هجرة غير شرعية:درك وهران يوقف 53 شخصا من بينهم 21 أجنبيا    باتنة على موعد مع الطبعة الرابعة: مهرجان إيمدغاسن الدولي يحتفي بنجوم السينما الجزائرية    اليوم العالمي لحرية الصحافة: عميد جامع الجزائر يدعو للتصدي للتضليل الإعلامي الغربي    البطولة الإفريقية للسباحة: 3 ذهبيات وبرونزية حصاد الجزائر في اليوم الرابع من المنافسات    ألقاها نيابة عنه العرباوي أثناء انعقاد القمة 15 لمنظمة التعاون الإسلامي بغامبيا: الرئيس تبون: ما يحدث في فلسطين المحتلة ضربة لشرعية القانون الدولي    الرئيس تبون.. جهود كبيرة في تعزيز التعاون الاقتصادي الإفريقي    المصادقة بالإجماع على التقريرين الأدبي والمالي    الجزائر الجديدة.. حركية كبيرة وتدابير تشجيعية    ثلاث مجازر صهيونية جديدة ضد الفلسطينيّين    الصحافة الوطنية تلعب دورا كبيرا في المشهد الإعلامي        مشاركة 183 عارضا لمختلف القطاعات الاقتصادية الجزائرية    رؤساء الأندية يطالبون بتعديل متوازن    حقيقةX دقيقة: بعد سنوات الظل..    وسام مالي لمصطفى براف    بوغالي: الإعلام العالمي في الحضيض    تجنُّد لحماية الغابات    انتشال جثة طفلة بالمغيّر    وزارة التربية:للمتمدرسين والمترشحين الأحرار: تذكير بموعد سحب استدعاءات البيام والبكالوريا    وقفة تضامنية مع إعلاميين صحراويين    السيد تاقجوت يبرز الانجازات الاقتصادية والاجتماعية المحققة خلال السنوات الأخيرة    رئيس الجمهورية يدعو إلى إصلاح منظمة التعاون الإسلامي    اقترح عليه زيارة فجائية: برلماني يعري فضائح الصحة بقسنطينة أمام وزير القطاع    وزارة البريد والمواصلات: إطلاق حملة وطنية للتوعية بمخاطر استعمال الوسائط الاجتماعية    رخروخ: الجزائر مؤهلة أكثر من أي وقت مضى لتعزيز حضورها الاقتصادي اقليميا وقاريا    السيدة كريكو تبرز "المكانة المرموقة" التي تحظى بها المرأة ضمن المشروع المؤسساتي لرئيس الجمهورية    الدرك الوطني يحذر من ظاهرة النصب والاحتيال عبر الانترنت    أم البواقي : افتتاح التصفيات الجهوية لمسرح الطفل بمشاركة 11 ولاية    الأمين العام لحركة النهضة من برج بوعريريج: لا بديل عن الانتخابات الشفافة والنزيهة في اختبار من يقود البلاد    الرئاسيات المقبلة هي عنوان الشرعية الشعبية للمؤسسات وضمان للاستقرار المؤسساتي    جمعية العلماء المسلمين الجزائريين تنظم لقاء بمناسبة الذكرى ال93 لتأسيسها    منشآت رياضية : بلعريبي يتفقد أشغال مشروع ملعب الدويرة    المنظمة الوطنية للصحفيين الجزائريين تدعو إلى الاستمرار في النضال في وجه التحديات    مشاركة قرابة 20 ولاية في المعرض الوطني للفنون والثقافات الشعبية بعين الدفلى    الجزائر نجحت في حماية تنوعها الثقافي ضد محاولات زرع الفتنة    الشريعة الإسلامية كانت سباقة أتاحت حرية التعبير    الجزائر تستقبل دفعة ثانية من الأطفال الفلسطينيين    تجسيد مشروع ملموس للتنقيب وتحويل خامات الليثيوم    حان الوقت لرفع الظلم التاريخي عن الشعب الفلسطيني    برنامج مشترك بين وزارة الصحة والمنظمة العالمية للصحة    "المحاربون" يستقبلون غينيا يوم 6 جوان ببراقي    صحفيو غزة.. مئات الشهداء والجرحى والمعتقلين في سبيل القضية    توقيع 3 اتفاقيات بالصالون الدولي "لوجيستيكال"    دبلوماسيون ومتعاملون أجانب: رغبة في تطوير المبادلات    أكثر لاعب أنانيٍّ رأيته في حياتي!    