ارتبطت "المحروسة" بذكرى رجالها من أهل الدين والصلاح والذكر وجعلت منهم أولياءها الصالحين والذين أصبحوا أهم معالمها لا تذكر إلا بذكرهم، وهكذا فإن الجزائرالبيضاء استمدت كنيتها "المحروسة" من سيدي عبد الرحمن وسيدي امحمد بوقبرين اللذين يحرسانها من أي سوء. يلقى أولياء العاصمة الصالحين عبر العصور كل التبجيل والاحترام، وهذا نتاج تاريخهم المجيد المليء بالعلم والتقوى وخدمة الدين والعباد، والكثير من هؤلاء الأولياء غابت سيرهم عبر التاريخ فلم يعد لهم ذكر اليوم.. لكن النسيان لم يمتد الى الوليين الصالحين سيدي عبد الرحمن دفين أعالي القصبة، وسيدي امحمد بوقبرين الذي يوجد ضريحه بالحامة ببلدية بلوزداد (بلكور سابقا)، وترك آثارا لا تزال متداولة الى اليوم في التصوف والفقه والعمل الخيري. سيدي امحمد مزار يقصده المسلمون شرقا وغربا التقت "المساء" بالإمام القائم على خدمة مقام الولي الصالح سيدي امحمد، وهو الحاج محمد الذي كان عند مدخل المسجد، ليتحدث عن هذا العلامة الذي هو سيدي امحمد بن عبد الرحمن الأزهري، والذي ينسب اليه المعلم التاريخي الديني المعروف بالمقبرة الواقعة بشارع بلوزداد بالقرب من الحي الشهير "العقيبة"، مكث العلامة بالقاهرة زهاء 30 سنة وتتملذ على يد الشيخ الأزهر الحفناوي الذي أخذ عنه أصول الفقه، وأصول الصوفية "الخلواتية" المسماة بالطريقة الرحمانية. أشار الحاج محمد إلى أن العلامة كان أول من أسس للطريقة الرحمانية بالجزائر. ينحدر سيدي امحمد من عرش أيت إسماعيل بعرش قشطولة من منطقة بونوح دائرة بوغني بولاية تيزي وزو وهو مدفون فيها، وقد أوضح الحاج محمد، أن سيدي امحمد وافته المنية في مسقط رأسه بتيزي وزو ثم نقل جثمانه من طرف تلاميذه الذين كان منهم الشيخ لعمالي مفتي المالكية بالجزائر وأتوا به الى الحامة حيث يوجد ضريحه الى اليوم. وللإشارة، يعود تاريخ بناء المسجد والضريح الى عهد حسين باشا (التركي)، والضريح موجود إلى يمين المحراب مفصول بحائط يرقد الى جواره "سيدي لحسن" وهو أول من تولى الإشراف على الضريح وهو من تلاميذ سيدي امحمد. توجد بداخل المقام خلوة عبارة عن 7 أقبية كان سيدي امحمد يلجأ اليها ويخصصها للذكر ويلقن فيها تلاميذه الأذكار، ومن تلاميذه الشيخ سيدي عبد الرحمن بشطارزي دفين مدينة قسنطينة. ومن الأذكار التي كان يركز عليها سيدي امحمد كثيرا أسماء الله الحسنى "والتي يرتقي فيها المريد من مقام الى مقام"، وذكر "لا إله إلا الله" و"الله"، و"هو" و"حي"، و"قيّوم"، "حق"، "قهار". لقد كان الشيخ قطبا ربانيا وعالميا فقيها، معتنيا بنشر رسالة الإسلام والدفاع عن مصالح المسلمين، ولقد كان داي الجزائر يبجله، كما جعل سيدي امحمد من زاويته في بونوح مدرسة لنشر العلم والفقه. يستقبل الضريح اليوم وفود الزوار من كل الأصقاع من أندونيسيا، تركيا، تونس، المغرب، إيران، سوريا ومن الجنوب الجزائري، خاصة أدرار، بسكرة، الجلفة، بوسعادة، قسنطينة وبلاد القبائل. ويؤكد الشيخ الحاج محمد أن أضرحة الأولياء العارفين بالله والعلماء، لازالت محل اهتمام وزيارة في كل البلاد الإسلامية. أما فيما يتعلق ببناء القبب، فقد أشار الحاج محمد أنها ليست حراما ولا بدعة، ويقول أنه يملك صورة نادرة لوجود قبب مبنية بمقبرة البقيع بالمدينة المنورة ولم تكن محل انكار منذ العهد العثماني، بل أن هناك بحوثا فقهية وأبحاثا معاصرة في الموضوع تجيز بناء القبب على الأضرحة، وهناك أدلة شرعية على جواز الدعاء بجاه وشفاعة الأنبياء والأولياء في هذه الأماكن، الأمر الذي أثبته السيوطي في مؤلفاته ومن المعاصرين العلامة الدكتور الشيخ محمد علوي مالكي رحمه الله في كتابه "مفاهيم يجب أن تصحح" وهو من علماء مكةالمكرمة.