أقرأ العجب العجاب في صحافتنا الوطنية عن هذا الداء الذي استشرى فينا، وأعني به الاختلاسات التي لم تترك قطاعا من قطاعات حياتنا الاقتصادية والاجتماعية إلا وأصابته. ولما كنت من أبناء الثورة الجزائرية، أي من الجيل الذي تربى على قيم وطنية ثابتة لا تعرف ما الازدواجية الجنسية، بل تمقتها مقتا، وتمقت أولئك الذين يتبجحون بها اليوم على جميع الأصعدة، فإنني أشعر بالغثيان عندما تبلغ مسامعي أخبار السرقات والسراقين، أقولها بصفة المبغالة. خلال السنوات الأولى من الاستقلال، كنا نتندر فيما بيننا في قاعات التحرير، بما حدث من سرقات، ونردد بأن مسؤولا جزائريا واحدا قادر على النيل من الإمبريالية الأمريكية، فالمهم هو أن يعين على رأس وزارة ما يسمى بالخزانة في الولاياتالمتحدة. ويكفي بعد ذلك أسبوع واحد لكي يفرغ هذه الخزانة مما تتوافر عليه من أموال، ويكفيه شهر واحد لكي ينقل كل الذهب المخزون في (فورنوكس fort knox). ويبدو أننا بلغنا اليوم هذا الهدف بحكم ما نقرأه في صحافتنا الوطنية من أخبار عن الاختلاس والتزوير والخطف وما إليها من الجرائم الأخرى. والغريب هو أن الجهات المسؤولة لا تكاد تحرك ساكنا مع أن جسد الوطن يتضعضع في كل يوم. فهل صارت السرقة أمرا حتميا في بلدنا؟ بل، وكيف تتم تعيينات المسؤولين على قطاعات حيوية، ثم يتضح أن عددا منهم تسللوا إلى الخزانات والصناديق المصفحة، ثم انفلتوا إلى الخارج لكي يعيشوا آمنين، لا تقلقهم الشرطة الدولية، ولا يقض مضاجعهم أولئك الذين يفترض فيهم أن يطاردوهم في كل مكان من سطح هذا الكوكب؟ وإنني أتساءل اليوم: هل جريمة الجرائم هي القول: يسقط فلان أو فلتان، أم، يسقط اللصوص ومن والاهم؟ أعرف شابا من حينا سرق أشياء بسيطة، لكنه يوجد اليوم في سجن (لامبيز) بأرباض باتنة، وما زلت أقول (لامبيز) لبشاعته، ولمعاناة أولئك الذين قضوا فيه أعمارهم خلال العهد الاستعماري الفرنسي البغيض. وأقرأ في صحافتنا الوطنية أن فلانا استولى على كذا وكذا، وما زال يدور في الرقعة ويصول كالنسر الجارح. فأين وجه العدالة في مثل هذا الوضع كله؟ لو سرنا على هذاالمنوال، لأصبحنا ذات يوم لنرى بأم أعيننا كيف أفرغت الخزانة الجزائرية من جميع محتوياتها ومن مدخرات الإنسان الجزائري. فهل من يتحرك وينتشلنا من هذه الوهدة السحيقة التي تردينا فيها؟