الفريق أول السعيد شنقريحة يترأس أشغال الدورة ال17 للمجلس التوجيهي للمدرسة العليا الحربية    محروقات : سوناطراك توقع مذكرة تعاون مع الشركة العمانية أوكيو للاستكشاف والانتاج    دورة اتحاد شمال إفريقيا (أقل من 17سنة) الجولة 5 والأخيرة/ الجزائر- مصر: "الخضر" على بعد 90 دقيقة من اللقب    مهرجان عنابة للفيلم المتوسطي: فيلم "بنك الأهداف" يفتتح العروض السينمائية لبرنامج "تحيا فلسطين"    ورقلة /شهر التراث : إبراز أهمية تثمين التراث المعماري لكل من القصر العتيق ومدينة سدراتة الأثرية    إستفادة جميع ولايات الوطن من خمسة هياكل صحية على الأقل منذ سنة 2021    رئيس الجمهورية يستقبل رئيس غرفة العموم الكندية    السيد دربال يتباحث مع نظيره التونسي فرص تعزيز التعاون والشراكة    الشمول المالي: الجزائر حققت "نتائج مشجعة" في مجال الخدمات المالية والتغطية البنكية    "الأمير عبد القادر...العالم العارف" موضوع ملتقى وطني    وزير النقل يؤكد على وجود برنامج شامل لعصرنة وتطوير شبكات السكك الحديدية    السيد بوغالي يستقبل رئيس غرفة العموم الكندية    حج 2024: آخر أجل لاستصدار التأشيرات سيكون في 29 أبريل الجاري    رئيس الجمهورية يترأس مراسم تقديم أوراق اعتماد أربعة سفراء جدد    حلم "النهائي" يتبخر: السنافر تحت الصدمة    رئيس أمل سكيكدة لكرة اليد عليوط للنصر: حققنا الهدف وسنواجه الزمالك بنية الفوز    رابطة قسنطينة: «لوناب» و «الصاص» بنفس الريتم    "الكاف" ينحاز لنهضة بركان ويعلن خسارة اتحاد العاصمة على البساط    شلغوم العيد بميلة: حجز 635 كلغ من اللحوم الفاسدة وتوقيف 7 أشخاص    ميلة: عمليتان لدعم تزويد بوفوح وأولاد بوحامة بالمياه    تجديد 209 كلم من شبكة المياه بالأحياء    قالمة.. إصابة 7 أشخاص في حادث مرور بقلعة بوصبع    نحو إنشاء بوابة إلكترونية لقطاع النقل: الحكومة تدرس تمويل اقتناء السكنات في الجنوب والهضاب    خلال اليوم الثاني من زيارته للناحية العسكرية الثالثة: الفريق أول السعيد شنقريحة يشرف على تنفيذ تمرين تكتيكي    بقيمة تتجاوز أكثر من 3,5 مليار دولار : اتفاقية جزائرية قطرية لإنجاز مشروع لإنتاج الحليب واللحوم بالجنوب    رئيسة مؤسسة عبد الكريم دالي وهيبة دالي للنصر: الملتقى الدولي الأول للشيخ رد على محاولات سرقة موروثنا الثقافي    قراءة حداثية للقرآن وتكييف زماني للتفاسير: هكذا وظفت جمعية العلماء التعليم المسجدي لتهذيب المجتمع    السفير الفلسطيني بعد استقباله من طرف رئيس الجمهورية: فلسطين ستنال عضويتها الكاملة في الأمم المتحدة بفضل الجزائر    معرض "ويب إكسبو" : تطوير تطبيق للتواصل اجتماعي ومنصات للتجارة الإلكترونية    سوريا: اجتماع لمجلس الأمن حول الوضع في سوريا    العدوان الصهيوني على غزة: ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 34 ألفا و305 شهيدا    بطولة وطنية لنصف الماراطون    تسخير 12 طائرة تحسبا لمكافحة الحرائق    القيسي يثمّن موقف الجزائر تجاه القضية الفلسطينية    مشروع جزائري قطري ضخم لإنتاج الحليب المجفف    هزة أرضية بقوة 3.3 بولاية تيزي وزو    الاتحاد الأوروبي