يجمع العديد من المراقبين والمحللين بأنه لم يعد أمام القيادة اليمينية الإسرائيلية في ظل وضعها المتأزم على أكثر من صعيد، إلا ترحيل أزماتها بتوريط الولاياتالمتحدةالأمريكية في حرب إقليمية، والأرجح ضد إيران، لأن أي حرب غيرها تعتبر ناقصة، وما الحديث عن العقوبات وتشديدها إلا مدخل للاستدراج وتمهيدا لهذه الحرب··· ولكنهم يختلفون في توقيت هذا التوريط ونوعه، وما يقربنا من صحة هذا الاعتقاد ما صدر من تصريحات لقيادات عسكرية وسياسية أمريكية، مؤخرا، فاجأت القيادات الإسرائيلية المدللة أمريكيا عندما اعتبروا عدم حل مشكلة الشرق الأوسط يضر بالمصلحة الأمريكية، وهذا لا خلاف عليه، لأن هذه التصريحات تعكس حجم القلق الأمريكي من المواقف الإسرائيلية، لكن السؤال الذي يطرح نفسه: ما هو مصدر هذا القلق؟ هل بسبب تعثر عملية السلام؟ أم حصيلة معلومات شبه مؤكدة لدى الأجهزة الأمنية والاستخبارية الأمريكية بأن لدى إسرائيل نوايا عدوانية تخلط فيها الأوراق وتغير قواعد اللعبة وتجبر الأمريكان والغرب على الاقتراب من مواقفهم، علما بأنها ليست تلك المواقف المؤثرة إيجابا بشكل ملموس للعرب والفلسطينيين، لكنها بالنسبة للقيادة الإسرائيلية تعتبر الشيء الكثير· لو كان السبب تعثر عملية السلام، فقد تعثرت هذه العملية من قبل لسنوات طويلة وشهدنا مدا وجزرا في العلاقات الأمريكية الإسرائيلية، ولكنها اقتصرت على التصريحات الإعلامية، ولم نلمس أي إجراء من شأنه تشكيل قوة ضغط على إسرائيل، علما بأن هناك إجراءات ضاغطة كثيرة أقلها وقف الدعم المادي أو في حده الأدنى التهديد به (المالي والعسكري) أو الدعم المعنوي (الإسناد والغطاء الدولي) وكانت إسرائيل تجني الأرباح (ولو تأخرت) من وراء هذا المد والجزر في العلاقات، والذي جاء كرد اعتبار بسبب التهميش الإسرائيلي للأمريكان والتمرد عليهم والتهديد بالتخريب عليهم أكثر منه لحل القضية الفلسطينية والشواهد التاريخية كثيرة· من جانب آخر، فإن وجود أكثر من مائتي ألف جندي أمريكي في العراق وأفغانستان والقواعد الأمريكية في منطقة الخليج وكلهم معرضون لخطر الرد الإيراني فيما لو قامت إسرائيل بضرب إيران منفردة، لا سيما وأن الضربة الإسرائيلية لإيران لن تدمرها أو تعطل دفاعاتها الجوية أو تصيبها بالشلل لدرجة عدم قدرة إيران على استيعاب الصدمة الأولى، مما يعطي المجال لإيران مساحة كبيرة بالرد سواء على إسرائيل أو على القوات الأمريكية، فكلاهما عند وقوع الحرب يصبح سيان، حتى أن الجانب الأمريكي يعتبره كذلك· وفي سياق متصل، فإن القيادات العسكرية الإسرائيلية تتذكر جيدا ما جرى في الحرب الأمريكية العراقية الأولى عندما قامت 120 طائرة اف - 15 إيغل (سي· و· دي) بأكثر من 5900 غارة جوية على المواقع العراقية، كما قامت مثلها من طائرات اف - 15 (سترايك ايغل) بحوالي 2200 غارة معظمها ضد منصات صواريخ سكود العراقية، كما شاركت 144 طائرة إي - 10 تاندر بولت بإلقاء آلاف القنابل الذكية، كما استخدمت القاذفات من نوع ب - 25700 ,52 طن من القنابل لتدمير لمطارات العسكرية العراقية، كما قامت 249 طائرة إف - 16 فايتنج فالكون ب 13450 طلعة جوية متنوعة، كما تم استخدام طائرات من نوع إف -111 وإف - ,4 هذا في مجال الجو وهناك سلاح البحرية والبرية من مدفعية ودبابات وصواريخ شكلت أكبر كثافة نيران منذ الحرب العالمية الثانية، ومع كل ذلك لم تدمر العراق ولم تمسح عن الوجود· ورغم الخسائر التي لحقت بالجيش العراقي، إلا أن عددا كبيرا من وحداته المقاتلة استطاعت الانسحاب من الميدان، وبقي الجيش العراقي والشعب العراقي موجودين رغم التحالف الدولي الكبير في مواجهتهم، فلا يمكن لإسرائيل وحدها شن مثل هذا الحجم من الهجمات على إيران أو غيرها، هذا من جهة· ومن جهة أخرى، لو شنت مثل هذه الغارات، فالنتيجة واحدة وهي تدرك ذلك جيدا· الاحتمال الآخر الذي يقول بأن مصدر القلق الأمريكي هو ما تبيته إسرائيل من نوايا عدوانية ضد دول المنطقة أقرب للترجيح، والمقصود هنا ليس العمليات العدوانية الانتقامية المحدودة وهي مستمرة ولم تنقطع، بل المقصود العدوان الذي تخطط له إسرائيل وتعد له العدة من تدريبات ومناورات وصلت المجر وهنغاريا أو في البحر الأبيض المتوسط أو فوق مضيق جبل طارق، ويبقى السؤال أين سيكون هذا العدوان؟ ومتى··؟ وما هي السيناريوهات المحتملة وكلفة كل منها؟ وللإجابة على هذه الأسئلة نعود بالذاكرة للحروب التي خاضتها إسرائيل وتوقيتاتها والتي نجد من خلالها استغلال إسرائيلي واضح للمواقف الأمريكية سواء حالات ضعف أو قوة أو حالات تبدل الأوضاع في الداخل الأمريكي وخاصة عند الانتخابات الأمريكية، وكان آخرها العدوان على غزة 2008 / ,2009 حيث جاء في المرحلة الانتقالية بين رحيل بوش وتسلم أوباما، وهذا يقودنا للبحث عن أوقات مثيلة محتملة تستغلها إسرائيل وتعطي الانطباع الأولي لوقت الحرب، ومن هذه الأوقات على سبيل المثال وليس الحصر ما تنتظره إسرائيل بحرارة من عودة للحزب الجمهوري، حيث يشهد شهر نوفمبر القادم مؤشرا رئيسيا على انتخابات 2010 عندما يختار الناخبون في فرجينيا ونيوجيرزي حاكمين جديدين، مع العلم أن الجمهوريين يتقدمون بفارق ضئيل في الولايتين، لكن إسرائيل تدرك أن أوباما نفسه لن يخوض الانتخابات حتى عام 2012 إلا أنها ستكون بمثابة استفتاء على زعامته مما سيكون لها أثر كبير على قدراته القيادية، لذلك نلاحظ بين الفينة والأخرى تذكيرا إسرائيليا بهزيمة الجمهوريين أمام الديمقراطيين عامي 2008 ,2006 وما آلت إليه أوضاعهم بسببها·