازال يذكر كذلك، تجند الرجال في المساجد والنساء في البيوت، بقريته ببلدية قرومة، لمساعدة المجاهدين، وكيف حول والده بيتهم العائلي إلى شبه مستشفى لمعالجة واستراحة المجاهدين إلى غاية سنة 1958، حيث انتقلوا من منطقة قرومة إلى تابلاط، حيث ظل يقوم ببعض المهام المتمثلة في حمل الأدوية وبعض الذخيرة الحربية الخفيفة كالرصاص من لدى (الحوانتية) الذين كانوا يدعمون المجاهدين بكل ما يحتاجون إليه، ويقول المتحدث، إنهم كانوا يضعون له تلك المؤونة في قفة من (الدوم) ويضعون فوقها السمك، حتى عند وصوله إلى الحواجز العسكرية الفرنسية، فإن العساكر ينفرون من لمس السمك ومن رائحته، وبالتالي يتركونه يمر من أمامهم، فكان يوصل المؤونة إلى أصحابها، ويذهب بالسمك إلى المنزل· وظلت مهامه متواصلة في مساعدة المجاهدين والقيام بأمرهم على مستوى المنطقة التي كان فيها آنذاك، إلى غاية 14 فيفري من سنة 1960، حيث اكتشف بعض العساكر أمره، بالمنطقة المسماة الحشم بتابلاط، وعند هروبه منهم، أصيب برصاصة على مستوى الرجل، ولكنه ظل يجري مع ذلك، إلى أن انهارت قواه، وتم الإمساك به، ثم نقله إلى الثكنة العسكرية بمنطقة الكديا الحمراء، ومنها إلى مستشفى تابلاط، الذي يقول السيد باديس عمر إنه قضى به حوالي 35 يوما، ثم مستشفى مصطفى باشا، حيث تمت خياطة شفته وعلاجه من مختلف الإصابات التي تعرض لها· ويؤكد السيد باديس عمر في حديثه، أنه مستعد لمقابلة كل من لديه معلومات عن الناشطين في الولاية الرابعة بمختلف مناطقها، خلال الثورة التحريرية، كاشفا عن الأسماء الثورية التي كان ينادى بها آنذاك، وهي الجعدي، الرطل، والنمس، وأنه كان يعرف عددا من الضباط المجاهدين أمثال المجاهد (سي لخضر) الذي كان ينشط بمناطق قرومة والأخضرية والزبربر وتابلاط، مؤكدا أن كثيرا من المجاهدين لا زالوا يذكرون الدور المهم الذي قام به الأطفال خلال ثورة التحرير المباركة، وأن عددا كبيرا منهم، وقد صاروا اليوم شيوخا، لم يستفيدوا من أية امتيازات أو منح أو حقوق، وهو لذلك يتوجه إلى الجهات المعنية، بطلب مساعدته على الأقل في افتكاك الاعتراف بما قدمه خدمة للوطن، وكذا كشف الأماكن التي دفن بها نحو 15 شهيدا ولازالت مجهولة إلى اليوم، ولا زال السيد باديس يحتفظ بكم هائل من المعلومات التاريخية عن الثورة التحريرية، وعدد كبير من الأحداث التي عاشها عن قرب وبقيت راسخة في ذهنه حتى الآن، لاسيما ما يتعلق بأسماء عدد من المجاهدين والعائلات الثورية، والمناطق المحرمة، وبعض المخابئ، إلى جانب أنواع الأسلحة والذخيرة المستخدمة في ذلك الوقت، وطرق التعذيب، وبعض القوات الخاصة التي استقدمتها السلطات الاستعمارية لتعذيب وإبادة الشعب الجزائري، وغيرها من المعلومات، التي يرجو أن يفتح له المجال لإماطة اللثام عنها، وكشفها للأجيال الجديدة·