يدعو المانحين الدوليين إلى تمويل "الأونروا"    إجراءات استباقية لإنجاح موسم اصطياف 2024    عائلة زروال بسدراتة تطالب بالتحقيق ومحاسبة المتسبب    التراث الفلسطيني والجزائري في مواجهة التزييف    العدالة الإسبانية تعيد فتح تحقيقاتها بعد الحصول على وثائق من فرنسا    معركة البقاء تحتدم ومواجهة صعبة للرائد    اتحادية ألعاب القوى تضبط سفريات المتأهلين نحو الخارج    إنجاز ملجأ لخياطة وتركيب شباك الصيادين    ارتفاع رأسمال بورصة الجزائر إلى حدود 4 مليار دولار    فتح صناديق كتب العلامة بن باديس بجامع الجزائر    "المتهم" أحسن عرض متكامل    دعوة لدعم الجهود الرسمية في إقراء "الصحيح"    جعل المسرح الجامعي أداة لصناعة الثقافة    جلسة للأسئلة الشفوية بمجلس الأمة    فيما شدّد وزير الشؤون الدينية على ضرورة إنجاح الموسم    الرقمنة طريق للعدالة في الخدمات الصحية    حج 2024 : استئناف اليوم الثلاثاء عملية حجز التذاكر للحجاج المسافرين مع الديوان الوطني للحج والعمرة    حكم التسميع والتحميد    الدعاء سلاح المؤمن الواثق بربه    أعمال تجلب لك محبة الله تعالى    دروس من قصة نبي الله أيوب    صيام" الصابرين".. حرص على الأجر واستحضار أجواء رمضان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تنافس فرنسي - تركي على النفوذ، وإسبانيا وإنجلترا تكتفيان بالترويج اللغوي
الفجر تفتح ملف المراكز الثقافية الأجنبية في الجزائر
نشر في الفجر يوم 07 - 01 - 2013

وصفت المراكز الثقافية على أنها وسيلة من وسائل التقارب بين الشعوب، غرضها الأول تقوية العلاقات وقد يتجاوز القطائع الحضارية والأيدلوجية، لكن يمكن أن تكون أيضا وسيلة لتسويق سياسية أي دولة في محيطها الخارجي، وقفاً لمبدأ القوة الناعمة التي قد تحقق ما لا يمكن للجيوش أن تحققه، بعبارة أخرى كيف يمكن للمراكز الثقافية أن تكون وسيلة من وسائل السيطرة على أي دولة؟ مثلا عندما يقول فرانسوا هولند: ”إن كتاب الجزائر أضافوا للغة الفرنسية”. وعندما تقول يمينة بن قيقي: ”إن الجزائريين اليوم يتحدثون الفرنسية بدون حقد”. كذلك من جانبه يقول أردوغان: ”إن كل بلاد وطأتها خيول أجدادنا لنا فيها حق”، فهل يعني كل هذا أن الثقافة قد تكون الواجهة أكثر أناقة للحملة العسكرية.
بقيت الجزائر التي اعتبرتها الوزيرة خليدة تومي ”قارة ثقافية” عاجزة عن تسويق ثقافتها خارج البلاد، رغم الثقل الاستراتيجي بالنظر للإمكانيات المتاحة، لكن بقيت، من جهة أخرى، مجهولة لدى الأشقاء والأصدقاء. كما بقي جزء من الأصدقاء والأشقاء مجهولون عندنا باستثناء فرنسا التي ما زالت بعد خمسين تتحكم في مداخل ومخارج الجزائر ثقافيا واقتصاديا.
الفرنسية ليست لغة رسمية في الجزائر، لكنها أيضا ليست لغة أجنية تماما
على طول الخط اعتبرت فرنسا الجزائر حديقة خلفية لثقافيتها ولغتها التي صارت لغتنا، ولكن المفارقة أن ”غنيمة الحرب” التي حازت على امتيازات طيلة 130 سنة من الاستعمار تطورت بعد الاستقلال” كما قالت جريدة ”لبراسيون” الفرنسية التي خصصت مقالا مطولا للحديث عن ”غنيمة الحرب” التي تطورت في جزائر الاستقلال بعد خمسين سنة من الاستقلال.
