تكوين الشباب في مجال مناهضة خطابات الكراهية والتمييز "مبادرة ذكية تعزز اللحمة الوطنية"    ممثلا لرئيس الجمهورية.. العرباوي يتوجه إلى كينيا للمشاركة في قمة المؤسسة الدولية للتنمية    انطلاق الاختبارات التطبيقية لأول بكالوريا في شعبة الفنون بالعاصمة    ارتفاع حصيلة الاعتقالات بالضفة الغربية إلى نحو 8495 فلسطيني منذ 7 أكتوبر الماضي    الجيش الصحراوي يستهدف قاعدتين لقوات الاحتلال المغربي بقطاع المحبس    المرشدات الدينيات يعتبرن مدرسة تكوينية للأجيال    غرداية : اقتراح عدة معالم تاريخية لتصنيفها تراثا ثقافيا    اندلاع مواجهات مع قوات الاحتلال في الضفة الغربية    خنشلة: توقيف 12 شخصا في قضايا مختلفة    وثائقي من إنتاج مديرية الإعلام والاتصال لأركان الجيش: الجزائر الجديدة.. إنجازات ضخمة ومشاريع كبرى    مع انطلاق حملة مكافحة الحرائق: منع التخييم والتجول بالغابات بداية من الأربعاء بقسنطينة    صراع أوروبي على عمورة    حوادث المرور: وفاة 4 أشخاص بتيبازة وتيزي وزو    لأول مرة في تاريخ القضاء الجزائري: رئيس الجمهورية يمنح قضاة المتقاعدين لقب "القاضي الشرفي"    رفض الكيل بمكيالين وتبرير الجرائم: قوجيل يشجب تقاعس المجتمع الدولي تجاه القضية الفلسطينية    كشف عنها وزير المالية وسجلتها المؤسسات المالية الدولية: مؤشرات خضراء للاقتصاد الوطني    إياب نصف نهائي كأس الكونفدرالية: الاتحاد متمسك بموقفه وينتظر إنصافه بقوة القانون    بطولة الرابطة الثانية    الإقبال على مشاهدته فاق التوقعات    مباشرة إجراءات إنجاز مشروع لإنتاج الحليب المجفف    البنوك تخفّض نسبة الفائدة على القروض قريبا    الفريق أول السعيد شنقريحة : "القيادة العليا للجيش تولي اهتماما كبيرا للاعتناء بمعنويات المستخدمين"    الجولة 24 من الرابطة المحترفة الأولى "موبيليس": تعادل منطقي في داربي الشرق بين أبناء الهضاب وأبناء الزيبان بين والساورة تمطر شباك اتحاد سوف بسداسية كاملة    الرئيس تبون يمنح لقب "القاضي الشرفي" لبعض القضاة المتقاعدين    التسجيل الإلكتروني في الأولى ابتدائي في 2 ماي المقبل    استئناف أشغال إنجاز 250 مسكن "عدل" بالرغاية    بسكرة: ضبط ممنوعات وتوقيف 4 أشخاص    مظاهرات الجامعات يمكن البناء عليها لتغيير الموقف الأمريكي مستقبلا    لا صفقة لتبادل الأسرى دون الشروط الثلاثة الأساسية    10 % من ذخائر الاحتلال على غزّة لم تنفجر    نطق الشهادتين في أحد مساجد العاصمة: بسبب فلسطين.. مدرب مولودية الجزائر يعلن اعتناقه الإسلام    لحوم الإبل غنية بالألياف والمعادن والفيتامينات    حساسية تجاه الصوت وشعور مستمر بالقلق    هدم 11 كشكا منجزا بطريقة عشوائية    دورة تكوينية جهوية في منصة التعليم عن بعد    الاتحاد لن يتنازل عن سيادة الجزائر    رياض محرز ينتقد التحكيم ويعترف بتراجع مستواه    إنجاز جداريات تزيينية بوهران    15 ماي آخر أجل لاستقبال الأفلام المرشحة    أكتب لأعيش    بيولي يصدم بن ناصر بهذا التصريح ويحدد مستقبله    لو عرفوه ما أساؤوا إليه..!؟    