النحت بالنسبة إلى محمد حكاية راودته منذ زمن الصبا، ولم يتخيل نفسه يوما أنه لا يقرأ ما تمليه عليه أنامله في قطعته الخشبية؛ كما أنه لا يتخيل نفسه يوما أنه ينقطع عن التفنن في هذا العالم الجميل؛ ما شدنا إلى محمد كثرة الحديث عنه وعن أعماله من طرف أبناء الحي الذي يقطنه؛ فالجميع يتحدث عن أعماله بشيء من الانبهار الممزوج بالإعجاب، كما أن بعضهم يكاد ألا يصدق أن رجلا كان يقاسمهم العيش البسيط في حيهم المتواضع قد تحول اليوم إلى فنان من الطراز العالمي، وهو الأمر الذي زاد من فضولنا ودفعنا إلى التوجه نحو ''حمدود الدومي'' كما يلقبه أبناء الحي، للتعرف عن قرب على العلاقة الوطيدة التي تجمع بين حمدود وتحفه الخشبية الرائعة. حينما توجهنا إلى بيته الواقع بحي الدوم ببرج الكيفان، الساعة آنذاك كانت تشير إلى الثانية بعد الزوال، بعد أن ضربنا معه موعدا مسبقا على زيارته، وبمجرد أن وصلنا إلى مدخل الحي الشعبي المكتظ بالسكان، لمحنا ''حمدود'' واقفا بالقرب من ورشته مرتدي لباس يشبه إلى حد ما اللباس الرسمي الذي يرتديه الفنانون في المناسبات الرسمية، وما لمحناه في الرجل أنه كان مفعما بالحيوية والنشاط، وما لاحظناه على ملامحه ابتسامة خجولة فيها نوع من الفرحة الممزوجة بالعتاب التي تكشف على أنه فنان لكن مخفي، ولا يزال الوقت لرفع الستار عنه كبقية الفنانين، وبمجرد أن وصلنا إليه استقبلنا بحرارة وأدخلنا مباشرة إلى ورشته أو بالأحرى مستودع يمارس فيه طقوسه الفنية الفائقة الروعة، ونحن نتمعن البعض من تحفه التي وجدناها معروضة بشكل متواضع، شعرنا بالأسف لحالة الفن، حيث يظل الفنان يعاني الأمرين، ومع ذلك تجده يصر على الاستمرار في إحياء فن سكنه حتى النخاع· كثرة التأمل سر اهتمامه بأدق التفاصيل لم يكتف الفنان بنحت أشكال بالأحجام الصغيرة، وإنما دفعه هوسه بالنحت إلى تطوير لمساته الإبداعية، وأول مشروع له كان في إنجاز مجسمات لسيارات من الطراز القديم تعود إلى سنوات 1800 ثم نحته طائرة من نوع البوينغ ,777 بعد أن رسم شكلها في مخيلته، والمتمعن للطائرة يشاهد عن قرب كل حيثيات التفاصيل الدقيقة الموجودة بالطائرة. ومن أعمال الفنان أيضا باخرة أطلق عليها اسم حمدود تشبه إلى حد كبير باخرة طارق بن زياد، وحسب ما أكده لنا الفنان أن لباخرته أيضا حكاية، حيث كان يتوجه مرارا إلى إحدى واجهات المحلات التي كانت تبيع التحف الخشبية بالحجم الصغير بمنطقة ''لبيروس'' ببرج البحري، وخلال مشاهدته كان يدقق النظر في ذلك، كما أن الفنان كان كثير التوجه إلى الميناء وهدفه من وراء ذلك التعرف على الأشياء من موقعها، مع العلم أن عمله يستغرق مدة تتراوح ما بين 03 أشهر إلى 06 أشهر· من مشاريع حمدود التي هي في طور الإنجاز باخرة ''التيتانيك''، وقد استمد بعضا من صورها من الأنترنت وقام بوضع مخطط لها في ذهنه، والآن شرع في تجسيدها على أرض الواقع ويبلغ طولها مترا وعشرين ويستغرق صنعها حوالي 05 أشهر·