في هذا السياق، خصّصت الجريدة الفرنسية صبيحة اليوم الثاني لزيارة هولاند إلى الجزائر، مقالا مطولا تشرح فيه واقع اللغة الفرنسية في بلادنا، حيث توضح أن اللغة التي اعتبرها كاتب ياسين غداة الاستقلال غنيمة حرب قد تمت المحافظة عليها وما زالت متواجدة في كل مكان في الجزائر، في الصحف، في اللوحات والملصقات الإشهارية والمعاملات التجارية، وصولا إلى التعليق على المقابلات الرياضية على الإذاعات أو المحادثات الإعلامية، الجزائريون يخلطون بطريقة تداخلية بين العربية المتحدثة وبين الفرنسية.
تواصل الجريدة الفرنسية تحليلها فتقول: الفرنسية ليست لغة رسمية في الجزائر، لكنها أيضا ليست لغة أجنية تماما. الفرنسية تتبع هنا كل ”تطورات المجتمع ونبضه” تقول لبيراسيون.
من غنيمة حرب إلى حرب الغنائم
تواجدت اللغة الفرنسية في الجزائر من خلال الإدارة والأعمال وتسيير قطاعات واسعة من الدولة، في حين ظل خطاب التعريب شعارا شعبيا مرفوعا طيلة نصف قرن من الاستقلال. غير أنه اليوم تمّ إخراج ما كان مخبأ في السر، وأصبحت الجزائر وفق الاتفاقيات التي عقدتها مع وزارة الخارجية الفرنسية بشأن استقدام أساتذة اللغة الفرنسية لإنعاش المنظومة التربوية ترعى بطريقة أو بأخرى هذه اللغة بشكل رسمي، حيث وضعت هذه الخطوة حدا للجدل الذي أثير داخل اللجنة التي أوكل لها بوتفليقة مهمة إصلاح برامج التعليم حول أولية الفرنسية والإنجليزية في المدارس الجزائرية.
رغم عدم انتماء الجزائر رسميا إلى مجموعة الدول الفرانكفونية، واكتفت عام 2008 في قمة بيروت التي مثلنا فيها الرئيس بوتفليقة بصفة عضو ملاحظ، لكنها تبقى أكبر دولة الفرانكفونية في العالم. وذلك حسب دراسة فرنسية نشرتها لبيراسيون تشير إلى أن ثلث سكان الجزائر ممن يعرفون القراءة والكتابة يستعملون الفرنسية. وقد جاء انضمام الجزائر عام 2008 إلى مبادرة الشراكة من أجل المتوسط بعد زيارة ساركوزي حدثا آخراً لتكرس وجود وتغلغل لغة موليير في الجزائر.
من المفارقات المسجلة في هذا المجال أن فرنسا هي التي تدفع للدول المنضوية تحت لواء منظمة الفرانكفونية من أجل تطوير وتكريس الفرنسية، لكن عندنا الجزائريون هم الذين يدفعون من أجل الفرنسية، حيث ذكر تحقيق ليبراسون أن الفرنسية لم تفقد مكانتها في الجزائر حتى إبان الصراع الأديولوجي اللغوي بين 1970 و1980 أو العشرية السوداء، والصراع مع الانجليزية لاستحواذ على السوق الجزائرية، لكن مقابلات العمل والوثائق الإدارية ما تزال تصدر بالفرنسية وما زال الجزائريون يتعاملون بلغة المستعمر القديم.
