قرأت الكثير هذه الأيام عن الصراع الذي تدور رحاه بين الذين يسيرون منظمة أبناء الشهداء، وأعترف أنني لم أفهم شيئا مما يحدث. هذا يتهم ذاك، وثالث يتهم رابعا وهكذا دواليك، والحقيقة ضائعة بين أولئك جميعا. وإذا كنت لا أفهم شيئا من هذا الصخب الدائر بين أناس يفترض فيهم أن يكونوا خير من يمثل جيل الثورة، فمعنى ذلك أنني لا أفهم شيئا أيضا مما حدث في أثناء الثورة، ولا من أمر الناس الذين أصيبوا في مقاتلهم أيام أن كانت النار تلتهم الأخضر واليابس. لم، يا ترى، لا يجلس أولئك الفرقاء أو الخصوم حول طاولة واحدة لحسم الأمر فيما بينهم؟ ولم، يا ترى، تظل منظمة المجاهدين صامتة؟ ولم، يا ترى، لا تتحرك وزارة المجاهدين؟ المصيبة أن أسباب الصراع كله موجودة على صفحات الإنترنت، بمعنى أن العالم كله اطلع عليها، أو هو قادر على التعرف على دقائقها إن كان فيها نفع له. نحن لم ننته بعد من حكايات السرقات، وأساطير علي بابا التي تتحول إلى واقع في جزائر الألفية الثالثة. بنوك تحول مدخراتها بقدرة قادر، وشركة وطنية يقال لها سوناطراك نستمد منها 96 في المائة من ميزانية الجزائر يعيث فيها بعض اللصوص فسادا دون أن تطالهم يد القضاء. فما الذي يحدث، يا ترى؟ هل هزلت الجزائر إلى هذا الحد ليسومها كل مفلس على حد قول الشاعر؟ وهل غابت الدولة هذا الغياب كله، أو هي امتنعت عن التدخل في أمور تعنيها في المقام الأول؟ الأخلاق تضيع من جهة في هذه المعركة التي أتمنى أن تكون مفتعلة بين أولئك الذين يسيرون منظمة أبناء الشهداء، وهي تضيع أيضا بين أيدي أولئك الذين يفترض فيهم أن يسهروا على الاقتصاد الوطني، وضمن هذه المعادلة التي لا يمكن أن تكون معادلة رياضية أصلا لأن أطرافها معروفين، تنكس الدولة الجزائرية رأسها مثل نعامة أدركتها ريح عاصف، هذا إذا كانت النعامة تفعل ذلك حقا وصدقا. إذا كان الحديث عن الهوية يجري في كل وقت وفي كل مكان من هذه الجزائر، فلم، يا ترانا، نشيح بوجوهنا عن قضايا هي في الصميم من حياتنا؟ وأعترف أنني ما زلت أبحث عن الحقيقة وسط هذا الركام على الرغم من أن الجزائر أبعد ما تكون عن جزيرة إيسلندا وحممها البركانية. فهل تظل هذه الحمم عالقة في سمائنا، ننظر إليها نظرة السذج، ونتمنى في الوقت نفسه أن ترتحل إلى مكان آخر؟ وهل ينبغي أن تقوم ثورة جارفة لكي نصحح أمورنا على غرار ما حدث في عام 1988؟