عبد اللطيف تعرض ميزانية التجارة الداخلية    لقاء جلاوي مع نائب رئيس الوكالة الصينية للتعاون الدولي    السوق الوطنية للتأمينات تسجل ارتفاعا بنسبة 1,8بالمائة    دراسة لإنجاز ازدواجية الطريق الوطني رقم 6 الرابط بين معسكر وسعيدة    حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير "غير قابل للمساومة"    مجموعة "أ3+" تؤكد أن الانتخابات المقبلة في جمهورية إفريقيا الوسطى فرصة أساسية لتعزيز السلام في البلاد    ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 68643 شهيدا و170655 مصابا    سعيود يشرف على تنصيب الوالي الجديد لوهران..رئيس الجمهورية حريص على ترسيخ ثقافة النجاعة في التسيير العمومي    مشاركون في ندوة حول حربي 1967 – 1973..الجزائر لم تتخلف يوما عن نصرة أشقائها العرب    النعامة..منطقة النشاطات لمكمن بن عمار تدخل الخدمة    البليدة..غرس أكثر من 30 ألف شجيرة    الجزائر لم تتخلف يوما عن نصرة أشقائها العرب    السيادة واستقلالية القرار عقيدة التاريخ النضالي للجزائر    بحث قضية تصفية الاستعمار في الصحراء الغربية    الانتقال من العدالة التقليدية إلى عدالة عصرية رقمية    محطة تاريخية حقّقت الاستقلال الإعلامي    تجديد العهد مع النّضال ضد نظام المخزن    الحوار بين الإدارة والعمال وسيلة لحماية الأمة    مشاريع استراتيجية لتخزين الحبوب    "صباحيات الوقاية" تشرّح واقع السلامة والصحة المهنية    دعم مكانة الجزائر وتحفيز النمو الشامل في القارة    المستفيدون يطالبون بإنصافهم    ناصرية بجاية يواجه نادي سلوى الكويتي اليوم    الفروع الرياضية على موعد مع منافسات محلية ودولية    "القاتل الصامت"يجدد الموعد مع انخفاض درجات الحرارة    الكشف المبكر حل أمثل للوقاية والعلاج    بيتكوفيتش مرتاح لعودة بعض الركائز    دعوة لتأسيس قاعدة بيانات الأدب الجزائري المهاجر    تجذير الروابط الثقافية بين الجزائر وبلاد    إبراز الدور الريادي للإعلام الوطني    القمع الاستعماري محور ندوة تاريخية    انطلاق تسجيلات الطلبة الجزائريين    سايحي يبرز أهمية التكوين وعصرنة التسيير    تسهيلات لفائدة المستثمرين والمنتجين    56 ألف إصابة بالسرطان في سنة واحدة بالجزائر    صالون الجزائر الدولي للكتاب يفتح أبوابه في طبعته ال28 تحت شعار "الكتاب ملتقى الثقافات"    حددنا مدة شهر بغرض منح وقت كاف للراغبين في التسجيل"    الجزائر تؤكد التزامها الراسخ بتعزيز وحدة إفريقيا وخدمة قضاياها    تساهم في "توجيه السياسات الصحية بصورة أكثر دقة وفعالية"    المسار الإعلامي الجزائري طويل ومتجذر في التاريخ    غيليزان : 31 جريحا في حادث مرور    عسلاوي تشارك في أشغال المؤتمر العالمي للعدالة الدستورية    ميسي يتطلّع لمونديال 2026    63 عاماً من السيادة الوطنية على الإذاعة والتلفزيون    الدكتور مصطفى بورزامة: الإعلام الجزائري منبر وطني حرّ وامتداد لمسار النضال    التلقيح ضروري لتفادي المضاعفات الخطيرة    المهرجان الثقافي للموسيقى والأغنية التارقية : الطبعة التاسعة تنطلق اليوم بولاية إيليزي    المنافسات الإفريقية : آخرهم مولودية الجزائر .. العلامة الكاملة للأندية الجزائرية    بطولة الرابطة الثانية:اتحاد بسكرة يواصل التشبث بالريادة    كأس افريقيا 2026 /تصفيات الدور الثاني والأخير : المنتخب الوطني النسوي من أجل العودة بتأشيرة التأهل من دوالا    مباشرة حملات تلقيح موسعة ضد الدفتيريا بالمدارس    ميزانُ الحقِّ لا يُرجَّحُ    الشبيبة تتأهل    شروط صارمة لانتقاء فنادق ومؤسّسات إعاشة ونقل الحجاج    ما أهمية الدعاء؟    مقاصد سورة البقرة..سنام القرآن وذروته    فضل حفظ أسماء الله الحسنى    معيار الصلاة المقبولة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نصر حامد أبو زيد من داخل المنظومة الدينية

تتعدد الأسباب ويستمر الموت هو الموت· لكنه حين يصيب، في وقت مبكر، مفكرا وعالما وباحثا في مجتمع عربي إسلامي يتخبط في ليل حالك من الجبرية والاستسلام والانكفاء على الذات، بحثا عن طريق عودة إلى صيغة ماض قطعها الحاضر بحقائقه التي تتطلب مواجهة بأدوات هذا الحاضر، فإن تأثيره الموجع يصير مضاعفا·
