تناشد أرملة مجاهد في العقد الثامن من عمرها، رفقة إبنة شهيد وزير المجاهدين بإنقاذهما من جحيم سينما قمره زاد بوسط مدينة المدية، المعنيتان تم ترحيل عائلتيهما ضمن سبع عائلات أخرى من طرف مير المدية عام2007، على إثر كارثة طبيعية أتت على منازلهم الهشة بذات البلدية، بإيوائهم مؤقتا بأسفل مدرجات قاعة سينما (قمره زاد)، المتواجدة على مرمى حجر من دار الأمير عبد القادر، قاسمهم المشترك المعاناة و"الميزيرية" المختصرة في ديكور كاريكاتيري في حيزات مظلمة بقدرالمترين والثلاثة أمتار، جدرانها وسقوفها من النايلون الأسود الممنوع استعماله قانونا لزوال السقف الأصلي تماما بفعل العوامل الطبيعية. الزائر لهذه الدار التي أكل عليها الدهر وشرب يكتشف مدى حجم المعاناة اليومية لأفراد هذه العائلات المكونة من نحو50 فردا يقيمون على مساحة لا تتجاوز ال80 مترا مربعا. ومن بينها عائلة بوخاري.ع كان حظه وأن احتل مساحة تقدر بنحو 24 مترا مربعا تتقاسمها عائلاته الثلاث الأصلية ب7 أفراد وإبنه الأكبر ذو الستة أطفال والأصغر ذو الخمسة أبناء، وعن ظروف حياتهم بهذا المكان، تأسف ولسان حاله يردد، نحن هنا منذ2007 وسبق أن وعدنا مسؤولو البلدية بترحيلنا إلى مساكن لائقة بعد شهر فقط، لكن لا شيئ على الواقع رغم الوعود التي تعطى لنا كلما وقعت كارثة طبيعية، كالتي حدثت شتاء 2010، أين قامت الحماية المدنية بترحيلنا إلى مقر الهلال الاحمر، لتخليصنا من الأمطار الطوفانية التي أغرقتنا بفعل تسرب كل الكميات المتساقطة إلى أسفل السينما لإنعدام السقف المتأكل نهائيا، غير أننا-أضاف محدثنا- أعادونا إلى مأوانا بقمرة زاد بعد ثلاثة أيام لعدم صلاحية مقر الهلال، ونحن في انتظار حصولنا على سكنات إجتماعية على ضوء تجديد الملفات السنة الماضية والسنوات العجاف التي قبلها. عندما تبكي ابنة الشهيد حسرة.. أما زوجته (ف.فاطمة) إبنة أحد الذين نالوا الشهادة من أجل استقلال الجزائر، فقد أغرورقت عيناها بالدموع قبل انطلاق لسانها في سرد حجم المعاناة التي تحياها رفقة ما يقارب ال 50 فردا، وهي تبكي أضافت تقول (أنا لا أستطيع رؤية مايجري أمامي عند خروجي من هذا المكان الشبيه بالزنزانة إلا بعد مرور قرابة 10دقائق من خروجي، والذي أرجعت محدثتنا أسباب ذلك إلى إنعدام نور الشمس حيث الإنارة الكهربائية 24 على 24 ساعة، كما أن الرائحة الكريهة المنبعثة من النايلون المحاط بنا من كل جهة سببت لي عدة أمراض مزمنة، منها القصورالكلوي والحساسية وروماتزم الدم والعظام حسب التشخيصات الطبية، ولو بقي أبي على قيد الحياة لما وقعت وابنائي في مثل هذه التعاسة أضافت محدثتنا، وأملها أن يقوم وزير المجاهدين بإنقاذنا من هذا المكان، الذي كما ترى قد أثر في ملامح وجهي كثيرا لدرجة أنك لو قارنت بيني وبين أمي لظننت أنني الأم.. أما عمروش خدوجة نحو 84 سنة أرملة شهيد، التي سبق لها واتخذت زاوية من هذا الحيز المسور والمغطى بالنايلون الأسود، فلم نجدها عند زيارتنا هذه المرة، ولما سألنا أختها ارملة مجاهد، قالت وبصوت خافت لعدم قدرتها على الكلام بسبب أمراضها المزمنة هي الأخرى، رحمها الله لقد توفيت قبل شهرين متأثرة بأمراض الخطيرة، لكن سبق وان التقتها (أخبار اليوم) سابقا وبذات المكان، فكان وأن حدثتنا -رحمها الله- قائلة (ما كنت أتصور أن أهان وأذل لهذه الدرجة وفي جزائر استقلت بعد تقديمها لأزيد من مليون ونصف المليون من الشهداء الأبرار كان زوجي منهم، وحسب ما أكدته لنا فهي أصيبت بكل الأمراض المزمنة على غرار داء السكري ، الكلى، القلب، الضغط الدموي إضافة إلى الروماتزم والحساسية..