صادي يعلن من عنابة عن الانطلاق الرسمي للألعاب الإفريقية المدرسية الأولى    وهران: إسدال الستار على مهرجان الموسيقى و الأغنية الوهرانية    الألعاب الإفريقية المدرسية (الجزائر 2025): التظاهرة محطة تحضير بامتياز للمنافسات الدولية المقبلة    الجزائر تعد محركا رئيسيا لتعزيز الاندماج الاقتصادي القاري    إيصال واستلام الحقائب الدبلوماسية: وزارة الشؤون الخارجية تستدعي مجددا القائم بأعمال سفارة فرنسا بالجزائر    تأبينية للصحفي الراحل علي ذراع: إشادة بمسيرته الإعلامية ووفائه للوطن    إنقاذ أب وابنتيه علقوا في البحر شمال-شرق ميناء تيبازة    كاراتي دو- بطولة إفريقيا- 2025 (اليوم الثاني): ميداليتان برونزيتان للجزائر في اختصاص الكاتا    وهران: ضبط أزيد من 18 كلغ من الكوكايين وتفكيك شبكة إجرامية ينطلق نشاطها من المغرب    حملة وطنية لتنظيف الشواطئ من الطحالب البحرية لتحسين جودة البيئة الساحلية    الصالون الوطني للحرفي الشاب بوهران: تتويج سبعة حرفيين في مسابقتي أحسن جناح ومنتوج    المخيمات الصيفية لموسم 2025: استقبال الفوج الثاني من أبناء الجالية الجزائرية المقيمة بالخارج    أزيد من 50 عارضا مرتقبا في صالون الخدمات المالية لدعم الاستثمار بالجزائر العاصمة ابتداء من الثلاثاء    ارتفاع حصيلة ضحايا العدوان الصهيوني على قطاع غزة إلى 59733 شهيدا و 144477 مصابا    الألعاب الإفريقية المدرسية (الجزائر-2025): برنامج ثقافي وترفيهي وسياحي ثري للوفود الرياضية المشاركة    هزة أرضية بشدة 3ر3 درجات بولاية المدية    الجزائر-إيطاليا : التوقيع على مذكرة تفاهم لتعزيز التعاون في مجال البريد والمواصلات السلكية واللاسلكية    خطوة أولى في مسار تجسيد منظومة وطنية متكاملة    حماية الطفل واحترام المعلمين واجب لا يقبل التهاون    افتتاح واعد مُنتظر هذا السبت بسطيف    الرئيس يولي عناية خاصّة لقطاع العدالة    منصوري تشارك في اجتماع لمجلس السلم والأمن الإفريقي    الجزائر تدعو لتعزيز الدبلوماسية الوقائية    الجيش الإسرائيلي المنهك والمستنزف    إخماد مجموعة من حرائق الغابات    المفاوضات تستأنف الأسبوع المقبل    سوناطراك توقّع 4 مذكّرات تفاهم    تسارع وتيرة سن تشريعات تكرّس منظومة الفساد في المغرب    الرئيس تبون يقود الجزائر بثبات نحو التطور المنشود    زيارة الرئيس تبون إلى روما.. لبنة جديدة لدعم العلاقات النّموذجية    اختتام اكتتاب القرض السندي لشركة "توسيالي الجزائر" بنجاح    تعليمات بتسليم المشاريع قبل الدخول المدرسي المقبل    "سيال" تعدّل برنامج توزيع المياه عبر 5 بلديات في العاصمة    3 حالات للحصول على البطاقة الذهبية الكلاسيكية    إجراءات استباقية لضمان دخول مدرسي ناجح بوهران    ليلة المتاحف الصيفية في الجزائر العاصمة    انطلاق فعاليات الدورة ال28 للمهرجان الوطني للمسرح المدرسي بمستغانم    تنسيق إداري موسع لترقية الاستغلال    السيطرة على حريق حجريية بكركرة    1700 رياضي يشاركون في الطبعة الأولى بالجزائر    الأطفال يحولون أنشطتهم الرقمية إلى مصدر للربح    لقاءات وطنية للإعلام والتوجيه لفائدة التلاميذ    برنامج سياحي وثقافي.. كرة القدم وتنس الطاولة أول المنافسات بقسنطينة    "انبثاق" بقصر "الداي"    الكتاب سيحتفظ بمكانته رغم التحديات الرقمية    خضرا: سأعبّر عن استيائي ضدّ الإبادة    الجزائر العاصمة تحيي الذكرى ال185 لميلاد الملحن الروسي الكبير تشايكوفسكي باحتفالية موسيقية    بوقرة يكشف عن قائمته    شبكة ولائية متخصصة في معالجة القدم السكري    منظمة الصحة العالمية تحذر من انتشار فيروس شيكونغونيا عالميا    وهران: افتتاح معرض الحرمين الدولي للحج والعمرة والسياحة    هذه حقوق المسلم على أخيه..    