فوز الدراج نهاري محمد الأمين من مجمع "مادار"    إطلاق مسابقة أحسن صورة فوتوغرافية    دعوة لصيانة الذاكرة من التزييف والتشويه    وضع شاطئ "الكثبان" على طول 7 كلم تحت تصرف المصطافين    اقتناء 4 شاحنات ضاغطة لجمع النفايات    والي سكيكدة تُمهل رؤساء الدوائر إلى 15 ماي    إذا بلغت الآجال منتهاها فإما إلى جنة وإما إلى نار    "الحق من ربك فلا تكن من الممترين"    «إن الحلال بيِّن وإن الحرام بيِّن…»    التوقيع على برنامج عمل مشترك لسنة 2024-2025 بين وزارة الصحة والمنظمة العالمية للصحة    استئناف حجز التذاكر للحجاج المسافرين مع الديوان الوطني للحج والعمرة يوم الأربعاء بالنسبة لمطار الجزائر    القابض على دينه وقت الفتن كالقابض على الجمر    استئناف حجز التذاكر للحجاج المسافرين مع الديوان الوطني للحج والعمرة اليوم الأربعاء بالنسبة لمطار الجزائر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الترميمات لم تثن زوّارها عن زيارتها و النشرة طقس لا يزال مقدسا
نشر في النصر يوم 24 - 12 - 2016

زاوية "الغراب" بقسنطينة.. هنا تتعلّق الآمال بحبال الخرافة
لا تزال زاوية سيدي محمد الغراب بقسنطينة، تفرض نفسها اليوم في عصر التكنولوجيا بشكل غريب، فمنذ تأسيسها في القرن 18، لا يزال هذا المزار قبلة للأوفياء من كل حدب
و صوب، حتى أن اختلاف الأزمنة و انشغالات الحياة و تطوّر الخطاب الديني و توسّع تأثيره، لم يكسر هيبة المكان الذي يخضع منذ سنة تقريبا، لترميمات لم تثن الزائرين على حمل الشموع إلى ضريح الولي الصالح و تقديم النذور و التبرك بخضرة تلك الملاءة الحريرية التي تتوشّحها أسطورة الرجل الغراب لتزيد لهيبة المكان سحرا.
نور الهدى طابي
الولي الذي تحوّل إلى غراب و مكث بأعالي قسنطينة
الزاوية، أخذت شهرتها من تسميتها التي ارتبطت بأسطورة ولي صالح، يقول المؤرخون بأنه شيخ من زاوية «الشطابة» التي حظيت باحترام كبير خلال القرن 18، و يدعى هذا الرجل محمد الزواوي الحنصالي، روي عنه بأنه كان على خلاف مع صالح باي، حسبما ذكره المؤرخون، و هذا بسبب معارضته لبعض مواقفه، وقد أصدر الباي قرارا بقطع رأسه بعد أن احتد الخلاف بينهما وأصبح الباي يرى في قوة الزوايا خطرا على حكمه.
و من الروايات الشائعة حول الولي الصالح أن صالح باي أصدر حكما بإعدام محمد الزواوي الذي دعا عليه أمام الملأ بعدما اتهمه بالتمرد، وذلك قبل أن يلجأ إلى جبل شطابة أين اختبأ، لكن الباي اعتقله و قطع رأسه، فطارت جثته بعد أن تحولت إلى غراب، وحطت بحدائق أو «جناين» صالح الباي الذي اعتبرها نذير شؤم، ما دفعه إلى بناء ضريح له بعد أن ندم على فعلته، فأصبح المكان يسمى ضريح «سيدي الغراب».
