إطلاق عملية رقابية وطنية حول النشاطات الطبية وشبه الطبية    يجسد إرادة الدولة في تحقيق تنمية متكاملة في جنوب البلاد    ملك النرويج يتسلم أوراق اعتماد سفير فلسطين    ارتفاع حصيلة العدوان الصهيوني على غزة    مقتل مسؤول سامي في هيئة الأركان العامة    الجزائر حاضرة في موعد القاهرة    بالذكرى ال63 لتأسيس المحكمة الدستورية التركية، بلحاج:    بيع أضاحي العيد ابتداء من الفاتح مايو المقبل, بالولايات ال58    المرأة تزاحم الرجل في أسواق مواد البناء    الدبلوماسية الجزائرية أعادت بناء الثقة مع الشركاء الدوليين    الاستفادة من التكنولوجيا الصينية في تصنيع الخلايا الشمسية    النخبة الوطنية تراهن على التاج القاري    15 بلدا عربيا حاضرا في موعد ألعاب القوى بوهران    التوقيع بإسطنبول على مذكرة تفاهم بين المحكمة الدستورية الجزائرية ونظيرتها التركية    مزيان يدعو إلى الارتقاء بالمحتوى واعتماد لغة إعلامية هادئة    مداخيل الخزينة ترتفع ب 17 بالمائة في 2024    وزير الاتصال يفتتح اليوم لقاء جهويا للإعلاميين بورقلة    رئيسة المرصد الوطني للمجتمع المدني تستقبل ممثلين عن المنظمة الوطنية للطلبة الجزائريين    إبراهيم مازة يستعد للانضمام إلى بايرن ليفركوزن    اجتماع لجنة تحضير معرض التجارة البينية الإفريقية    متابعة التحضيرات لإحياء اليوم الوطني للذاكرة    رئيسة مرصد المجتمع المدني تستقبل ممثلي الجمعيات    الكسكسي غذاء صحي متكامل صديق الرياضيين والرجيم    60 طفلًا من 5 ولايات في احتفالية بقسنطينة    وكالات سياحية وصفحات فايسبوكية تطلق عروضا ترويجية    انطلاق فعاليات الطبعة الخامسة لحملة التنظيف الكبرى لأحياء وبلديات الجزائر العاصمة    الجزائر وبراغ تعزّزان التعاون السينمائي    ختام سيمفوني على أوتار النمسا وإيطاليا    لابدّ من قراءة الآخر لمجابهة الثقافة الغربية وهيمنتها    قانون جديد للتكوين المهني    استقبال حاشد للرئيس    المجلس الشعبي الوطني : تدشين معرض تكريما لصديق الجزائر اليوغسلافي زدرافكو بيكار    رئيس الجمهورية يدشن ويعاين مشاريع استراتيجية ببشار : "ممنوع علينا رهن السيادة الوطنية.. "    تنصيب اللجنة المكلفة بمراجعة قانون الإجراءات المدنية والإدارية    توقيع عقدين مع شركة سعودية لتصدير منتجات فلاحية وغذائية جزائرية    عطاف يوقع باسم الحكومة الجزائرية على سجل التعازي إثر وفاة البابا فرنسيس    الأغواط : الدعوة إلى إنشاء فرق بحث متخصصة في تحقيق ونشر المخطوطات الصوفية    سيدي بلعباس : توعية مرضى السكري بأهمية إتباع نمط حياة صحي    عبد الحميد بورايو, مسيرة في خدمة التراث الأمازيغي    انتفاضة ريغة: صفحة منسية من سجل المقاومة الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي    الرابطة الثانية هواة: نجم بن عكنون لترسيم الصعود, اتحاد الحراش للحفاظ على الصدارة    النرويج تنتقد صمت الدول الغربية تجاه جرائم الاحتلال الصهيوني بحق الفلسطينيين في غزة    نشطاء أوروبيون يتظاهرون في بروكسل تنديدا