الرئيس تبون يقود الجزائر بثبات نحو التطور المنشود    إجراءات استباقية لضمان دخول مدرسي ناجح بوهران    ياسين وليد يستقبل منسّقة الأمم المتحدة في الجزائر    اختتام اكتتاب القرض السندي لشركة "توسيالي الجزائر" بنجاح    3 حالات للحصول على البطاقة الذهبية الكلاسيكية    الجزائر تدين المخطط الصهيوني لإبادة الشعب الفلسطيني    تسارع وتيرة سن تشريعات تكرّس منظومة الفساد في المغرب    نظام البطاقية الوطنية لترقيم المركبات: خطوة نحو منظومة رقمية متكاملة لتسيير المركبات    الجزائر تدعو من نيويورك إلى تعزيز الدبلوماسية الوقائية وتدافع عن حقوق الفلسطينيين    أمطار رعدية مرتقبة بعدة ولايات بداية من ظهيرة الجمعة    التسممات الغذائية في الصيف: مخاطر متزايدة وضرورة للوقاية    الجزائر تؤكد التزامها بالدفاع عن الموقف الإفريقي الموحد في قمة إصلاح مجلس الأمن    بوغالي يعزي في وفاة الصحفي بالإذاعة الوطنية ناصر طير    المغرب: الدعوة الى حل لجنة الصداقة البرلمانية مع الكيان الصهيوني في ظل تصاعد الغضب الشعبي ضد التطبيع    الجزائر تستنكر منع أعوانها الدبلوماسيين من الوصول إلى الحقائب الدبلوماسية بمطارات باريس وتقرر الرد بالمثل    الألعاب الإفريقية المدرسية بالجزائر... منصة لصقل مواهب الشباب    سوناطراك توقّع 4 مذكرات تفاهم مع مؤسسات طاقوية ليبية لتعزيز التعاون في مجالات المحروقات    رئاسة الجمهورية تعزي في وفاة الصحفي ناصر طير    الطارف..سوناطراك تُكمل بنجاح رفع وتيرة الإنتاج بمحطة تحلية مياه البحر بكودية الدراوش    انطلاق فعاليات الدورة ال28 للمهرجان الوطني للمسرح المدرسي بمستغانم    تنسيق إداري موسع لترقية الاستغلال    برنامج سياحي وثقافي.. كرة القدم وتنس الطاولة أول المنافسات بقسنطينة    1700 رياضي يشاركون في الطبعة الأولى بالجزائر    ربيقة يوقّع على سجل التعازي    الأطفال يحولون أنشطتهم الرقمية إلى مصدر للربح    هذا جديد مصنع فيات    حجز 2 كلغ "كيف" وتوقيف مروجين    السيطرة على حريق حجريية بكركرة    إخماد حريق غابة تافرنت    لقاءات وطنية للإعلام والتوجيه لفائدة التلاميذ    "انبثاق" بقصر "الداي"    الكتاب سيحتفظ بمكانته رغم التحديات الرقمية    5 مواهب شابة تدخل المنافسة    خضرا: سأعبّر عن استيائي ضدّ الإبادة    كاراتي دو- بطولة إفريقيا- 2025 / فئة الأشبال: الجزائري أيمن بن خدة يتوج باللقب القاري    مقررة أممية تدعو الدول الرافضة لوحشية الكيان الصهيوني في قطاع غزة إلى فرض عقوبات عليه    مرصد يدين بشدة محاولات الاحتلال المغربي طمس الهوية الوطنية والثقافية للأطفال الصحراويين    الجزائر العاصمة تحيي الذكرى ال185 لميلاد الملحن الروسي الكبير تشايكوفسكي باحتفالية موسيقية    المغرب : تسارع وتيرة سن تشريعات تجهز على الحقوق والحريات    وهران: 49 جريحا إثر انقلاب حافلة لنقل المسافرين بقديل    بطولة إفريقيا للاعبين المحليين: مدرب المنتخب الجزائري يعاين عن قرب جاهزية لاعبين في مباراة تطبيقية    المتعاملون الاقتصاديون المتواجدة سلعهم حاليا في الموانئ مدعوون