وهناك الكثير من الأساطير الأخرى التي فندتها الروايات المنطقية، كما أكدت المؤرخة فاطمة الزهراء قشي في عديد أبحاثها، مشيرة إلى أن الصراع كان حقيقة بين صالح باي والطرق الصوفية في عهده، والتي كانت تهدد حكمه، حيث قطع رأس الشيخ المذكور لاسترجاع هيبته، ثم بنى له ضريحا بالمنطقة، بعد أن أدرك خطأه، إلا أن الأسطورة انبثقت من العدد الهائل من الغربان التي تحوم حول صخور قسنطينة.
تأتيه الهدايا من كل صوب
عندما تلج المكان لأول مرة، تشدك زرقة النيلة التي تغطي جدران الغرفة، وهي عبارة عن فضاء واسع مقعر السقف تزينه ثريات قديمة، على اليمين توجد قبور لأجداد و أحفاد العائلة المالكة للزاوية، عائلة «بن جلول»، و على اليسار يوجد الضريح الشهير، قبر كبير مغطى بوشاح أخضر فوقه آخر أسود، تزينه آيات قرآنية، خلفه مباشرة يوجد قبر صغير غير معروف.
تعتبر الزاوية اليوم من أنشط زوايا قسنطينة، لأن الأوفياء لطقس « النشرة» أو «الوعدة»، لا يزالوا يمارسونه إلى اليوم، خصوصا مع بداية فصل الربيع، كما علمنا من السيدة التي تعيش بالإقامة، حيث يوجد ضريح سيدي محمد الغراب.
محدثتنا أكدت بأن أشغال الترميم التي طالت الزاوية، لم تؤثر على الإقبال إذ يعتبر الأربعاء و الاثنين المفضلان لزوار الزاوية، خصوصا من النساء اللائي يقصدن ضريح الولي الصالح للتبرك به، وهناك تقطع كل واحدة منهن نذرا، غالبا ما تعود للوفاء به بعد شهر أو شهرين.
السيدة عائشة، قالت بأن الزاوية التي لم تهمل يوما حتى بعد وفاة « المقدم» وهو الشيخ الذي كان يسهر على حراستها و تنظيفها و إعدادها لاستقبال الزوار، فإلى غاية يومنا هذا، كما أضافت، تأتي النساء من قسنطينة و مدن كثيرة مجاورة، على غرار باتنة، تبسة ، بريكة و عنابة وحتى من ولايات الجنوب، لزيارة الولي و منهن من تتطوعن لتنظيف الزاوية، فضلا عن ذلك فإنهن لا تدخلن الضريح إلا وبأيديهن هدايا، سواء عطور و مأكولات شهية أو حلويات تقليدية، خاصة «طمينة الفرخ» أي طمينة السميد البيضاء، و غيرها ومنهن من تترك مبالغ مالية .
"البورمة " هنا تغرق الهموم و تغتسل الأرواح
ميزة المكان الريفي تكمن في كونه إقامة كاملة تشبه في هندستها منازل المدينة القديمة، تضم غرفا للنوم كانت تستغل سابقا من قبل العائلات القسنطينة العريقة للمبيت خلال مواسم «النشرة» أو نهايات الأسبوع، أين كن يحضرن الولائم على أنغام الوصفان و الإخوان و البنوتات، حسب أسلوب كل عائلة، وهي عادة ورثنها عن حريم الباي.
و أجمل شيء قد يشد الزائر، تلك النخلة المعوجة المتواجدة بمحاذاة المسبح أو «البورمة»، و التي رويت عنها أساطير كثيرة، كتلك التي تقول بأن رجلا حاول قطعها، لكنها كانت تنمو في اليوم الموالي و تتخذ وضعية السجود، وقد علمنا من مضيفتنا، بأن المكان كان في أزمنة غابرة عبارة عن مذبح تقدم فيه القرابين من ثيران و ديكة، و يمسح الزوار بدمائها على أجسادهم ، قبل أن يغطسوا في مياه البورمة، وهي عبارة عن منبع مائي مهيب يشبه الكهف، يتم النزول إليه عبر درج، و يحكى ، كما أضافت محدثتنا، بأن منسوب مياهه كان يرتفع عند تقديم كل قربان جديد. محدثتنا قالت بأن المكان أغلق بعد غرق ابن المقدم السابق للزاوية فيه، و هجر تماما بعد بداية الترميمات، لكن في السابق كانت تقصده النسوة للتبرك بمياهه و طلب الشفاء من المرض و العقم والبحث عن الراحة النفسية.