النمّام الصادق خائن والنمّام الكاذب أشد شرًا    إجراءات إلكترونية جديدة لمتابعة ملفات الاستيراد    استكمال الإطار التنظيمي لتطبيق جهاز الدولة    رموز الاستجابة السريعة ب58 ولاية لجمع الزكاة عبر "بريدي موب"    أفشوا السلام بينكم    هذا اثر الصدقة في حياة الفرد والمجتمع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مسجد الشيخ عبد الرحمان الثعالبي بالعاصمة: العلم و الدين في مواجهة الأساطير المغلوطة
نشر في النصر يوم 01 - 05 - 2019

تزين قباب المساجد حي القصبة العتيق بالجزائر العاصمة، صانعة تاريخ أمم و حضارات في قلب المحروسة، و يتصدرها مسجد العلامة الشيخ عبد الرحمان الثعالبي الصامد في وجه الزمن، ليجمع بين أسواره جدل العلم و الأساطير الشعبية، و ذكرى عالم جاء ليحارب شعوذة نجح المستعمر في زرعها في قلب مجتمع بأكمله، لا يزال يعيش على بقايا أجيال لم تتخل عما يعتبرونه "بركة الوالي الصالح".
حارس المحروسة، هكذا يطلق عليه أهالي القصبة و الجزائر العاصمة عموما، إنه ليس جندي يحمل السلاح، و لا جدار عازل يرد كل شر، بل هو اسم لا يزال و بعد قرابة 6 قرون أهالي القصبة يطلقونه على تلك البناية الشامخة بالجزء العلوي للقصبة المطل على حي باب الواد الشعبي، بتلك القبة البيضاء ذات الزوايا الثمانية ، فوق بناية شامخة، لا تزال بصمة الحضارة العثمانية مطبوعة عليها، مخلدة شخصية إسلامية و تاريخية نصرت و جاهدت لأجل تنوير العقول و محاربة الأساطير المغلوقة و دحض الشعوذة، هو مسجد و زاوية الشيخ العالم أبو زيد عبد الرحمان الثعالبي، ابن محمد مخلوف الذي ولد بمدينة يسر بولاية بومرداس عام 1835.
الزاوية... مكان يختزل ذاكرة الجزائريين
تم تأسيس زاوية الشيخ عبد الرحمان الثعالبي الذي تحول من عالم إلى أب روحي لأهالي العاصمة سنة 1612،و كان يحج إليه الناس من كل مكان، لنهل العلوم الإسلامية التي لطالما عمل الثعالبي على نشرها منذ عودته من رحلته العلمية التي بدأت من بجاية، إلى تونس، مرورا بمصر، تركيا و المدينة المنورة، قبل أن يستقر بالجزائر العاصمة و هو في ربيعه 34، رافضا منصب القاضي، و مفضلا أن يكون معلما لأبناء الجزائر، أين حرص على تعليم الجنسين على حد سواء، حيث تؤكد بعض الروايات بأن 4 آلاف طالب كانوا يتتلمذون على يده في كل سنة، قبل أن ينتقل إلى الرفيق الأعلى شهر رمضان من سنة 1479م.
زاوية الشيخ عبد الرحمان الثعالبي، التي تضم بين جدرانها إضافة إلى ضريح العلامة، مقبرة الشيخ و بعض أفراد عائلته، إضافة إلى المسجد، لا تزال مكانا مقدسا بالنسبة لعدد كبير من أهالي العاصمة، و بغض النظر عن كونهم رجال أو نساء، فإن المكان يسجل كل صبيحة جمعة توافد أعداد هائلة من الراغبين في زيارة الضريح، كل حسب حاجته، محافظين على ما تربوا و ما نشأوا عليه من ولاء و حب لهذا الشيخ الذي نجح في ترسيخ حكمته في التعامل مع مختلف القضايا الاجتماعية، معتمدا في ذلك على ما جاء في الكتاب و السنة، من خلال نشر قيم التسامح و العلم في أوساط المواطنين الذين كانوا يتابعون و يتبعون كل ما يقدم من إرشادات من قلب الجامع الكبير بالقصبة السفلى.