لتقديم جملة من الوثائق لتسوية وضعيتهم    الجزائر تحتضن الألعاب الإفريقية المدرسية    الجزائر تستعد للمعرض الإفريقي    بوقرة يكشف عن قائمته    تواصل موجة الحر بعدة ولايات    إدراج بنك (AGB) ضمن قائمة البنوك المعنية بحق الصرف الجديد    الجزائر تعتبر اللغة العربية "قضية سيادية وثقافية بامتياز "    شبكة ولائية متخصصة في معالجة القدم السكري    منظمة الصحة العالمية تحذر من انتشار فيروس شيكونغونيا عالميا    وهران: افتتاح معرض الحرمين الدولي للحج والعمرة والسياحة    هذه حقوق المسلم على أخيه..    النمّام الصادق خائن والنمّام الكاذب أشد شرًا    إجراءات إلكترونية جديدة لمتابعة ملفات الاستيراد    استكمال الإطار التنظيمي لتطبيق جهاز الدولة    رموز الاستجابة السريعة ب58 ولاية لجمع الزكاة عبر "بريدي موب"    أفشوا السلام بينكم    هذا اثر الصدقة في حياة الفرد والمجتمع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سيدي عبد الرحمان.. عساس البهجة وصاحب القبة العالية
نشر في الحوار يوم 28 - 06 - 2010

يشق ضريح سيدي عبدالرحمان الثعالبي بروحانيته الطريق بين التمدن والأصالة. ورغم دخولنا بوابة القرن الواحد والعشرين، إلا أن الاعتقاد ببركة الأولياء الصالحين لا يزال ماثلا في يوميات العاصميين باختلاف أعمارهم وتوجهاتهم. وبين البحث عن السكينة وتحقيق الأماني بين جدران مضت عليها قرون من الزمان وبين القائلين بحرمة هذه الطقوس لا يزال سيدي عبدالرحمان قبلة العاصميين ومتنفسا لمن ضاقت به سبل الحياة.
يحتل يوم الجمعة مكانة مميزة لزوار ضريح الولي الصالح سيدي عبدالرحمان، حيث تعوّد السكان المجاورون رؤية جموع المواطنين من مختلف الأعمار تحج الى هذا المكان حاملين في أيديهم شموعا وحنة وأشياء أخرى، وفي قلوبهم أمانٍ ودعوات بفك ضيقهم بجوار قبر هذا الولي الصالح، والكثير من مرتادي الضريح يفضلون تكريس أنفسهم لاعتقادات يرونها تنهل من عادات اجتماعية متوارثة، ويجدون في ذلك ''سكينة'' نفسية لا تتحقق إلا بالتسليم ل''بركات'' الضريح الذي أثبت لهم في مرات عدة أن قوته الخفية من شأنها تخليصهم من المشاكل وتحقيق آمالهم وتطلعاتهم. وهو ما جعل أعداد مرتاديه تتزايد يوما بعد آخر ولا تتوقف عن زيارة سيدي عبدالرحمان مهما كانت المعيقات. فالمكان بالنسبة للكثير من سكان العاصمة جزء من تقاليد متوارثة لم يستطع لا الزمن ولا محاربو ظاهرة زيارة الأضرحة، التقليل منها ومن مفعولها السحري في تهدئة النفوس وإدخال السكينة إليها. فالجالسون بالقرب من الضريح الذي يتوسط غرفة صغيرة المساحة والمغطى بقطع كثيرة من قماش أخضر أتت به النسوة القادمات لزيارة الضريح، يجدون أنفسهم في جوّ روحاني كبير، وهو ما أكدوه لنا. فالباحثون عن السكينة لن يجدوا، حسبهم، أحسن من ضريح سيدي عبدالرحمان لراحتهم النفسية وهو شعور خفي لا يمكن لأحد أن يصل إليه إلا محبو سيدي عبدالرحمان والمتعودون على زيارته من سكان العاصمة والولايات المجاورة لها وحتى المهاجرون الذين يأتون خصيصا لاستعادة جزء من ذكريات الماضي وروحانية المكان التي تشع من بعيد.