أما نساء المدينة وفي مقدمتهن السيدة زلوخة الفرقاني، فأشارت إلى أنها كانت تختار يوم الأربعاء للتوجه بمعية مجموعة من النساء إلى هذا المكان
و تحضرن صينية قهوة تقليدية و تجلسن مطولا على مشارف « البورمة»، قبل أن تغادرن المكان، تاركات خلفهن صدى زغاريد أطلقنها عند وصولهن خلال ساعات الصباح الباكر.
نذر طويل ينطلق من لالة فريجية إلى سيدي لغراب
«النشرة» عبارة عن طقس يمارس على الأقل مرة في السنة، أو كلما كان الاحتياج له ضروريا، بناء على نذر أو إحياء لذكرى الشيخ محمد لغراب أو بهدف تحقيق الأماني.
و حسب ما علمنا من السيدة القائمة اليوم على حماية الزاوية و خدمتها، فإن عادة «النشرة» أو «الوعدة» أو الزيارة ،ظهرت أيام صالح باي، و قد كانت رحلة صوفية تتنوع طقوسها بالنسبة للعائلات القسنطينة، فتستهل مسارها بنقطة مباركة تعرف ب"لالة فريجية" وهي امرأة عاشت في 1750 ،و يشاع عنها بأنها امرأة روحانية تشفي المرضى وعلى يدها البركة، و قد اتخذت لنفسها حيزا على شكل «قرابة» ، بمحاذاة عين، يقال أنها تشفي من الأمراض، و ذلك بالحي الشعبي المعروف اليوم ب"عوينة الفول" أسفل فندقي "إيبيس" و "نوفوتيل"، و قد اندثر المكان كليا اليوم وتحول إلى أكوام من التراب.
وعلى بعد أمتار يوجد "مزار سيدي ميمون" ، و يعود تاريخ تواجده إلى سنة 1770، و قيل أنه لولي صالح يشفي جميع المرضى دون استثناء بنفس طريقة لالة فريجية، وهو إنسان ذو علم ودين، حيث لا تزال بعض بقايا مزاره قائمة، وهو مزار على شكل مغارة صغيرة محاطة من كل الجوانب، و لها باب شبه دائري للخروج و الدخول.
أما المحطة الثالثة في المسار، فهي أسفل الجسر، حيث يرقد «سيدي مسيد» وتصب كل العيون الشافية بالقرب من ضريحه الذي بني على أنقاضه مسبح الآن، وفي الطريق عبر منطقة المنية نصل إلى «سيدي بولجبال» في الجهة الشرقية لمنطقة حامة بوزيان، وهو مزار آخر يسبق الوصول إلى «سيدي الغراب»، حيث كانت العائلات تذبح هناك حمامتين وتتركا هناك، و يقال بأنه طقس كانت تقصد به الصدقة، فيما فسره البعض ، خصوصا خلال عصر النهضة الفكرية التي قادها العلامة عبد الحميد بن باديس، على أنه سلوك خارج عن أصول الدين.
وقد كان يشرف على هذه الرحلة التي كانت تسمى « النوبة»، كما قالت السيدة عائشة، رجل يلقب ب « المقدم» و معنى النوبة، حسبها، هو وضع العطايا والمنح والهدايا و الحيوانات التي يتم ذبحها، لتوزيعها على الفقراء، قبل الوصول إلى النقطة الأخيرة للنشرة، و هي زاوية «سيدي لغراب»، أين يرقد الولي الصالح رفقة مجموعة من أفراد عائلته .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.