ذلك، لأن إنتاج مفكر آخر بقامة ''أبو زيد'' يتطلب طفرة أخرى مثل طفرته هو الذي دخل ميدان الدراسات الإسلامية من خارج دائرة الدراسة الدينية؛ وتلك هي المفارقة التي لم تهضمها الدوائر الدينية ''الوصية''؛ باعتبار ذلك يشكل خطرا على طروحاتها ومن ثمة على الإطار الذي حدّدت للمجتمع معالمه بأن يتحرك ضمنها؛ حفاظا على مصالحها المرتبطة موضوعيا بمصالح التيارات النافذة في الأنظمة السياسية التي توظفها·
فتلك الدوائر ظلت تنظر إليه على أنه دخيل على مجالها· وفوق ذلك، فهو غير ملتزم معها بعقد موالاة لأنه ليس ''ابنا شرعيا لها''· ولا هو محكوم عليه بأن يمارس وظيفته داخل المؤسسات التابعة لها، الأمر الذي يمكن أن يجبره على التحفظ تجاه سلطتها القائمة على مركزية ''الاجتهاد'' مثلها مثل المركزيات الديمقراطية في تجربة الأحزاب الأحادية ومن ثمة تستحيل عليها الرقابة المباشرة عليه أو إخضاعه لمرجعيتها·
ولذلك لم يكن بقي لها لإسكاته وإقبار مشروعه، سوى رفع يافطة ''الكفر'' في وجهه· وقد قامت بذلك، للمؤسف والمحزن والمبكي، جامعة القاهرة العريقة· كما حرّك ''زملاء'' له في مهنة التدريس والهمّ الأكاديمي دعوى ضده للفصل بينه وبين زوجته، نظرت فيها محكمة مدنية، في سابقة مشينة، لإرضاء تلك الدوائر؛ برغم عبثية مضمون الدعوى وشكلها، فاضطر هو وزوجته إلى الهجرة·
حدث ذلك في عام ,1995 الذي كان الجزائريون خلاله يعيشون، وحدهم تماما، أقسى ساعات وجودهم، معرضين كل يوم إلى أفظع أنواع التقتيل الجماعية بالتفجيرات والحواجز المزيفة والمداهمات الليلية وباستهداف طلائعهم من المثقفين والأكاديميين والإعلاميين ورجال الدين المتنورين وكوادر مؤسسات الدولة ورجال الأمن·
فها هو نصر حامد أبو زيد قد غادر هذه الدنيا (1943 2010) من غير أن يحمل معه جوابا عن طبيعة الفيروس الذي أودى به وهل أصابه صدفة أم بتبييت ما، تنفيذا لحكم غيابي أصدرته بحقه قوى بالكاد تخفى، ظل يفزعها منذ حوالي قرن، في مصر خاصة، أن يستأنف العقل العربي أسئلته حول وطأة تأويلها الديني، فناهضته بما يحفظ للأنظمة السياسية ''الملكية'' و''الجمهورية'' وما بينهما استمراريتها وإعادة إنتاج نفسها بتصريف اجتهادات ''فقهائها'' و''علمائها'' و''فتاواهم'' بل وحتى ''أساتذتها'' في أكبر الجامعات التي، كأنما هي تأسست لتخوض حربها المقدسة ضد العقل الذي من المفروض أن يكون هو محركها ومسوغ فعلها الحضاري·
إن مراجعة لجدالية نصر حامد أبو زيد وصداميته مع طروحات تلك الدوائر، من خلال منجزه الفكري القيم: (الاتجاه العقلي في التفسير·· دراسة في قضية المجاز في القرآن عند المعتزلة· دراسة في تأويل القرآن عند محيي الدين بن عربي· مفهوم النص·· دراسة في علوم القرآن· الإمام الشافعي وتأسيس الأيديولوجية الوسطية· نقد الخطاب الديني· دوائر الخوف·· قراءة في خطاب المرأة· التفكير في زمن التكفير·)، تكشف عن أنه كان أحد المضيفين لبنة أخرى إلى أساس بناء المشروع العقلاني في الفكر العربي الإسلامي المتعثر للأسف الذي بدأ باجتهادات سابقيه؛ خاصة: علي عبد الرازق (1888 1966) في مؤلفه المرجعي حول نقد أطروحة الخلافة ''الإسلام وأصول الحكم''، الذي صدر في الفترة التي شهدت ''فتنة'' طه حسين ''في الشعر الجاهلي''، باعتباره ابن الأزهر ''العاق'' وأحد الدارسين للاقتصاد في جامعة أكسفورد؛ أي واحدا من الذين حاولوا إيصال طرفي الأصالة بالحداثة لتأسيس النهضة انطلاقا من نقد اجتهادات المجتهدين· ومحمد أحمد خلف الله، صاحب كتاب ''الفن القصصي في القرآن الكريم'' المشهور، والقائل ''لا تحريم إلا بنص''، وأحد أكبر كتاب مجلة ''الطليعة'' المصرية في السبعينيات المساهمين باجتهادات دينية مثيرة حول الرؤية إلى الحلال والحرام وحول مسألة توزيع ''غنيمة'' الحرب المعاصرة خاصة·
فلعل أهمية منجز نصر حامد أبو زيد وقيمة شخصه تأتي من كونها تأسّست على هذا النزوع نحو تكريس استمرارية الانتصار إلى العقل من داخل المنظومة الدينية نفسها؛ لا من خارجها، في ما يمس حياة المسلمين في العالم العربي خاصة، باستلهام تراث المعتزلة والمتصوفة العارفين واجتهادات العلماء اللاحقين وباعتماد المناهج النقدية في التحليل وإعادة التركيب·
فلا بد إذاً من انتظار زمن قد يكون بعمر هذا الفقيد الفذّ، ليسطع نجم آخر تهتدي به في ليلها مجتمعاتنا التي تراهن أنظمتها على أن لا تخرج إلى فجر البشرية·
هذا البريد الإلكتروني محمي من المتطفلين و برامج التطفل، تحتاج إلى تفعيل جافا سكريبت لتتمكن من مشاهدته


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.