وعن أملها أضافت قائلة وفي حالة من اليأس والتذمر"ياوليدي ماذا أقول؟ لقد دققت أبواب كل المسؤولين لكن بلا فائدة وأنا في هذه السن المتقدمة، أرى الموت كل يوم حينما أنقل إلى إحدى أقسام الأمراض المتخصصة، لكنني لم أرسل أية شكوى إلى وزير المجاهدين، لكن فات الوقت.. أغيثونا.. أرملة أخرى 77 سنة ساقها قدرها إلى هذا المكان الموحش حسبها، رفقة أفراد عائلتها المتكونة من أربعة أبناء يقيمون على مساحة مقدرة بمترين على ثلاثة أمتار (أي 6 أمتار مربعة) متعددة الخدمات كالنوم والأكل وغسل الثياب حسب ملاحظتنا. الإبن الأكبر متزوج له ولدان، وحسبه فإن زوجته تقيم عند (انسابي) منذ ولادتها الطفل الثاني، نحن في ميزيرية. بركات لكن لنا أمل كبير في الوالي ختمها محدثنا. أما الثاني فخطب ولم يعقد قرانه لإنعدام المسكن، فيما يبيت ثالثهم خارج الكوخ النيلوني، وأما الرابع فيأتي حسب الأم للمبيت بهذا المكان الضيق، والتي أضافت قائلة (أنا عندي هنا ست سنوات، أصبح عندي الروماتزم ومرض القلب والضغط..أنا ماحملتش العيش تحت النايلون) اما إبنتها فأضافت باكية.ندوها أمكسلة للمستشفى وهي في غيبوبة كاملة. عائلة أخرى تتكون من الأم "الأرملة الثالثة بهذا المكان" وبنت وشاب يزاول تعليمه بالسنة ثانية ثانوي بشعبة العلوم، تحصل على معدل 11/20 خلال الفصل الأول من السنة الدراسية الجارية، وعن معيلهم قال الأم العاملة كممرضة عند القطاع الخاص، والتي تعاني كذلك كباقي المقيمين من الأمراض الناتجة عن الوضعية الموصوفة بالمأسوية التي شبهها بالزنزانة لضيق مساحتها وتسقاط الأمطار عليها من السماء مباشرة (أي دون سقف واق)، وعن أماله قال: أرجو من السيد الوالي أن يحقق حلمي في متابعة دراستي المتبقية بمسكن مريح، به التهوية والهواء النقي و.. ونحن بصدد العودة إلى موقعنا أرشدنا أحد القائمين إلى رب عائلة أخرى، يرتزق من خردة جمع ركامها بالساحة المقابلة لدار الامير عبد القادر يبلغ من العمر47 سنة، أشار في حديثه إلى نفس الظروف المعيشة، واصفا واقعهم بقوله (لقد طال هذا الحال الموصوف بالمر بهذه السينما الملعونة، والتي يتعرض المقيمون بها خاصة الأرامل الثلاث بينهن أرملة الشهيد الطاعنة في السن والأطفال الى عديد الأمراض بينهم مشيرا بيده إلى طفل منزو بركن من أركان الحيز الضيق لإصابته بالروماتزم الذي أشله عن الحركة، لكن -أضاف- من المفروض أن تكون الرحمة في قلوب المسؤولين، فأطفالهم وأطفالنا على حد السواء، لأنهم بشر من حقهم التمتع بالرحمة وأملنا في الوالي الجديد أن يخلصنا من هذه المزيرية، وعن عمله قال أنا أعمل كجامع للخردة أعيد بيعها لأجمع قوت أبنائي، ومادمت بهذه السينما لم أتمكن من الحصول على دعم من (اللونساج) أو معونة القرض المصغر. وحسب ما وقفنا عليه، فإن أفراد هذه العائلات يشتركون في مرحاض واحد، كما يجلبون الماء الشروب من المسجد المجاور على نحو 100 متر، أما خلال تراكم كميات الثلوج فإنهم يلجأون إلى تذويب الثلج وبمعدل لتر يستخرج من برويطة ثلج أكد محدثنا.