بوسعادة تلك المدينة التي تزخر بطبيعة خلابة و ثراء ثقافي استثنائي تحن اليوم إلى مجدها السياحي الذي تميزت به بعد الاستقلال محاكية الامل في ان تبث حياة أبدية في هذا النشاط يعجل بعودة السياح الوطنيين والأجانب. لا يختلف اثنان على ان بوسعادة هي حقا " مدينة للسعادة" كما يشير إليه اسمها فهي تغري زوارها و تجذبهم إليها بسحرها الخلاب فسكانها يؤكدون أن "من يزورها سيعود إليها لا محالة". وقد حبت الطبيعة هذه المدينة الواقعة بالجنوب الغربي للحضنة بالهضاب العليا عند أسفل جبال أولاد نايل للأطلس الصحراوي بباقة من المزايا التي حولتها إلى أكثر الوجهات زيارة غداة الاستقلال من قبل السياح الجزائريين و الأجانب. أفواج لا متناهية من السياح يروي السيد عبد القادر محمودي تاجر في الحي القديم كيف كانت "مواكب من الحافلات تحط بالمدينة و هي محملة بالسياح الأجانب الذين لم تكن الفنادق لتكفيهم. كنا ننصب لهم خياما لكنهم كانوا يعشقون النوم في العراء إلى جانب الوادي وواحة النخيل فعادة ما كانوا يقصدون بيوتنا طلبا في الضيافة و رغبة في نسج العلاقات مع السكان المحليين". تحسر عبد القادر على كل ما فات كونه لن يعود كما كان سابقا فهو يتأسف لأن الحي القديم لم يعد كما كان من قبل و لم تعد تلك الأكشاك المزينة بستارات مسدلة ومعدلة على حسب التخصص سواء في الحرف اليدوية او التوابل او التحميص... مضيفا بمرارة "هذا ما بقي من هذه القصبة العتيقة كما ترون". أما السيد ب. محمد متقاعد وساكن أصلي بالمدينة فيقول "من جهتي لا تزال في ذهني صورة الاوروبيين الذين كنا نستقبلهم وهم يلعبون بالأوراق (غوينشا). كما حدث وأن ناموا في العراء غير آبهين بذلك لولعهم بمنطقتنا". وقد ساهم التوافد الغزير للسكان الهاربين من ويلات العشرية السوداء في تدهور المدينة حسب سكان بوسعادة الذين أبدوا "استياء" كبيرا ازاء غياب "التحضر" مع بروز "ظاهرة العنف" التي جعلتهم "يحدون من زيارة معارفهم القدامى ويتجنبون الخروج من مساكنهم". وساعدت عودة الأمن "البوسعاديين" كثيرا إذ بدأ النشاط السياحي يستعيد عافيته تدريجيا وهو ما يفسره "ظهور السياح الأجانب من جديد" حيث يوجد من بينهم من يزور هذه المدينة المبهرة لأول مرة. ويقول أحد البوسعاديين أن "هذا التوافد محتشم نوعا ما إلا انه يبعث فينا روح الأمل في أن تعود السياحة في بوسعادة إلى سابق عهدها". مزايا تاريخية وطبيعية وثقافية ان السمعة السياحية الطيبة التي تتحلى بها بوسعادة فتعود بقسط كبير إلى شخص الفنان المستشرق ألفونس إتيان ديني الذي حمل اسم ناصر الدين بعد اعتناقه الإسلام. وبغض النظر عن لوحات "ديني" تزخر مدينة بوسعادة التابعة لولاية المسيلة والقريبة من الجزائر العاصمة (240 كم) بكثير من المواقع الطبيعية الساحرة من بينها جبل كردادة الذي يحتضنها كما يحمل اسم هذا الجبل أحد الفنادق الذي يمثل حافزا للسواح من اجل زيارة المنطقة نظرا لطابعه التاريخي وهندسته العربية الأندلسية. وما يميز بوسعادة كذلك "طاحونة فيريرو" التي تحمل اسم مصممها أنطوان فيريرو وهو إيطالي هاجر إلى الجزائر عام 1867. شيدت الطاحونة على طول وادي في قلب واحة وهو ما جعل المكان وجهة مفضلة بفضل ديكوره الفخم ومغاراته المنتعشة التي تبعث الحياة في محيطها القاحل ويوجد نموذج مصغر للمطحنة بمدخل المدينة. يتجلى البعد التاريخي لمدينة بوسعادة في الحي العتيق "القصر" الذي يضم العديد من المعالم التاريخية من بينها متحف "إيتيان ديني" و المسجد العتيق "النخلة" الذي بناه أحد الشخصيات الدينية المعروفة في منطقة سيدي ابراهيم الغول سنة 1120.و يضم الحي العتيق كذلك مدرسة سيدي ثامر (لويس شالون سابقا) التي بناها المعمرون الفرنسيون في القرن الماضي إضافة إلى احدى أشهر الزوايا في الجزائر و هي زاوية الهامل. ولا يمكن تجاهل حدث تاريخي هام شهدته هذه المدينة غداة الاستقلال ففي هذه المنطقة تم تغيير اسم جيش التحرير الوطني إلى الجيش الوطني الشعبي في 27 أوت 1962. إن ما يميز هذه المنطقة أيضا الصناعات الحرفية على غرار الحياكة و صناعة الجلود و كذلك المطبخ البوسعادي المعروف ب"الشخشوخة" و "الزفيطي" الغنيين بنكهاتهما. وعلى غرار المدن المجاورة لها يغلب الطابع النايلي على الذوق الموسيقي في المدينة. تنعم "مدينة السعادة" كذلك بالعديد من المواقع الطبيعية الساحرة مثل غابة "عين غراب" و "جبل مسعد" حيث تأوي إليها العائلات البوسعادية خلال أيام الحر الشديد تارة و لتناول وجبة الافطار في شهر رمضان و السهر حتى طلوع الفجر تارة أخرى. كل من يزور مدينة بوسعادة لابد أن يعرج على قرية "العلاق" التي شيدت جلها بالطوب (الطين) ولكنها شبه مهجورة حاليا مع أنها تبقى معلما يثير فضول الزوار و يبهر السواح.