المعهد الثقافي الفرنسي 14 مليون يورو من اجل استعادة أمجاد لغة موليير
يعتبر المركز الثقافي الفرنسي بالجزائر من أنشط المؤسسات الثقافية في البلاد، ونشاطه ودقة تنظيمه تحسده عليه حتى وزارة الثقافية مثلما صرح أحد مسؤوليه للبراسيون الفرنسية. ورغم أن نشاط المركز توقف إبان العشرية السوداء إلا أنه عاد إلى العمل وبوتيرة أكثر نشاطا من ذي قبل، حيث تحول من مركز إلى معهد يجمع أربع مراكز جهوية في أكبر المدن الجزائرية وهران، عنابة وتلمسان في انتظار توسيعه إلى مناطق أخرى من الجنوب، وقد جاء إعادة ترتيب وهيكلة المعهد، حسب تصريحات المسؤولين، الفرنسيين، في إطار إعادة الاعتبار للغة والثقافة الفرنسية في الخارج خاصة في مستعمراتها القديمة، في هذا السياق، اعتبر السفير الفرنسي بالجزائر كزافييه دريانكور ”هذه المبادرة استجابة لخيار الحكومة الفرنسية لدعم المساعي الثقافية الفرنسية عبر العالم، ضمن ما يسمى بالدبلوماسية الثقافية”. الأمر الذي ساعد المركز الثقافي الفرنسي بالجزائر على العمل بنشاط كبير هو الاستقلالية التي يتمتع بها عن السفارة، وكذا الميزانية المخصصة له والمقدرة ب 14 مليون يورو 44 بالمائة منها مخصصة للتعاون الجامعي والعلمي، و17 بالمائة منها مرصودة لتدريس اللغة الفرنسية ودعم النشاطات الثقافية التي يقيمها المعهد.
في السياق ذاته، وتزامنا مع الزيارة التاريخية للرئيس هولاند إلى الجزائر، أعلن المعهد من جهته عن قرارات تاريخية في مبادرة هي الأولى من نوعها في الجزائر، فرغم الأزمة الاقتصادية التي تضرب فرنسا خصص المعهد ميزانية معتبرة لدعم المشاريع الثقافية والفنية للمؤسسات الثقافية والجمعيات الجزائرية في مختلف الميادين، من الفنون البصرية، السينما، المسرح، الفن التشكيلي وكذا الكتاب والترجمة، حدد المعهد المدة المخصصة لاستقبال المشاريع ما بين 7 فيفري و27 جوان 2013، كآخر أجل لاستقبال المشاريع التي أدرجها في إطار التعاون بين البلدين، واشترط المعهد عدم قبول المشاريع التي تطرح بشكل شخصي وفردي، لكن تكون مدرجة في إطار مؤسساتي أو شركات إنتاج أو جمعيات للمجتمع المدني ويصل حجم المساعدات المادية التي أعلن عنها المعهد الفرنسي بالجزائر ما بين 3000 و5000 آلاف يورو للتكفل بالمشاريع ومن 1000 إلى 3000 يورو للتكفل اللوجستي في التنظيم، وتذاكر الطائرات مع إبقاء الفاتورة مفتوحة من أجل رفع قيمة الدعم في حال كان المشروع المقدم يستحق ذلك شريطة تبريره.
خيار الحكومة الفرنسية الذي تحدث عنه سفيرها بالجزائر، والمتمثل في دعم الفرنسية داخل مستعمراتها القديمة، توجت بإعادة هيكلة مركزها الثقافي في شكل معهد ضم خمس مراكز في كبرى مدن الجزائر مثل وهران، عنابة، تلمسان وتيزي وزو في انتظار مركز في الجنوب الكبير. وفي إطار الخيار الفرنسي زار العام الماضي وزير الثقافة الفرنسية أروقة معرض الكتاب بالجزائر حيث شدد أمام الدور الفرنسية على ضرورة نشر الكتاب الفرنسي، وجعل أسعاره في متناول الجمهور. وقد تمت كل هذه المجهودات الفرنسية في العلن وأحيانا بمساعدة الجزائر نفسها، حيث أثار الإعلان عن فتح 2000 منصب لتدريس للغة الفرنسية موجة صراعات بين الكتل السياسية حتى أن الرئيس السابق جمعية العلماء المسلمين المرحوم الشيخ عبد الرحمن شيبان، اعتبر يومها الخطوة توجه نحو فرنسا الجزائر وقال في تصريح نقلته الشرق الأوسط ” وقد سعينا لترقية التدريس باللغة العربية في الجامعات والمعاهد لكن السلطة فاجأتنا بفتح الباب واسعا للثقافة التغريبية لتزحف على ثقافتنا العربية الإسلامية، والنخبة الحاكمة تنظر إلينا على أننا متخلفون ونريد أن نحرم الأجيال من وسائل التقدم، ويعتقدون أن اللغة الفرنسية هي أهم هذه الوسائل، ولكننا لن نسكت عن ذلك”.