''النية والتسليم'' طريق لتحقيق الأماني
يعتبر ''المتبركون'' بالضريح أن الجود بالمال على مسيريه وبعض المتسولين له تأثير في بلوغ ما يصبون إليه، إذ أن ''النية والتسليم'' طريق قصير نحو الهدف المنشود، ولهذا لا يتوانى أكثرهم في أن يكون سخيا، ومعطاء في هذه الحالة، باعتبار أن ضريح سيدي عبد الرحمان كغيره من الأضرحة يستدعي من زواره الإكثار من الخير والتصدق على المحتاجين الذين ليس لهم حضن يلجأون إليه غير سيدي عبد الرحمان، ولهذا فكثيرا ما يستوطنه المتسولون، حتى أصبح بمثابة مقر لعملهم. كما أن نظرات الزوار وتحديقهم في وجوه بعضهم البعض توحي بأن المكان ليس كغيره من الأمكنة، فما أن تدخل مجموعة من النسوة الى الغرفة التي يتواجد بها الضريح حتى تبدأن في الطواف حوله لعدة مرات ومسح وجوههن بقطع القماش التي تغطي القبر. وما لاحظناه خلال تواجدنا بالمكان أن أمر زيارة الضريح ليس مقتصرا على فئة معينة بل هناك عائلات بأكملها أطفال شيوخ وعجائز وحتى شباب يحضرون خصيصا لزيارة الضريح، يحملون في أيديهم بعض الصدقات التي تعطى خارجا للقيم على المزار يدخلون رفقة أطفالهم يطوفون قليلا يمسحون وجههم ووجوه أبنائهم بالقماش المتدلي من الضريح لجلب الحظ والبركة وتحقيق الأماني التي يرغبون فيها.. هكذا يعتقد المتهافتون على عطاءات الولي سيدي عبد الرحمان. والغريب في الأمر، حسب ما رواه لنا المداومون على زيارة الضريح، أنه إذا استعصى مثلا حل معضلة على أحد المصدقين بجدوى التبرك به، أصبح من المداومين على الزيارة، ومن الحريصين على ممارسة طقوسها والتمسح بجدران الضريح وقبره، وتقديم الشموع قصد تيسير أموره في الحياة، وكل تلك الأمور التي تحدث داخل الضريح أصبحت من المسلمات لدى الكثير من الأسر العاصمية ولا يمكن أن تمر جمعة دون زيارة سيدي عبدالرحمان وأخذ بركاته للأيام القادمة لأفراحهم والتقليل من همومهم.
سيدي عبدالرحمان نقش في ذاكرة العاصميين
استطعنا أن ندخل وسط النسوة وبعض الرجال المنتشرين حول الضريح داخل الغرفة التي قد لا تتسع في أحسن الأحوال لأكثر من 50 فردا تملؤها الثريات الزجاجية والزرابي المنثورة على أطراف الضريح. فالرجال الذين لا يتجاوز عددهم السبعة كانوا صامتين، واثنان منهم كانوا يحملون المصاحف يقرأون القرآن الكريم أما البقية فكانوا صامتين. لكن النسوة وعلى عكس الرجال قليل منهن يجلس إلى جوار الضريح والبقية مصطفات على جدران الغرفة يتبادلن أطراف الحديث ويشكين لبعضهن البعض أسرار وأسباب تواجدهن في هذا المكان. وأغلب من تحدثن إليهن نساء متعودات على زيارة سيدي عبدالرحمان صبيحة كل جمعة كما يزار الأحبة الذين غادروا الدنيا. فلسيدي عبدالرحمان نصيبه من الزيارة التي لم تنقطع عن البعض منذ مدة تجاوزت الستين عاما وأكبر تقليد لا يمكن محوه من ذاكرة وعادات العاصميين مهما حصل، وهو الجواب الذي وصلنا من أكثر من شخص سألناه في المكان، فالأطفال والشباب والنساء الكل تعود ان تطأ قدماه صبيحة كل جمعة ضريح سيدي عبدالرحمان ولا يوجد من يخالف هذه السيرة إلا نادرا.
