ما زال الربيع المزعوم لم يزهر بعد، وما زالت بلدانه تدفع يوميا قوافل من القتلى والشهداء! أول أمس في ميدان التحرير سقطت زهرة، اسمها شيماء الصياغ، مناضلة وأم لطفل، ومواطنة كانت تحلم بمصر الحرية والازدهار. سقطت برصاص الشرطة، عشية الاحتفال بالذكرى الرابعة “للثورة” وهي بصدد وضع إكليل من الزهور على النصب التذكاري في ميدان التحرير. ولن أتحدث عن الفوضى العارمة التي يقف وراءها التنظيم المحل في مصر، وما يلحقه يوميا بهذا البلد من تفجيرات وقتل وإرادة واضحة لتركيع البلاد ونظامها الجديد. فمصر ما زالت على موعد مع القتل والتفجير والدم سنوات أخرى، ما دام رأس الأخطبوط الإخواني يتمتع بلجوء مريح في أنقرة. قتلى في القاهرة وتفجيرات في اليمن التي تحاصر فيها الحكومة وأجبر الرئيس على الاستقالة، وأين يفرض الحوثيون منطقهم على هذا البلد الذي لم يعرف الاستقرار حتى بعد الإطاحة بالرئيس المتهم بالدكتاتورية واستخلافه بنظام ترضى عنه أمريكا وحليفتها السعودية. وقتلى في ليبيا كل يوم، وقتلى في سوريا، ومن هناك تأتينا أبشع صور الذبح وقطع الرؤوس من طرف التنظيم المتطرف حليف إسرائيل مثلما أكده مؤخرا بان كيمون “داعش”، فمن يومين قطعت رأس رعية يابانية، ونشرت فيديو لذبح مسلم يقرأ الشهادتين. والصورة التي تقتل كل أمل للنهوض في النفوس جاءت من البصرة، من باحة جامعتها وهي إعدام لآلاف الكتب في ساحتها حرقا، كتب ملئت بها المزابل. وهكذا يغلق العراق الباب أمام العلم والنور والبحث والرقي، ويفتح الطريق أمام الجهل والجريمة والعنف. إنه هولاكو الجديد، إنه الماغول يقتل ويحرق الكتب والمكتبات باسم الإسلام، إنه حليف الموساد الذي يريد القضاء على كل أمل لقيام قوة في العراق. فبعد استهداف أكثر من ألف عالم عراقي قتلهم منذ استهداف العراق سنة 1991، أزيد من 500 عالم منهم قتلتهم الموساد وحدها، ها هي الجامعات تحرق مكتباتها، وها هي أمريكا بوش تعود بالعراق إلى العصر الحجري مثلما وعد رئيسها سنة 2003. ويدّعون الدفاع عن الحرية وحقوق الإنسان، بينما تهدم الدول، ويحارب العلم والعلماء، وتشن طوائفها الحروب ضد بعضها البعض، وينصب نصف سكانها أعداء لنصفها الآخر، فهل هناك من قنابل أكثر فتكا بالشعوب والأوطان من هذه التي زرعتها أمريكا وحليفاتها في جسدنا؟! إنه الربيع تلبس مروجه السواد حدادا على شعوب ضحكت عليها الأمم “المتنورة” والتي تدعي قيادتها للعالم، قيادته إلى المجهول، وإلى القتل المروع، وفتح البلدان العربية والإفريقية على الخراب، وعلى الأمراض الفتاكة من السيدا إلى الإيبولا، وإلى الحروب الأهلية. إنها الحرب الكونية التي يقودها الغرب البشع باسم قيم الحرية والديمقراطية ضد المشرق وضد إفريقيا، حرب قد تطول ويكون حطبها شعوب المنطقة. إنها الهيمنة الغربية على الكون، وعلى شعوب لم تتحرر من ويلات الاستعمار، حتى سقطت فيما هو أبشع منه، أنظمة عميلة نهبت ثرواتها وتركتها لقمة في فم إمبريالية زادت بشاعة وحقدا وجشعا؟! الربيع العربي لم يزهر سوى جماجم وجثثا وملايين المشردين.