استفادة كل ولاية من 5 هياكل صحية على الأقل منذ 2021    وزير النقل : 10 مليار دينار لتعزيز السلامة والأمن وتحسين الخدمات بالمطارات    جيدو /البطولة الافريقية فردي- اكابر : الجزائر تضيف ثلاث ميداليات الي رصيدها    محسن يتكفل بتموين مستشفى علي منجلي بخزان للأوكسيجين بقسنطينة    الطبعة الأولى لمهرجان الجزائر للرياضات: مضمار الرياضات الحضرية يستقطب الشباب في باب الزوار    استثمار: البنوك ستخفض قريبا معدلات الفائدة    تجاوز عددها 140 مقبرة : جيش الاحتلال دفن مئات الشهداء في مقابر جماعية بغزة    ندوة ثقافية إيطالية بعنوان : "130 سنة من السينما الإيطالية بعيون النقاد"    نحو إعادة مسح الأراضي عبر الوطن    منظمة الصحة العالمية ترصد إفراطا في استخدام المضادات الحيوية بين مرضى "كوفيد-19"    مهرجان الفيلم المتوسطي بعنابة: الفيلم الفلسطيني القصير "سوكرانيا 59" يثير مشاعر الجمهور    حج 2024 : استئناف اليوم الجمعة عملية حجز التذاكر للحجاج المسافرين مع الديوان الوطني للحج والعمرة    أهمية العمل وإتقانه في الإسلام    مدرب مولودية الجزائر باتريس يسلم    حج 2024 :استئناف اليوم الجمعة عملية حجز التذاكر للحجاج المسافرين مع الديوان الوطني للحج والعمرة    دروس من قصة نبي الله أيوب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التعاون الاستراتيجي بين السعودية وتركيا في وجه التحديات
نشر في الفجر يوم 02 - 01 - 2016

إنشاء مجلس التعاون الاستراتيجي بين السعودية وتركيا حدث يتعدى الحلف الثنائي وهدف توازن القوى السنية في العراق وسورية ويتطلب قراءة معمقة للعلاقة السعودية– المصرية كما العلاقة التركية– الروسية والعلاقة التركية– المصرية المتوترة. إيران وقطر حاضرتان أيضاً في الحدث السعودي– التركي، وكذلك الولايات المتحدة و ”داعش” والمعارضة السورية.

هناك قواسم مشتركة عديدة، بطبيعة الحال، في العلاقة التي ارتقت هذا الأسبوع رسمياً إلى مرتبة التعاون الاستراتيجي، إنما هناك أيضاً اختلاف في أكثر من مكان. التحدي الأهم يكمن في آليات مجلس التعاون الاستراتيجي وآليات فاعلية التحالف إذا استدعت التطورات على الساحة السورية التصدي ميدانياً للحماية الروسية للرئيس السوري بشار الأسد. التحديات الأخرى تشمل التوفيق بين الأولوية التركية في العداء للتنظيمات الكردية ولطموحات الأكراد الإقليمية وبين نأي السعودية بنفسها عن تلك الأولوية التركية. ثم هناك بقع رمادية عدة في محاربة التنظيمات السنية المتطرفة التي تصنفها واشنطن وموسكو إرهابية بالرغم من توافق أنقرة والرياض على محاربة تنظيم ”داعش” وأمثاله، لأن ”داعش” يشكل خطراً وجودياً على السعودية لعله أكبر من الخطر الذي يشكله على تركيا، أقله من وجهة نظر البعض في تركيا.
أولى المحطات هي مصر، التي لها علاقات متوترة مع تركيا وتحالفية مع السعودية. مصر عبدالفتاح السيسي تنظر إلى تركيا رجب طيب أردوغان على أنها الموّلد لجماعة ”الإخوان المسلمين” وترى في أي خطوة سعودية- تركية تقارباً سعودياً– تركياً في شأن جماعة ”الإخوان” الذين سبق وصنّفتهم السعودية في خانة الإرهاب. فالقاهرة تريد للجماعة أن تبقى في تلك الخانة وتخشى أن يكون في طيات ترقية العلاقات بين الرياض وأنقرة نية للتراجع عن ذلك التصنيف.