بالإبادة الصهيونية في غزة    تصفيات كأس العالم للإناث لأقل من 17 سنة: فتيات الخضر من اجل التدارك ورد الاعتبار    جمباز (كأس العالم): الجزائر حاضرة في موعد القاهرة بخمسة رياضيين    الصناعة العسكرية.. آفاق واعدة    وزير الثقافة يُعزّي أسرة بادي لالة    250 شركة أوروبية مهتمة بالاستثمار في الجزائر    بلمهدي يحثّ على التجنّد    حج 2025: برمجة فتح الرحلات عبر "البوابة الجزائرية للحج" وتطبيق "ركب الحجيج"    هدّاف بالفطرة..أمين شياخة يخطف الأنظار ويريح بيتكوفيتش    رقمنة القطاع ستضمن وفرة الأدوية    تحدي "البراسيتامول" خطر قاتل    هذه مقاصد سورة النازعات ..    هذه وصايا النبي الكريم للمرأة المسلمة..    ما هو العذاب الهون؟    كفارة الغيبة    بالصبر يُزهر النصر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



النص الكامل لرسالة رئيس الجمهورية بمناسبة إحياء اليوم الوطني للمحامين
نشر في النصر يوم 24 - 03 - 2018

بعث رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة اليوم السبت، برسالة بمناسبة إحياء اليوم الوطني للمحامين، فيما يلي نصها بالكامل:
"بسم الله الرحمن الرحيم
و الصلاة و السلام على أشرف المرسلين
وعلى آله وصحبه إلى يوم الدين
أيتها السيدات الفضليات،
أيها السادة الأفاضل،
نحتفي وأهل المهنة والاختصاص بهذا اليوم الوطني لهيئة الدفاع الذي كلما احتفلنا به تجلّت لنا حقائق تمتطي الزمن و تنتقل عبر الأجيال ما دامت قيم العدالة هي أغلى ما يصبو إليه كل إنسان في الوجود.
إنها المهنة التي ترتبط بقيم العدالة وبكل ما يصبو إليه ضمير الأمة من ترقيةٍ وتمكينٍ لمبادئ الحق والحرية والمساواة وغيرها من أسس التطور و الازدهار الحضاري بمفهومه الواسع والشامل.
لقد أريد لهذه المناسبة أن تكون في هذا الشهر بالذاتي شهر مارس الذي هو شهر الشهداء وشهر النصر.
إن لمهنة المحاماة المتشبعة بمُثُل النضال والتضحية من أجل التحرر والتخلص من الاستعمار و مظالمه، دورا لا يمكن عزله عن مسيرة كفاح الشعب الجزائري واستِمَاتَتِه من أجل افتكاك الحرية والعزة والكرامة واسترجاع السيادة الوطنية و لها سهمَها الوافرَ في الانخراط في الكفاح الوطني وثورة التحرير المجيدة.
وكثير من أعضاء هذه المهنة قدَّموا أرواحهم فداء لأمتهم ووطنهم وفي مقدمتهم المناضل الأستاذ الشهير علي بومنجل رحمه الله الذي نحيي ذكرى استشهاده في هذا الشهر وكان ممن قدموا أرواحهم ودماءهم فداء للجزائر وطنا وأمة وحضارة.
أيتها السيدات الفضليات،
أيها السادة الأفاضل،
إن إحياءكم لهذا اليوم هو تأكيد للارتباط مع هذا الرصيد الحافل بالمجد و معه استحضار المنزلة التي تحتلها مهنة المحاماة في مسار الكفاح الإنساني ضد الظلم ومن أجل الحرية والعدالة وبسط الحقوق التي يٌفْترَضٌ أن تكون مكفولة لكل إنسان.
إن هذه الشَّمائل الرفيعة هي ذاتها التي حفزت العديد من المحامين الأجانب الشرفاء على حمل قضية الجزائر إبان الثورة في ضمائرهم ودافعوا عنها ببسالة ومنهم من دفع حياته ثمنا لهذه المواقف الشجاعة.