استراتيجية فرنسية جديدة من أجل وقف المد التركي في الجزائر
انتبهت الإستراتيجية الفرنسية الجديدة خاصة بعد التقارير الدولية التي أشارت إلى تراجع اللغة والثقافة الفرنسية في السنوات الأخيرة عبر العالم لصالح لغات، لقوى صاعدة مثل الصينية والإنجليزية والإسبانية وحتى التركية بما في ذلك تلك الدول التي كانت تمثل إلى وقت قريب مجالا حيويا فرنسيا. حيث تشير الأرقام المستقاة من المعهد الثقافي الفرنسي بالجزائر، أن هناك 11065 مسجل في أقسام الدروس التدعيمية وتحسين المستوى في اللغة الفرنسية، أغلب المسجلين هم من الطلبة والعمال، ويدفع الطالب 1200دج أي ما يعادل 110 يورو من أجل خمسين ساعة.
العدد المعلن عنه تضاعف في السنوات الأخيرة حيث لم يكن عدد المسجلين في المعهد حتى عام 2008 يتجاوز 4571 مسجل. وقد أكد فابريس مدير قسم اللغات بالمعهد في تصريح نقلته لبراسيون الفرنسية، أنها تضاعفت بأكثر من النصف خلال أربع سنوات. وبعد عشر سنوات من استئناف الدروس في مدرسة ألكسندر دوما الثانوية الفرنسية بالجزائر فتحت فرنسا في عام 2012 مدرسة ابتدائية في دالي إبراهيم لتدعيم اللغة والثقافة الفرنسية.
فرنسا استفردت بالساحة الثقافية في الجزائر عندما وجدت الساحة مفتوحة بل فارغة، بعد أن تمت عرقلة أو تحييد المراكز العربية فالمركز المصري ما زال ينتظر موافقة وزارة الخارجية لإعادة فتحه بعد غلقه أثناء الأزمة الأمنية، والمركز السوري أيضا ما زال ملفا مطويا، والمراكز الأخرى الأجنبية الموجودة في الجزائر مثل المركز الاسباني والألماني والإيطالي انحصرت نشاطاتها في محاولة الترويج للغاتها وتقديم بعض الخدمات لطلاب خاصة، وهذا بعد ما عجزت عن منافستها لتغلغل نشاط المعهد الفرنسي.
وفي سياق المنافسة على افتكاك مكانة تحاول كل من السفارة البريطانية والأمركية فتح مراكز متخصصة في تعليم اللغة الإنجليزية، بعدما لاحظت إقبال الشارع الجزائري وخاصة شريحة الشبان على تعليم الإنجليزية. فقد سجلت تقارير دولية أن اللغة الفرنسية فقدت الكثير من مواقعها عبر العالم بما في ذلك مستعمراتها القديمة، حيث جاءت في الترتيب بعد كل من الإنجليزية والإسبانية والألمانية العربية والصينية، فالجزائريون الذين اكتشفوا الاستثمار الصيني في الجزائر يسعون أيضا لاكتشاف أيضا لغة الجنس الأصفر، وفي السياق نفسه، تسعى تركيا إلى الاستثمار الاقتصادي والثقافي في الجزائر، وقد قدمت للسلطات الجزائرية طلبا بفتح مركز ثقافي لها بالجزائر، لكن السلطات رفضت الطلب لأسباب تبقى مجهولة. ورغم أن قرار قبول أو رفض منح الرخص للمراكز الأجنبية للعمل بالجزائر هو بيد وزارة الخارجية التي تسير هذه المهمة وفق المرسوم رقم 81-293 المؤرخ في 24 أكتوبر سنة 1981 والمتضمن تنظيم نشاط المراكز الثقافية أو الإعلامية الأجنبية، لكن الوزارة المعنية لم تقدم في هذا الصدد أي تفسير لهذا الرفض، وعلى أي أساس تقبل أو ترفض الطلبات، بعض المصادر غير الرسمية وذات صلة بالملف، أشارت