علاقة السعودية بمصر استراتيجية وتحالفية والرياض متمسكة بدعم مصر، لا غبار على ذلك، بالرغم من عدم الارتياح إلى مواقف القاهرة تجاه سورية، أو ترددها في المغامرة في اليمن، أو ما يراه البعض ضعفاً في دورها في الحلف الإسلامي ضد الإرهاب. مصر من جهتها، تقدّر الدعم السعودي والإماراتي والكويتي الذي لا غنى عنه بالرغم من استيائها من التوقعات الخليجية منها، ومن اضطرارها إلى التخلي مرحلياً عن موقع القيادة العربية، ففي نهاية المطاف تدرك القاهرة والرياض معاً أن مصر حيوية ومركزية ولا بديل منها في موازين القوى الإقليمية. إنما مع إنشاء الحلف الاستراتيجي السعودي– التركي، تتساءل مصر أين هي في ذلك الحلف؟ وكيف سيتم التوفيق بينه وبين موقعها في الوزن العربي الاستراتيجي في موازين القوى الإقليمية؟ وترد السعودية بأن لا تناقض بين الاثنين، والدليل هو الالتزام باستمرار العلاقة السعودية التحالفية بفعالية. والواضح أن هناك حاجة لحديث معمّق بين الدولتين العربيتين الكبيرتين لإيضاحات ضرورية علناً.
روسيا لها موقع مميز مع مصر ولها أيضاً علاقات مع السعودية مثيرة للاهتمام. أحد جوانب التعاون الاستراتيجي الروسي– المصري ينبثق من كراهية الطرفين الجماعات الإسلامية، وعلى رأسها ”الإخوان المسلمون”. وهذا بدوره يقرّب المواقف الروسية والمصرية في سورية في الوقت الذي تتباعد المواقف السعودية– الروسية في الشأن السوري وتتصادم المواقف الروسية– التركية.
البراغماتية التي تتبناها حالياً الديبلوماسية السعودية أدّت بالرياض إلى فتح صفحة عملية مع موسكو -بالرغم من الاختلافات العميقة في الشأن السوري- تمثلت في التوافق على ”عملية فيينا” التي أتت بإيران إلى طاولة البحث في مستقبل سورية. والبراغماتية هي التي جعلت الرياض تتوجه إلى إنشاء مجلس تعاون استراتيجي مع أنقرة في خضم التوتر الروسي– التركي مع الحرص الكامل على عدم اختلاق عداء مع موسكو. والبراغماتية تمثلت أكثر ما تمثلت في العلاقة مع روسيا في اليمن، فهناك مفصل مقابل في العلاقة السعودية– الروسية.
موسكو تعهّدت بعدم التدخل في اليمن ضد التحالف العربي، وهي رفضت هذا الأسبوع طلباً من الرئيس السابق علي عبدالله صالح للتدخل ضد التحالف تنفيذاً لتعهداتها للرياض. اليمن أولوية سعودية، ميدانياً كما في الساحة الدولية في الأمم المتحدة حيث موسكو بالغة الأهمية. ولذلك، مهما اختلفت السعودية مع روسيا في سورية أو في شأن إيران، فهي ملتزمة بالحفاظ على العلاقة البراغماتية الجديدة بسبب اليمن أولاً، إنما أيضاً لاعتبارات أوسع وأشمل، استراتيجية وثنائية. موسكو من جهتها تود الحفاظ على علاقات طيبة مع السعودية طالما لا تشترط عليها الرياض فك تحالفها مع إيران أو التخلي مسبقاً عن مواقف تتمسك بها، مثل تمسكها بالنظام في دمشق كأولوية. فهنا أيضاً شقت البراغماتية طريقها إلى الواقعية وسار أقطاب ”عملية فيينا” المتمثلة بحوالى عشرين دولة، من ضمنها الولايات المتحدة وتركيا والسعودية، في الخطى التي رسمتها الديبلوماسية الروسية وصولاً إلى الجولة الثالثة في نيويورك التي توّجت بقرار سابق لمجلس المن الدولي.
ذلك القرار رقم 2259 رحّل المسائل الخلافية، مثل بقاء بشار الأسد في السلطة ومصيره في المرحلة الانتقالية ولم يأتِ على ذكره. رحّل أيضاً الاختلافات على مَن هم أقطاب المعارضة السورية المقبولة ومن هي التنظيمات الإرهابية في سورية. وقفّز القرار ”عملية فيينا”، التي هي وليدة روسية، على ”بيان جنيف” الذي فصّل عملية انتقالية يسلّم فيها الأسد كامل الصلاحيات التنفيذية إلى حكم انتقالي، وحقق القرار انقلاباً على ”بيان جنيف” عبر تثبيت مرجعية ”عملية فيينا” بدلاً من جنيف فقفز على ”عقدة الأسد” رسمياً.