فلهؤلاء الذين أخلصوا لمبادئهم وجمعوا بين مقتضيات مهنة الدفاع وأخلاقياتها وجرأة النضال وعقيدتها أجزي جزيل الشكر والامتنان وتحية التقدير والإكبار.
أيتها السيدات الفضليات،
أيها السادة الأفاضل،
إن قَدَرَ المنتمين لهذه المهنة العريقة هو اضطلاعهم برسالة عظيمة متنوعة في أهدافها وواسعة في مراميها وأبعادها.
فهم مٌكَوَنٌ أساس ثابت الوجود في العمل القضائي كما يمكنهم أن يقدموا مساهمات أخرى في مجالات عديدة لصالح أمتهم ووطنهم تٌقَدَرٌ بظروفها ومقاديرها.
غير أن الحديث عن جدارة هيئة الدفاع وأهليتها للتفاعل البَنَّاءِ مع الشأن العام والمساهمة في إصلاح حاضره، لا يٌغْنِينَا بأي حال عن التذكير بموقعها ضمن مكونات السلطة القضائية، وبما يَقعٌ على عاتقها من واجبات ومسؤوليات باعتبارها الطرف اللازم في إنجاز المحاكمة العادلة ونصرة الحق وتجسيد سيادة القانون وتحقيق أحد أهم مبادئ حقوق الإنسان وهو الحق في الدفاع.
وأودٌّ أن أذكر في هذا السياق بالاهتمام الخاص الذي أحيطت به هذه الهيئة في رسالة التكليف الخاصة بإصلاح العدالة، نظرا لما كان يمثله موضوع إعادة النظر في مهنة المحاماة من أهمية، لاعتبارات عديدة من أبرزها ما كانت تحتاج إليه لتكييفها مع المتطلبات الجديدة الاقتصادية والاجتماعية، ومع المبادئ الدستورية والمعاهدات الدولية المصادق عليها.
لقد حرصت اللجنة الوطنية لإصلاح العدالة على أن تخص هيئة الدفاع بنصيبها من الاهتمام وكذا المهن الأخرى المساعدة للعدالة والموارد البشرية التي يتشكل منها قطاع العدالة بصفة عامة.
وعلى مدى كل المراحل كانت الهيئة موجودة في مختلف اللجان الفنية المكلفة بتشخيص الواقع وتقديم الاقتراحات المرغوب فيها فضلا عن سٌنَّةِ التشاور المستمرة مع النقباء ومع غيرهم من المحامين.
لا شك في أنَّ تقدمًا كبيرًا تم تحقيقه في مبادئ شتى مما له صلة بالدفاع وحسبنا التذكير بالقانون المنظم لهذه المهنة الصادر في 2013.
وبمجمل القول فإن هذا النص القانوني قد جاء في سياق المسار المتكامل لإصلاح العدالة، واستجابة في نفس الوقت لرغبة كانت ملحة من طرف المحامين الذين أتيحت لهم فرصة إثراء ومناقشة مشروعه وتدارك النقائص التي تم تسجيلها خلال التجربة السابقة.
ومنها ما يتعلق بحقول التدخل التي ازدادت اتساعا بفعل مستلزمات الإصلاح في المجال القضائي، وما نجم عنه من تدابير لصالح المتقاضين ومنها ما يرجع إلى المقتضيات الاقتصادية والاجتماعية وغيرهما من المتطلبات التي تزداد تعقيداً كل يوم مما يوجب على هيئة الدفاع، مثلها مثل القضاء مضاعفة الجهد لاكتساب مهارات التعامل معها بكفاءة.
إن تعزيز مقام هذه الهيئة بعد التعديل الدستوري لعام 2016، والنص في هذه الوثيقة السامية على استفادة المحامي من الضمانات القانونية التي تكفل له الحماية من كل أشكال الضغوط وتوفر له إمكانية ممارسة مهنته بكل حرية في إطار القانون هي تعزيزات قوية تضيف لهذه الهيئة المزيد من التمكين والثقة لاسيما وقد جاءت ضمن الأحكام الدستورية المعززة لاستقلالية السلطة القضائية، ومترادفة مع الضمانات الدستورية الأخرى المتعلقة بالحقوق والحريات الأساسية وحقوق الإنسان لمنظومة متكاملة غايتها إقامة المحاكمة العادلة وتطبيق قوانين الدولة على الجميع بإنصاف.
