تعد الحاجة فاطمة بربارة ذات ال73 خريفا مثالا للمرأة المكافحة التي تحدت الجهل و تقدم السنين و كل ظروف ومصاعب الحياة التي مرت بها في سبيل بلوغ نور العلم والمعرفة. وبصوت خافت و هادئ يدل على رزانة "خالتي فاطمة" كما دعتنا إلى مناداتها روت ابنة مدينة البليدة ل"وأج" قصة شغفها بتعلم لغة الضاد حيث كان الدافع الرئيسي لذلك هو قيامها بأداء مناسك الحج منذ حوالي 20 سنة إذ انكسرت نفسها على - حد تعبيرها- عندما قدمت لها إحدى الحاجات من أندونيسيا كتاب القرآن الكريم ودعتها إلى تلاوة بعض الآيات مما حز في نفسها بسبب عدم قدرتها على القراءة وعادت إلى ارض الوطن و كلها عزم و إرادة على الشروع في تعلم القراءة و الكتابة. واسترسلت الحاجة فاطمة حديثها الشيق وهي تروي لنا حكايتها مع التعليم حيث طلبت عقب ذلك من حفيدها الذي يعيش معها في نفس البيت و الذي كان آنذاك يدرس في السنة الأولى ابتدائي تلقينها كل ما يتعلمه في المدرسة دون أن تكن تعلم بأن هناك أقساما خاصة بمحو الأمية. وبما أن الحاجة فاطمة ترتاد على مسجد "الكوثر" بوسط المدينة كثيرا للصلاة فقد لاحظت في إحدى الأيام وجود سبورة في قسم النساء غير أنها ظنت بأنها مخصصة للأطفال المتمدرسين و لدى استفسارها في مرة من المرات من إحدى المرشدات شرحت لها بأنها مخصصة للأشخاص المسنين و الأميين مثلها فلم تتردد لحظة في تسجيل نفسها وشرعت في تعلم الحروف الأبجدية. غير أنها لم تتابع دروسها بانتظام وقتها نظرا لثقل المسؤولية التي ألقيت على عاتقها بعد وفاة زوجها وهي في سن 52 سنة تاركا لها تسعة أبناء أصغرهم كان يبلغ من العمر عشر سنوات حيث ألهاها التكفل بهم و باحتياجاتهم الكبيرة مما أدى بها إلى "إهمال" التعليم نوعا ما إلى غاية السنوات الأخيرة مع تخفيف الحمل قليلا بتخرج جميع أبنائها من الجامعة من بينهم طبيبتين و مهندستين و أستاذة . ومع انتظامها في الدروس خلال السنوات الأخيرة وصلت السيدة بربارة خلال هذه السنة إلى مستوى السنة الخامسة ابتدائي و ستجتاز امتحان نهاية الطور الابتدائي في يونيو المقبل و كلها أمل في الظفر بشهادة تواصل بها مشوارها الدراسي في الطور المتوسط بالمراسلة آملة في الحصول -كما قالت- على شهادة البكالوريا حيث توقفت عن الحديث للحظات ثم واصلت بمرارة قائلة "آه لو العمر ينتظر و يطول لحصلت على أعلى الشهادات الجامعية". إعتزاز و فخر بما حققته و ندم وحسرة على سنوات الجهل ... وكشفت لنا محدثتنا -التي تعد اكبر مسجلة في أقسام محو الأمية بمدينة البليدة- و كلها فخر واعتزاز عن أنها تستطيع اليوم القراءة و الكتابة بسهولة تامة و بسلاسة بالإضافة إلى حفظها لعشرة أحزاب من القرآن الكريم من بينها سورة البقرة كاملة. كما أشادت بكل القائمين على الديوان الوطني لمحو الأمية خصوصا ملحقة البليدة وبالأستاذات اللاتي صبرن عليها حتى وصلت إلى المستوى الذي بلغته اليوم نادمة على سنوات عمرها التي أمضتهم في غياهب الجهل حيث لم تكن تعرف حتى كتابة اسمها و ذلك بسبب حصر الاستعمار الفرنسي آنذاك التعليم على الفرنسيين فقط . كما دعت السيدة فاطمة جميع الأشخاص الأميين من رجال و نساء إلى عدم التردد في التعليم وتتبع طريق العلم و لو لحفظ بعض الحروف لكتابة أسمائهم أو لقراءة بعض آيات القرآن لان العلم -على حد تعبيرها- "رحمة" و يخرج من الظلمات. من جهتها أوضحت المكلفة بالإعلام للملحقة المحلية للديوان الوطني لمحو الأمية و تعليم الكبار سهام عمارة أن الحاجة فاطمة رغم كبر سنها "تعد مثالا حيا على العزيمة الكبيرة فهي من بين الدارسات المنضبطات في القسم حيث اكتسبت حب و احترام جميع أساتذتها و زميلاتها اللاتي لا تتردد في مساعدتهن على الفهم و التعلم خصوصا الجديدات منهن". وأكدت ذات المتحدثة أن أبواب التسجيل في أقسام محو الأمية مفتوحة لجميع المواطنين من جميع الأعمار, مذكرة في هذا السياق بأن الدولة حرصت على فتح أقسام محو الأمية عبر كامل مناطق البلاد . وتعتبر المساجد والمؤسسات التربوية ودور الشباب والمراكز الثقافية والمدارس القرآنية ومراكز إعادة التربية من أهم الأماكن الكفيلة بنشر العلم والمعرفة عشية إحياء تظاهرة يوم العلم المصادفة ل 16 أفريل من كل عام التي تحتفي بشخصية رائدة والمتمثلة في الشيخ عبد الحميد بن باديس (بقلم غنية بوعبدالله )