الأتراك حولوا الزاوية إلى مسجد
بمجرد دخول الأتراك إلى الجزائر العاصمة، شرعوا في رصد كل ما يتأثر به الجزائريون، فتفطنوا لمدى تأثير شخصية الشيخ الثعالبي في نفوسهم رغم وفاته، ليقرروا إيلاء أهمية لهذا الزاوية بإدخال تعديلات عليها، منها توسعة القبة الصغيرة و تحويلها إلى قبة ب8 زوايا، على شاكلة قباب الحضارة العثمانية، ليتقرر تحويلها إلى مسجد يليق بمقام العالم، على يد الداي علجي، الذي أضاف له محراب، و صومعة، و استعان بالخزف المستورد من آسيا لتزيين الجدران و الذي لا يزال شاهدا على العملية إلى غاية اليوم، و جعل من الصومعة برجا مربعا محاطا بمربعات خزفية، و كل هذا بعد أن قام بإدخال البناية ضمن محيط القصبة، بعد أن كانت قبل قدوم الأتراك خارج أسوارها.
ساهمت هذه العملية في زيادة أعداد المساجد بالمحروسة، و حماية هذا المبنى من الإهمال و العبث بتسييره، أين تحول إلى مكان للعبادة و تلقي الدروس من العلماء الذين كانوا يأتونه من كل حدب و صوب، ليجمع اليوم مسجدا، زاوية، مقبرة، تشكل أشهر المزارات لدى سكان العاصمة بشكل خاص.
طقوس غريبة في "بيت" عالم حارب الشعودة
بعد نحو 6 قرون من رحيله، لا يزال الشيخ عبد الرحمان الثعالبي الأب الروحي لسكان المحروسة، و بالرغم من أنه عمل طوال مسيرته على محاربة الشرك و الشعوذة التي سعى المستعمر الفرنسي طوال احتلاله للجزائر لترسيخها في المجتمع، و مع نشوء جيل يحاول نشر فكر العالم و السير على نهجه، إلا أن الزائر للزاوية سيقف على مشاهد بعيدة كل البعد عما كان يدعو إليه، من خلال تلك الطقوس الغريبة التي يمارسها الزوار و التي تقارب حدود الشرك، كما قال أحد الأساتذة الذي التقيناه في عين المكان، موضحا بأنه جاء ليدعو لعالم جليل بالرحمة، و أنه بريء من كل هذه الممارسات التي تكاد أن تكون شركا بالله ، حسب تعبيره.
لاحظنا قدوم وفود تمثل النسوة الغالبية الساحقة فيها، و هي تحج إلى الزاوية من أجل زيارة الضريح، متجاوزة تلك السلالم الحجرية الطويلة المؤدية إليه، و قالت إحدى الوافدات"أنا هنا لزيارة سيدي الثعالبي و من أجل طلب بركته"، حالها حال الكثيرات ممن كن يحملن شموعا يقمن بإشعالها داخل الزاوية، و الصلاة أمام الضريح، مع الحرص على طلب خيط أخضر اللون من القيم على الزاوية ليكون "مصدر بركة" يضعونه في بيوتهم أو سياراتهم، وسط أجواء تعيدك إلى عهد الجهل و الأمية و هما من مخلفات المستعمر التي تسعى الكثير من الجهات لمحاربتها عبر تنظيم ملتقيات و دروس توعوية تعرف بحقيقة طلب الدعاء من الله و ليس من رفات أشخاص و إن كانوا أولياء صالحين، إلا أنهم يبقون بشرا يرقدون تحت التراب.
مسجد و زاوية الشيخ الثعالبي، و مهما صنعا و ما لا يزال يصنعان من جدل بين مريد يتمسك ببعض الممارسات بالزاوية ، و معارض يدعو للتعقل و التحلي بأخلاق و سلوكات العالم الجليل الذي ترك أثرا في كل شبر حط رحاله به و عبر مؤلفات خالدة، يبقى المكان يمثل معلما تاريخيا فريدا من نوعه، لا يشكل مزارا بالنسبة للجزائريين فقط، بل مكانا يرتاده الكثير من السياح الذين يرغبون في اكتشاف المكان الذي يرقد فيه عالم لا يزال ذكراه متجذرا في المجتمع الجزائري، رغم رحيله قبل قرون غابرة. إ.زياري


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.