ومن الواضح أنَّ ما ترتبه هذه المبادئ في إرساء وتأصيل حالة التلازم بين سمو القانون وهيبة المؤسسات القائمة على تطبيقه وما يواكبها من جهد لترقية حقوق النّاس سواسية أمام القانون هي السبيل الموصل إلى تعزيز الشرعية بمفهومها الحديث أي الشرعية التي تقوم على قاعدة المقبولية من المواطنين.
تلك المقبولية التي لا تتحقق إلا بمجهود مثابر ومقاربة متعددة الأبعاد تتناول جميع الشروط والمكوّنات المطلوبة لإرساء عدالة وطنية مستقلة ومتجددة تساير التطور والحداثة، وتملك القدرة على حماية الحقوق والحريات الفردية والجماعية، وفرض سيادة وسلطان القانون و المساواة في تطبيقه واحترامه من طرف الجميع.
أيتها السيدات الفضليات،
أيها السادة الأفاضل،
إن هذه هي الأبعاد التي وضعناها نصب أعيننا عند مباشرتنا لإصلاح قطاع العدالة وعند تحويلها إلى أهداف يجري إنجازها تباعًا.
وبفضل الأشواط المعتبرة التي قطعناها في مختلف هذا الإصلاح أصبح بإمكاننا الحديث عن تحقيق منظومة قضائية عصرية مؤهلة لتلبية احتياجات المجتمع الجزائري في الوقت الحاضر ولعقود أخرى قادمة.
وهذا بفضل انجاز الهياكل القضائية في كافة أرجاء التراب الوطني وتجهيز جميع المرافق القضائية بالوسائل اللائقة للعمل، وإحداث تقدم غير مسبوق في مجال العصرنة، وتعميم الوسائل الإعلامية والإلكترونية، وتدارك النقص في الموارد البشرية من قضاة وأمناء ضبط وموظفين وما رافق ذلك من تكوين وتأهيل.
ومن نتائج هذا كله وغيره من المحققات الأخرى التي عرفها قطاع العدالة أن استكملت الهيئة القضائية كامل مقومات سلطتها واستقلاليتها بما يتسق مع المبادئ الدستورية، وبما يعزز مكانتها ودورها في ضبط وتأطير الحياة العامة وفقا للقانون، وبما يتماشى مع صيانة الحقوق الأساسية والحريات الفردية والجماعية.
لقد أصبح القضاة وسائر مستخدمي قطاع العدالة بفضل هذا المجهود على درجة متقدمة من التأهيل والاحترافية، مما أدى إلى تحسن في مستوى الأداء القضائي من حيث النوعية ومن حيث الفصل في القضايا ضمن آجال معقولة.
ومع تقريب العدالة من المواطنين في كافة أرجاء الوطن وتسهيل لجوئهم إلى القضاء، وما تم إدخاله من مناهج وأساليب متطورة وتكنولوجيات حديثة للإعلام والاتصال لتحسين ظروف العمل وضمان شفافيته، أحرز القطاع تقدما ملحوظا في مجال تعزيز الأمن القانوني والقضائي داخل المجتمع، ومن ذلك ما تم القيام به من تكييف للمنظومة القانونية مع المقتضيات الدستورية الجديدة كالقوانين المنشئة للمؤسسات الدستورية الجديدة، وجلّها يتعلق بحماية وترقية حقوق الإنساني كما جرى تكييف القضاء الجزائي الذي يتجه هو الآخر إلى ترسيخ هذه الحقوق بعد مراجعة قانون الإجراءات الجزائية وفقا للدستور للأخذ بقاعدة التقاضي على درجتين في المحاكم الجنائية وتعزيز قرينة البراءة
وحقوق المشتبه فيهم في فترة التوقيف للنظر، والتأكيد على الطابع الاستثنائي للحبس المؤقت، وتعزيز سلطة قاضي الحكم في حماية الحريات باستحداث نظام المثول الفوري وإسناد سلطة الإيداع في الحبس لجهة الحكم بدلا من النيابة في الجنح المتلبس بها وغيرها، ومرافقة كل هذه التعزيزات بدعم حقوق الدفاع في جميع مراحل الإجراءات.