إلى الضغط الفرنسي في هذا الاتجاه لأن هناك منافسة فرنسية تركية لاستثمار في الجزائر، فرئيس الوزراء التركي أشار إلى ما يفيد هذا المعني أثناء تعليقه على مسلسل حريم السلطان قائلا: ”حيثما وصلت خيول أجدادنا يجب أن يكون لنا وجود” فتركيا لها نفوذ اقتصادي حتى على فرنسا في مجال المنسوجات وبينهما ثأر تاريخي، لأن فرنسا طردت الدولة العثمانية من الجزائر”. كما سبق وأن تحدث رئيس الوزراء التركي عن جرائم فرنسا في الجزائر أثناء سعي فرنسا لاستصدار قانون تجريم إبادة الأرمن، لكن فرنسا سحبت القانون تحت التهديد التركي ومخافة الضغط اقتصاديا من الدولة التي يرفضها الاتحاد الأوروبي لأن لها ماضي إسلامي على حد قول ساركوزي. وقد سعت فعلا تركيا عبر برلمانها لاستصدار قانون يجرم الإبادة الفرنسية للجزائريين إبان الحقبة الاستعمارية.
في هذا الإطار تتخوف فرنسا من أن تفقد مكانتها الثقافية في الجزائر أمام المنافسة التركية، خاصة وأن الشارع الجزائري لا يشعر بذات الحساسية الاستعمارية الموجودة مع فرنسا. فالجزائريون ينظرون للتواجد التركي بالجزائر، على أنه تواجد من أجل الحماية، فضلا على وجود العامل الديني الذي بإمكانه إيجاد الكثير من التوافق.
الاهتمام التركي بالجزائر ليس فقط اقتصاديا لكنه أيضا اهتمام ثقافي، حيث تسعى تركيا لتموقع في الجزائر من خلال صنع جسور تقارب فكري وثقافي تمكنها من التعزيز والترويج لنفسها، وهذا عبر تنظيم حلقات فكرية تحاول إيجاد نقاط التواصل بين المفكرين الأتراك ونظرائهم من الجزائر مثل حلقة ”عبد الله كولن والمفكر مالك بن نبي” التي نظمت مؤخرا بالعاصمة وحظيت بدعم ورعاية الجانب التركي.
هذا النوع من الحلقات الفكرية ينظم عبر جمعيات بالعاصمة وله أتباع ومشجعين خاصة من طلبة وأساتذة الجامعة الذي اكتشفوا أن في تركيا اتجاه ثقافي مميز. هذا ما يفسر الاتجاه الكبير في السنوات الأخيرة للطلبة الجزائريين نحو الجامعات التركية عن طريق البعثات العلمية وكذا المنح والتسهيلات التي تمنحها الجامعات التركية للطلبة الجزائريين. وقد وجد أغلب الطلبة والباحثين هناك المناخ المناسب في ظل تنامي ظاهرة معاداة الأجانب في أوروبا.
في اتجاه مماثل أيضا هناك محاولات في الجزائر من طرف بعض النخب الحزبية والمالية لتبني الخيار التركي، حيث تحاول بعض الأحزاب الإسلامية أمثال حمس والنهضة تبني الطرح التركي لتعويض خسارتها واسترجاع شرعيتها في الشارع الجزائري بعد أن فقدت مصداقيتها لدى الجزائريين على إثر اندماجها في السلطة. من جهة أخرى، هناك رجال أعمال من بعض الفئات الاجتماعية التي تحاول الترويج وتوسيع شبكة الأعمال التركية في الجزائر، موازاة مع ذلك يوما بعد آخر صار النفوذ الثقافي التركي يفرض نفسه على البلاد في منافسة الثقافة الفرنسية حتى أن مركز تعليم اللغات التابع للجامعة فتح العام الماضي تخصصا جديدا لتعليم التركية في الجزائر، بعد تسجيل الإقبال عليها من طرف الطلاب ورجال الأعمال وحتى تجار الشنطة.