ينشدون السكينة بين جدران عتيقة
''لا يوجد أحسن من سيدي عبدالرحمان ومن يقل عكس ذلك فهو مخطئ'' بهذه العبارة استهلت محدثتنا السيدة نادية القادمة من وراء البحر من فرنسا خصيصا لزيارة ضريح سيدي عبدالرحمان، حيث أكدت في حديثها لنا عن تجربتها وعن زيارتها السابقة للضريح قائلة: ''لم تكن حياتي سهلة أبدا كنت أعاني من الكثير من المشاكل التي أثرت علي بشكل كبير حتى أني وصلت إلى نفق مظلم، لكن إحدى صديقاتي نصحتني بزيارة ضريح سيدي عبدالرحمان وإشعال الشموع والدعاء هناك''. وبنبرة بدت فيها متأكدة تماما مما ترويه لنا أضافت قائلة ''بعد مدة من زيارتي للضريح تخلصت من الكثير من المشاكل التي كانت تقف حجرة عثرة في طريقي، ومنذ ذلك اليوم قررت أن أواظب على زيارة سيدي عبدالرحمان كلما وطأت قدماي أرض الجزائر''. حكاية السيدة نادية صورة مصغرة ومثال بسيط لمجموعة من الحكايا التي روتها لنا السيدات داخل ضريح سيدي عبدالرحمان والتي تبين، بصدق، مدى التعلق الكبير الذي يكنه المواطنون لهذا المكان. سيدة أخرى كانت تجلس بجوار ابنتها بكت بحرقة أمام الضريح جاءت خصيصا لتدعو الله ان يبعد المشاكل عن بيتها وأسرتها، ويبدو أن السيدة ومن خلال حديثها معنا أنها متخوفة من أن يصيب ابنها أي مكروه خاصة وأنه هو المتسبب الرئيسي في المشاكل التي تعاني منها أسرتها.
الشموع والحنة.. ختام الزيارة
يجمع الهم والحزن العديد من زوار ضريح سيدي عبدالرحمان والكل يتفق أن الزيارة تخفف من وطأة المشاكل وتبعث السكينة في قلوب رواد هذا المكان، ناسين أو متناسين أن المكان ليس سوى قبر قديم جدا لولي صالح عاش لخدمة الإسلام ومات وهو على هذا الأمر. لكن بعض الأمور التي تحدث هناك تخرج من باب فضل زيارة الموتى إلى أمور أخرى نهى عنها الشرع وحاربها الإسلام كإشعال الشموع والصلاة بجوار القبر والصراخ والدعاء لغير الله والطواف حول القبر ومسح الوجوه بالقماش الذي يغطيه، وهي أمور للأسف يفعلها شباب وفتيات في مقتبل العمر ونساء ورجال وحتى أطفال، وهو ما لاحظناه خلال تواجدنا داخل الغرفة. فما ان تدخل امرأة حتى تبدأ بالطواف حول القبر ومسح وجهها أو تغطية رأسها بالقماش الذي يغطي الضريح ولا ندري ماذا يفعلن تحديدا لكن يبدو أنهن كن يقبلن القبر ويمسحن وجوههن به. أما أخريات فكن يفتحن علب الحناء وينثرنها في زوايا الغرفة المختلفة وأغلب من كن يفعلن ذلك فتيات وشابات ربما أردن أن يفتح الله عليهن ببركة سيدي عبدالرحمان والأولياء الصالحين الذين يجاورونه كسيدي منصور وغيره. ولا يبدو أن محاربة ظاهرة زيارة الأضرحة قد وجدت صدى لها لدى زوار سيد عبدالرحمان، فالزائر للمكان لا يمكنه أن يتصور أن زوار الضريح قد سمعوا في يوم ما عن حرمة القيام بمثل هذه الأمور ولا عن مخالفتها للشرع والدين الإسلامي. فأغلب من استفسرناهم عن الامر أكدوا أنهم تعودوا على زيارة الضريح، وما يقومون به من طقوس هي صدقات جارية يقدمونها في سبيل الله للمحتاجين الذين يقصدون المكان.
للمتسولين نصبيهم من بركة سيدي عبدالرحمان
لا يفوّت المتسولون فرصة الوقوف على باب ضريح سيدي عبد الرحمان كل يوم خاصة يوم الجمعة لأخذ الصدقات التي يمنّ بها زوار الضريح عليهم، فيختار المتسولون خاصة النساء منهم أدعية صالحة للاستعمال الجماعي بذكاء شديد ومع الروحانية والسكينة التي يكون عليها الخارجون من بوابة سيدي عبدالرحمان تصبح الطريدة جاهزة لكي ينقض عليها المتسولون، وتمكنهم حالتها النفسية من الاستحواذ على مبالغ مالية جيدة. وأغلب العبارات التي يستعملها المتسولون ''ربي يزين سعدك ببركة سيدي عبدالرحمان'' و''ربي يفتح البيبان المغلوقة ويفك الضيقة ويجعلها زيارة مقبولة ببركة سيدي عبدالرحمان'' وغيرها من الأدعية الأخرى التي تضرب بقوة في نفسية الزوار الذين يفتحون جيوبهم للمتسولين بكرم كبير.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.