أيتها السيدات الفضليات،
أيها السادة الأفاضل،
إن العدالة هي مجال تحقيق التوازن الذي يتعين أن يتعاون الجميع على تقويته والمحافظة على سلامته.
وستظل السلطة القضائية بكل مكوِّناتها ملتزمة بنطاقها الدستوري وبتنفيذ القوانين بسيادة واستقلالية وتجرد وحياد، ضمن القناعة الراسخة بترقية وتطوير الحقوق والحريات ومواصلة تطهير المجتمع من الشوائب والأسقام.
من أجل هذا سيستمر قطاع العدالة في إنجاز ما هو مسطر من الأهداف القائمة على مجموعة متكاملة من التدابير الرامية إلى تحقيق المزيد من التطوير في الأداء وفي تحسين الإصغاء والتكفل باهتمامات المواطنين.
وعلى هذا المنوال فإني أطلب من جميع القطاعات الأخرى المعنية في الدولة أن تعمل كل في مجال اختصاصه من أجل إعطاء هذا الأمر حقه من العناية والجدية والعمل على إعداد مشاريع النصوص التي يتعين تحضيرها لتكييف مضامينها مع الأحكام الدستورية الجديدة.
إننا بعد أن استطعنا أن نتغلب على الإفرازات السلبية لسنوات المحنة، وتجاوز الدمار الذي خلفه الإرهاب بإمكانياتنا الذاتية في محيط دولي لم يكن في تلك السنوات على دراية بامتدادات الظاهرة وعبورها للأوطان، وبعد أن تمكنا من تحقيق المصالحة الوطنية وتحويل حالات فقدان التوازن وتضييع الإحداثيات إلى طاقة مفيدة للأمن والاستقرار، قد تمكنا من إرساء قواعد انطلاق جديدة لاستئناف مسار التنمية والتقدم على أقوم وأهدى سبيل.
و ينبغي أن يسود الاقتناع بأن توفير أفضل الفرص لحياة المواطنين وتحسين أوضاعهم على مختلف المستويات يستوجب مواصلة التنمية وهو رهان لا يقل شأناً عن الرهانات الأخرى إن لم أقل أهمها.
كما يجب أن لا يغيب عن الأذهان ما تتميز به المرحلة الراهنة من توسع في دوائر الخطر التي تحيط بمناطق شاسعة من حدودنا، تضاف إليها المنافسة الدولية الصعبة وتضارب المصالح الاقتصادية القائمة على سعي الأقوياء للاستئثار بالموارد المتاحة دون حساب لغيرهم.
إن هذه الحقائق هي العوامل المضافة التي تحث أبناء الوطن على التماسك الاجتماعي والمحافظة على الوحدة الوطنية والتقليل من أوضاع التشنج والمواقف المسبقة التي قد تضر بالتوافق المجتمعي الذي نحن في أمس الحاجة إليه في مثل هذه الأوقات.
من أجل هذا، ينبغي أن تظل الروح الايجابية التي تقدر المصلحة العليا للوطن و تجعلها تسمو فوق كل الاعتبارات الأخرى هي الدافع والمحرك الأساس لمختلف الفعاليات الناشطة في البلاد.
والأكيد أن ما تضمنه الدستور الأخير من تثبيت للمكونات الأساسية لهويتنا و هي الإسلام و العروبة و الأمازيغية، هذه المكونات المرتبطة بوشائج وعرى لا تنفصل ولا تنفصم هي من العوامل التي تغذي هذه الروح الإيجابية وتزيد في طاقة أبناء الوطن الواحد على العمل من أجل ترقيته وازدهاره في كنف السلم والوئام و الأمن والازدهار.