لائحة الاقتراحات بالتنظيمات التي يجب أن تُصنّف إرهابية التي تلقاها الأردن وتم تكليفه بإعدادها، تم ترحيلها أيضاً. والسبب هو الغضب الهادئ الذي تمثّل بمحو الابتسامة العريضة على وجه وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف أثناء اجتماع أقطاب ”عملية فيينا” في فندق ”بالاس” في نيويورك لدى اطلاعه على إدراج ”فيلق القدس” و ”حزب الله” على القائمة، فأدى غضبه إلى تعليق الاجتماع، وانتهى الأمر بنوع من دفن لتلك القائمة وبدء العمل من جديد.
تركيا بدورها أدرجت ”حزب العمال الكردستاني” ضمن من تعتبره إرهابياً في سورية، فأثارت البلبلة. روسيا من جهتها ركّزت أنظارها على قائمة المعارضة السورية التي أعدتها الرياض في أعقاب اجتماع سابق جمع أقطاب المعارضة السورية، لكن موسكو أصرت على الاكتفاء بالإشارة إلى ذلك الجهد في الفقرات التمهيدية من القرار 2259، فحذفته من الفقرات العاملة التي سعت إلى تبني القائمة.
المعركة السياسية على كيفية تنفيذ القرار 2259 الذي أقر العملية السياسية في سورية لأول مرة منذ بدايتها قبل خمس سنوات، آتية. السعودية وتركيا تريدان إدخال شخصيات وتنظيمات على القوائم الخاصة بالإرهاب ترفض روسيا إدخالها. إنما الرياض تريد الاستفادة من أنقرة للضغط على إيران بأبعد من القائمة وليس حصراً فيها، هدفها وقف التدخلات الإيرانية في المنطقة، والاتفاق على آليات تضمن فاعلية التحالف ضد الإرهاب والتصدي للتحركات الروسية في حماية الأسد.
وزير الخارجية السعودية عادل الجبير في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره التركي مولود شاويش أوغلو في أعقاب لقاء القمة بين الملك سلمان بن عبدالعزيز ورجب طيب أردوغان في الرياض الثلثاء، كشف عن تشكيل مجلس للتعاون الاستراتيجي. هو قال إن الهدف من المجلس يشمل ”التنسيق بشكل أكبر وأكثر” في ظل الظروف والتحديات التي نواجهها سوياً في سورية أو العراق أو اليمن أو ليبيا، سواء في ما يتعلق بالإرهاب والتطرف، أو في ما يتعلق بتدخلات إيران السلبية في شؤون المنطقة. وأضاف أن ”جميع هذه الملفات تحتاج إلى المواجهة والتعامل معها”.
مواجهة التحديات ليست سهلة في ضوء الوقائع الواضحة وتلك الرمادية. فتركيا ليست مشاركاً فاعلاً في الحرب على ”داعش” وأمثاله في سورية، خوفاً منها على مصير الأكراد مع ضعف النظام وإصراراً على رفض ”العلمانية”، وهذا يكشف استمرار إصرارها على تمكين الجماعات الإسلامية، وتركيا تسير في اتجاه معاكس نوعاً ما مع السعودية في العراق، حيث أعادت السعودية سفيرها بعد انقطاع ربع قرن وحيث تزداد العلاقة التركية– العراقية توتراً. صحيح أن لكليهما تحفظاً على حكومة حيدر العبادي في بغداد، إنما كلٌ لأسبابه، فأسباب تركيا دوماً لها بعد كردي، وأسباب السعودية إيرانية. كلاهما اليوم ينطلق من معادلة توازن القوى السنية في أعقاب هروب ”داعش” من الرمادي إما تقهقراً أو في استراتيجية هروب مدروسة لغايات أسوأ.
كل من السعودية وتركيا ضروري جداً لتنفيذ غاية القضاء على ”داعش” في العراق وفي سورية. مجلس التعاون الاستراتيجي السعودي– التركي حدث مهم لكنه ليس البديل من مجلس التعاون الخليجي. ولا هو البديل من النظام الأمني الإقليمي الذي يتصدى لما تسعى وراءه إيران عندما تتحدث عن نظام أمني جديد في المنطقة ليضمها مع العراق ودول مجلس التعاون الخليجي بعد تفكيكه. إنه حدث مهم يتطلب القراءة العميقة والمتابعة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.