المراكز الجزائرية في الخارج سبات شتوي ووكالة الإشعاع تتبنى الخيار الفرانكفوني
بعد الأزمة الأمنية التي عصفت بالبلاد، سعت الجزائر في محاولة لاستعادة واجهتها الخارجية إلى إعادة هيكلة مراكزها الثقافية في الخارج، حيث أقرت الجزائر مرسوما رئاسيا يهدف إلى إعادة هيكلتها بوضعها تحت وصاية وزارة الشؤون الخارجية، على أن تضبط نشاطها بما يتماشى والسياسة الثقافية للجزائر، وتكون وزارة الثقافة شريك في عملية التسيير لتجربتها في هذا الميدان. ونصّ المشروع على أن تقيد ميزانية المراكز الثقافية من قبل وزارة الشؤون الخارجية على أن يسير كل مركز من طرف مجلس إدارة يرأسه السفير، ورئيس البعثة الدبلوماسية إلى جانب ممثل عن وزارة الثقافة وعدد من ممثلي الوزارات التي لها علاقة سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة على غرار وزارة المالية، السياحة، التربية الوطنية، وكذا وزارتي المؤسسات الصغيرة والصناعة التقليدية، ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي، ونص المرسوم على أن مدير المركز يعين بمرسوم رئاسي. ورغم ذلك بقيت المراكز الثقافية الجزائرية في الخارج في حالة خمول، ولم تؤد دورها في التعريف بثقافة البلد وبقيت مجرد واجهة لبلد مجهول لدى الأشقاء والأصدقاء. وحتى المركز الثقافي المتواجد في باريس لا يعمل بنفس وتيرة نظيره الفرنسي بالجزائر في إطار سياسة المعاملة بالمثل، وحتى عندما تم تعيين الكاتب ياسمينة خضرا على رأسه بقي المركز خارج إطار السياسية الثقافية للبلاد إن كان للبلاد فعلا سياسية ثقافية.
أنشأت السلطات وكالة الإشعاع الثقافي من أجل الترويج للثقافة الجزائرية في الخارج عبر الأسابيع الثقافية الجزائرية في الخارج والتظاهرات العالمية الكبرى، حيث حدد المرسوم الذي انشأ الوكالة مهامها في: ”نشر أمثل للمنتوج الثقافي الجزائري خارج البلاد”، وستعزز هذه المؤسسة العمل الذي يقوم به القطاع في مجال تنظيم الأسابيع الثقافية ومشاركة الجزائر في مختلف التظاهرات الإقليمية والدولية، غير أن عمل الوكالة في الميدان يثبت أن العكس هو الحاصل، حيث تحوّلت الوكالة إلى وسيلة للترويج للثقافة الفرنسية في الجزائر فتسعين في المائة من نشاطاتها تتم باللغة الفرنسية، وأغلب ضيوفها في الجزائر من مستعملي الفرنسية. الوكالة التي فتح من دون كل عواصم العالم مكتب لها قار في باريس تدفع مبلغ إيجاره بالعملة الصعبة في أرقى أحياء العاصمة الفرنسية، حتي عندما تستضيف ضيوفا من العالم العربي أو من القارة الإفريقية فإنها تمنح الأولوية لمستعملي اللغة الفرنسية وهي الوكالة نفسها التي انتدبت لتدقيق حساباتها، وإعداد سياستها في الماركيتينغ والتسويق، سيدة فرنسية متعاونة مع مدرسة فرنسية للتسويق بالجزائر تقع في الشراڤة ”مدرسة امدي أي” ونصف أساتذتها من الفرنسيين. ويبقى معنى الدولية في عرف السلطات وحتى المؤسسات الجزائرية يعني ”فرنسا” أو لا يمكن أن يكون خارج فرنسا على الأقل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.