إن الاختيار الديمقراطي هو مبدأ راسخ يجري بناؤه وتعميقه على قواعد واضحة، تماشيا مع مختلف السياقات التي تتم في ظلها، وتحرص كل الحرص على احترام الأحكام الدستورية و القانونية السارية في هذا الشأن.
وقد تم الحرص في هذا الإطار على احترام المواعيد الانتخابية وذلك بإجرائها في مواقيتها المحددة - اقتناعًا مني - بأهمية هذا الالتزام في المحافظة على الاستقرار المؤسساتي وديمومة المرافق العامة و مواصلة التطور و التنمية.
و من الثابت أن الاستمرار في هذا التطور و الحرص على تنويع مصادره، لن يفلح إلا بالاعتماد على الموارد والإمكانيات الموجودة والبدائل التي يمكن اللجوء إليها لخلق الثروة و تحقيق تنمية مستدامة.
إن هذا كله يتطلب تحفيز القطاعات الأكثر امتصاصا لليد العاملة والأكثر بعدًا عن التقلبات الاقتصادية العالمية.
و في هذا الإطار تظل الصناعات التحويلية و زيادة عدد المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والتوسع في الطاقات المتجددة و إقحامها في بعض القطاعات المنتجة، من البدائل الممكنة مثلها مثل السياحة التي يجب تحسين مستوى كفاءتها وتنوعها.
و يظل التوسع في المجال الفلاحي مبدأ استراتيجيا يتعين تطويره باستمرار، والاستفادة من مختلف الكفاءات والمعطيات العلمية والتكنولوجية لمضاعفة إنتاجيته.
كما نؤكد على وجوب التصدي لظاهرة السطو على الأراضي الفلاحية الخصبة وتطبيق القوانين السارية في هذا الشأن بالجدية والصرامة الواجبة.
أيتها السيدات الفضليات،
أيها السادة الأفاضل،
إن حرص الدولة على الاستمرار في دورها الفاعل في رفع مستويات النمو الاقتصادي و الاستثمار في رأس المال البشري والتنمية الاجتماعية وغيرها يقتضي مساهمة جميع الأطراف الداعمة وفقا لمقاربة الديمقراطية التشاركية.
ويقتضي بالقدر نفسه التصدي بحزم لكل التصرفات السلبية في المجتمعي والاستمرار في محاربة الجرائم و الآفات المختلفة الضارة بأمنه وصحته واستقراره.
كما يتعين الأخذ في الحسبان ما تشهده الاتجاهات الإجرامية من التشابك والتعاضد والامتداد و ما ينجم عنهما من خطر و ضرر.
وفي هذا السياق تبدو الجرائم الالكترونية عيِّنة من الإفرازات السلبية الحديثة الناجمة عن التطورات التكنولوجية الهائلة.
ولذلك، فإننا بقدر ما نشجع على الاستفادة القصوى من هذه الابتكارات، ونحث أبناءنا على التعامل معها والبحث والتطوير والإبداعي بقدر ما ننبه إلى الوعي والحيطة مما قد يرد من هذا العالم المفتوح من السلبيات.
إن الجرائم الالكترونية أصبحت حقيقة قائمة بفعل توظيف التقنيات العالية التي تتيحها التكنولوجيا في خدمة أهداف غير مشروعة للإضرار بالأشخاص والمؤسسات والدولي مما يتطلب تعزيز آليات التنسيق والتعاون الإقليمي والدولي لمحاربتها و التصدي لها.
ومن جهتنا فقد شرعنا في اتخاذ التدابير التأمينية المطلوبة، كما تعكف الحكومة حاليا على إعداد مشروع قانون يعزز آليات التصدي لهذه الآفة الجديدة ووقف خطرها الماثل والدائم.
هذه السياقات كلها، يمكن للمحامي كرجل قانون أن يُسهم و أن يقوم بدور ايجابي متعدد الأبعاد في النهوض بالوطن وترسيخ القيم البناءة في المجتمعي و من ذلك ما يقوم به في إطار عمله وممارسته للمهنة للإسهام بدوره في إرساء قواعد الحكامة القضائية.
إن حرصنا على تجسيد هذه الأهداف و غيرها نابع من قناعتنا بما للقضاة من مسؤولية باتت مكرسة في الدستور و في القانون الأساس للقضاء ومدونة أخلاقيات المهنة وما توجبه من استقامة فكرية وأخلاقية و أدبية ومن التزام بالقواعد التي تشترطها وظيفة إقامة العدل و سيادة القانون.
وإذا كان من واجب القاضي احترام خصوصيات وأخلاقيات مهنته وضوابطها، فإنه ينبغي التأكيد بأن المحاكمة العادلة وتطبيق القانوني هي ثمرة لمجهود مشترك تتضافر من أجل انجازه إرادات العديد من الأطراف المساهمة، و في مقدمتهم أسرة الدفاع و مساعدو العدالة الذين هم مطالبون أيضا بالتحلي بأخلاقياتهم المهنية وبالتقاليد النبيلة لواجباتهم، بالقدر الذي يجعل من السلطة القضائية وأسرة الدفاع، المساهمين الأساسين في زرع الثقافة القانونية وترسيخ دولة القانون.
ذلك أنه لا جدال في أن حقوق الإنسان هي قضية البشرية برمتها، وأن كل تقدم يحصل في هذه الحقوق التي تزداد اتساعاً وتنوعا هو خَيرٌ كٌلٌه.
وقد انضمت بلادنا وصادقت بسيادة واقتناع على مختلف المعاهدات والصكوك الدولية الصادرة في هذا الشأن وهي تعمل من أجل تنفيذ مبادئها بعد ما أدرجت مضامينها في الدستور وكيَّفَت منظومتها التشريعية وفقها.
وهي مقتنعة بأن الغالبية الكبرى من هذه المبادئ لا تتعارض مع رصيدها التاريخي ومع منظومتها القيمية، و مٌدرِكة في نفس الوقت بأن عالم اليوم هو عالم مترابط الأوصال وقد تحول فيه الإنسان الفرد إلى موضوع من مواضيع القانون الدولي.
لكننا مع ذلك سنظل متفطنين إزاء المساعي المتسترة، وهي كثيرة في هذه الأيام التي تدعي الدفاع عن هذه المبادئ وغيرها من قواعد العدالة ومبادئ الشرعية الدولية وهي في الحقيقة تُسوٍّغ لأهداف أخرى لا تخفى آثارها في دول عديدة، بعضها يكاد اليوم أن يصبح أثراً بعد عينٍ.
إنني على يقين من أن المحامين الجزائريين يدركون أن الحلول العملية لتطوير الديمقراطية وحقوق الإنسان ومعالجة النقائص الموجودة لن تكون ذات مضامين حقيقية إلا إذا نبعت من صميم العمل الوطني البناء الذي يوفر لها خاصية العمق والامتداد الشعبي.
إن إحياء هيئة الدفاع ليومها وما سيتخلله أثناءه من مناقشات ومداخلات متنوعة هو مناسبة أخرى للبحث في الشؤون المهنية وأولوياتها في المرحلة الحالية وفي المستقبل المنظور.
ومن الثابت أن الحرص على تحقيق المزيد من التمكين لهذه المهنة النبيلة في بناء دولة الحق والقانوني وفي نشر قيم الفضيلة، لا يتأتى إلا بما يبذل من الجهود المستمرة في مجالات التكوين والتحكم في المهارات التي يشترطها الحاضر الذي نعيشه على الصعيد الوطني والعالمي.
هذا ولا يسعني إلا أن أعرب لكم عن تقديري لجهود هيئة الدفاع في بلادنا، راجيا لكم مزيدا من النجاح والتوفيق.
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.